مع اقتراب عام 2026، طرح قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، رؤيته لمستقبل القضية الكردية في المنطقة، معتبرًا هذا العام محطة مفصلية ووصفه بـ"عام الوحدة الكردية" في الدول الـ4 التي يتوزع فيها الأكراد. تأتي تصريحات عبدي في ظل ضغوط متزايدة من دمشق وأنقرة لتنفيذ اتفاق أُبرم في مارس الماضي بين الحكومة السورية و"قسد"، وهو اتفاق لم يترجم عمليًا على الأرض حتى الآن.
في المقابل، شددت أنقرة على موقفها الصارم، حيث أكد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، أن اتفاق 10 مارس لم يحقق أي نتائج ملموسة، داعيًا إلى دمج قوات "قسد" في الجيش السوري وفق خطة وجدول زمني محدد، مع الالتزام الكامل بالسلطة المركزية وإنهاء أي هياكل أمنية موازية.رسالة كردية
اعتبر عبدي، أن عام 2026 سيشكل محطة مفصلية في مسار القضية الكردية، حيث وصفه بأنه سيكون عام "الوحدة الكردية" في الدول الـ4 التي يتوزع فيها الأكراد بالمنطقة.
يؤكد الباحث في المركز الكردي للدراسات طارق حمو خلال حديثه إلى منصة "المشهد" أن "تصريحات الجنرال مظلوم عبدي كانت موجهة أساسًا للقنوات الكردية في كردستان الشرقية، وتحديدًا من كردستان إيران، وكانت باللغة الكردية، ما يجعل الجمهور المستهدف بالدرجة الأولى هو الجمهور الكردي".
ويشير حمو إلى أن "عبدي ركز في حديثه على التنسيق بين الأكراد، وعلى متابعة شؤؤون بعضهم البعض وتقديم المساعدة عند الحاجة، مشددًا على أن كردستان هي الوطن التاريخي للشعب الكردي، وأن الانقسام الحالي بين عدة دول لا يمنع الأكراد من متابعة أخبار بعضهم والتعاون فيما بينهم".
ويضيف حمو أن الرسالة كانت "كردية-كردية، مركزة على الشعور القومي وروح التعاون، مع التأكيد على أن الهدف هو متابعة جميع أجزاء كردستان للتجربة في شمال سوريا ودعمها بما يمكن. كما تطرق الجنرال إلى المقاتلين من كردستان الشرقية الذين شاركوا في بناء هذا الكيان، واستشهدوا في النضال ضد تنظيم داعش والنظام الإيراني.يعيش الأكراد في 4 دول رئيسية: تركيا، سوريا، العراق، وإيران، وتشكل هذه المناطق ما يُعرف تاريخيًا بـ"كردستان الكبرى". رغم الانقسامات السياسية، هناك شبكة علاقات اجتماعية وثقافية بين الأكراد عبر الحدود.بدوره، يقول الباحث والمحلل السياسي عباس شريفة في حديثه لـ"المشهد" إن "ما يقصده مظلوم عبدي بوحدة الأكراد في الدول الأربع هو فكرة الكونفدرالية واتحاد هذه الأجزاء، لكنها رسالة تصعيدية أكثر من كونها برنامجًا عمليًا. الرسالة سياسية، وموجهة بشكل أساسي إلى تركيا والعراق والدولة السورية، بمثابة تحذير أو تهديد، لكنها ليست خطوة فعلية للدخول في مواجهة مع هذه الدول".
ويضيف شريفة أن "على الأرض، الوضع في كردستان العراق محدد وفق ترتيبات معينة، وحزب العمال الكردستاني في تركيا قد أنهى أعماله العسكرية ودخل في مسار سياسي مع الدولة التركية. لذلك، كلام عبدي يعكس استشعار الخطر، خصوصًا مع قرب نهاية المهلة المحددة لتطبيق اتفاق 10 مارس، وما تلاه من رسائل سلبية تلقتها قوات سوريا الديمقراطية من الولايات المتحدة"."كونفدرالية كردية"
كذلك لفت عبدي في تصريحاته إلى أن"عام 2026 سيكون عام الكونفدرالية الوطنية الكردية، عام الوحدة بين أجزائها الـ4، حيث ستُكفل حقوق الأكراد وأرضهم في روج آفا دستوريًا".مشروع الكونفدرالية هو اقتراح لتوحيد الأجزاء الكردية الأربع ضمن صيغة تعاون ديمقراطية، مع الحفاظ على سيادة الدول الحالية. المشروع مستوحى من مقترحات القائد الكردي عبد الله أوجلان، ويهدف إلى تعزيز التعاون السياسي، الثقافي، والاجتماعي بين الكرد عبر الحدود.
يشرح حمو أن "مشروع الكونفدرالية الديمقراطية هو صيغة لاتحاد بين أجزاء كردستان، تعتمد على التعاون والتفاهم وإزالة الحدود بطريقة لا تضر الدول. وبيّن أن هذا المشروع طرحه القائد الكردي عبد الله أوجلان قبل سنوات"، قائلاً إنه "إذا حُلت القضية الكردية في هذه الدول الأربع على أساس ديمقراطي واعتُرف بالحقوق والخصوصيات الكردية، يمكن إنشاء نوع من الكونفدرالية بين الأجزاء، تشمل الاتصال الجغرافي والديمقراطي، مع وحدة ثقافية بين المكونات الكردية".
ويبين حمو بالقول أن الجنرال عبدي يعرض مشروعًا وطنيًا وكرديًا في الوقت ذاته، يهدف إلى توطيد العلاقات بين الأجزاء الأربعة لوطن الشعب الكردي بطريقة كونفدرالية.
في المقابل، يلفت شريفة إلى أن "التعريف السياسي للكونفدرالية يشبه إلى حد كبير تجربة الاتحاد الأوروبي، حيث توجد عملة مشتركة، وجيش مشترك، ونظام أمني مشترك، وقيادة تنسيقية مشتركة، إلى جانب برلمان فيدرالي للاتحاد الأوروبي. بمعنى آخر، الكونفدرالية هي أشبه بحالة الاتحاد الأوروبي على المستوى السياسي والإداري".ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار هذا المشروع عابرًا للحدود بحسب شريفة، "ويعطي الانتماء القومي الأولوية على الانتماء الوطني. أما الانتماء الوطني فهو يُنظر إليه في هذا السياق كجسر أو مرحلة مؤقتة، أو كإجراء تكتيكي، يُستخدم لشراء الوقت من أجل نضوج المشروع القومي والوصول به إلى مرحلة التنفيذ الفعلي".ويُضيف: "أن خطاب "قسد" السياسي يتسم أحيانًا بعدم الاتساق والتذبذب بين هوية "الأمة الديمقراطية"، التي تشمل العرب والسريان والأكراد والأرمن، وهوية الأمة الكردية أو الوطنية السورية، ما يخلق حالة من عدم الثقة في قدرتهم على أن يكونوا شريكًا حقيقيًا في بناء العقد الاجتماعي وتحقيق الاستقرار".ويشير إلى أن "هذه التصريحات تأتي في سياق تغيّر أوراق القوة بعد رفع العقوبات عن سوريا وتعزيز الشراكة بين التحالف الدولي والدولة السورية، ما يجعل القضايا التي كانت تعتمد عليها "قسد" مثل مكافحة الإرهاب وضمان الأمن والاستقرار أقل فاعلية في التفاوض، خاصة مع سقف تفاوضي محدد باتفاق 10 مارس، والذي لا يمكن تجاوزه أو تغييره بسهولة".اتفاق 10 مارس
تشير تقارير إلى أن المسؤولين السوريين والأكراد والأميركيين يعملون على إظهار تقدّم في ملف دمج قوات كردية مع الدولة السورية قبل نهاية العام، رغم أن الاتفاق المتعلق بذلك ما زال متعثراً.
وقالت مصادر سورية وكردية وغربية لوكالة رويترز إن المناقشات شهدت تسارعاً في الأيام الأخيرة، إلا أن الإحباط من التأخير المتواصل يظل كبيراً، ويحذر البعض من أن تحقيق انفراجة حقيقية أمر غير مرجح. وأوضح مسؤول غربي أن أي إعلان محتمل خلال الفترة المقبلة سيكون جزئياً بهدف "حفظ ماء الوجه" وتمديد المهلة، مع محاولة الحفاظ على استقرار دولة لا تزال هشة بعد أكثر من عقد على الحرب.
في هذا السياق، يوضح شريفة أن "آخر المعلومات تفيد بأن الدولة السورية أرسلت رسالة واضحة تؤكد موافقتها على ضم ثلاث فرق عسكرية من قوات سوريا الديمقراطية، على أن تبقى هذه الفرق على حالها في المرحلة الأولى. لكن هناك شرط أساسي، وهو أن تنتشر الدولة السورية أيضًا على صعيد الأمن والمؤسسات في شمال وشرق البلاد"..
ويتابع :
حتى الآن، لم ترد قوات سوريا الديمقراطية برد رسمي إيجابي أو رفض صريح، لكن يبدو أن هناك رفضًا ضمنيًا، إذ يخشون أي عملية انتشار فعلية للدولة السورية. قوات سوريا الديمقراطية تسعى للحفاظ على كيان مستقل، بعلاقة شكلية مع الدولة تمنحهم الشرعية السياسية دون أن تكون مرتبطة فعليًا بالدولة السورية.
وبناءً على ذلك، يبدو أن المفاوضات التي لم تحقق تقدمًا خلال الـ9 أشهر الماضية لن تشهد أي اختراق مفاجئ خلال الأيام الـ10 المقبلة.الجدير بالذكر أن هجوم تدمر صعد الذي أسفر عن مقتل عناصر أميركيين في 13 ديسمبر، الضغوط الداخلية على واشنطن لناحية ضرورة التأني في مسار دمج "قسد" بالجيش السوري الجديد، في وقت كثّفت فيه أنقرة من ضغوطها.(المشهد)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
