بنغازي 21 ديسمبر 2025 (الأنباء الليبية) -يعاد طرح ملف إشراك جميع المواطنين دون استثناء في العملية الديمقراطية بقوة مع كل استحقاق انتخابي تشهده ليبيا، غير أن شريحة واسعة من المجتمع، وهم الأشخاص ذوو الإعاقة، ما تزال مشاركتهم الحقيقية رهينة المسافة بين النصوص القانونية الراقية والواقع الذي لا يجسدها.
فعلى الرغم من مصادقة الدولة الليبية على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ووجود تشريعات محلية تضمن المساواة وحق كل مواطن في ممارسة حقه الانتخابي، إلا أن آلاف المواطنين من هذه الفئة يواجهون في كل مرة سلسلة من التحديات والمعوقات التي تبدأ قبل الوصول إلى مراكز الاقتراع، ولا تنتهي عند الإدلاء بالصوت، الأمر الذي يجعل شموليتهم في العملية الانتخابية هدفًا معلنًا أكثر منه واقعا مطبقا.
فالطرقات غير الممهدة، والمراكز غير المهيأة، والأبواب الضيقة، وغياب المنحدرات، وتجاهل لغة الإشارة، ونقص المواد التوضيحية للمكفوفين، كلها تفاصيل قد تبدو صغيرة لمن لا يختبرها، لكنها بالنسبة لذوي الإعاقة حواجز صلبة يمكنها أن تحرمهم من أبسط حقوق المشاركة السياسية، وبينما يجري الحديث عن انتخابات تشمل الجميع، يصطدم الكثير منهم بواقع يقول إن الوصول إلى صندوق الاقتراع نفسه قد يتحول إلى مهمة شبه مستحيلة.
ولا تتوقف التحديات عند الجوانب اللوجستية فقط، فهناك أيضا فجوة كبيرة في الوعي المجتمعي، وضعف في تدريب اللجان الانتخابية على كيفية التعامل مع احتياجات ذوي الإعاقة، إضافة إلى غياب حملات وطنية حقيقية تعرفهم بحقوقهم الانتخابية وآليات المشاركة، ومع كل استحقاق جديد، يجد الكثيرون أنفسهم أمام سؤال مؤلم، هل يُفترض بنا أن نقاتل من أجل حق من المفترض أن يكون مضمونًا لنا مثل غيرنا؟
هذا الملف يفتح الباب أما حق ذوي الإعاقة في الانتخابات في ليبيا من زاوية أوسع وأكثر عمقا، ندخل إلى تجاربهم الشخصية، نتتبع العراقيل التي يواجهونها، نستعرض المواقف القانونية، ونطرح الأسئلة التي يتجنبها كثيرون، هل تُصنع الانتخابات في ليبيا لتستوعب كل المواطنين حقا؟ أم أن صناديق الاقتراع ما تزال مغلقة في وجه فئة تستحق أن يكون صوتها حاضرا لا غائبا.
-مسار دعم الإعاقة
توضح مسئولة وحدة دعم الأشخاص ذوي الإعاقة بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات ماجدة الكاتب ما تحقق خلال السنوات الماضية لصالح الناخبين من ذوي الإعاقة جاء عبر مسار طويل من الاجتهادات، بدأ قبل إنشاء وحدة دعم الأشخاص ذوي الإعاقة التي تأسست رسميا بموجب القرار رقم 49 لسنة 2017 وبدأت عملها فعليا مطلع 2018، مشيرة إلى أن الجهود السابقة لانتخابات 2014 كانت محدودة وغير ممنهجة، بينما شكّل إنشاء الوحدة نقطة تحول حقيقية في التعامل مع احتياجات الناخبين من ذوي الإعاقة.
-الصلاحيات و خطة التهيئة
أوضحت أنه مع انتقال مهام إدارة انتخابات المجالس البلدية إلى المفوضية عام 2023، شرعت الأخيرة في تنفيذ خطة إستراتيجية تهدف إلى تهيئة عدد من مراكز الاقتراع داخل البلديات التي شهدت انتخابات خلال عامي 2024 و2025، إلا أنّ الواقع العملي بحسب الكاتب ظل يفرض قيودا كبيرة، خاصة وأن معظم مراكز الاقتراع هي مدارس تتبع وزارة التربية والتعليم، ما يجعل تهيئتها خارج صلاحيات المفوضية المباشرة.
ورغم مخاطبة وزارة التربية والتعليم، ومصلحة المرافق التعليمية، وجهاز الأعمار، فإن الاستجابة كانت شبه غائبة، ما دفع المفوضية إلى الاعتماد على المدارس التي تضم الحد الأدنى من معايير الوصول تجنبا لإقصاء فئة واسعة من الناخبين.
-الوصول إلى المعلومات
تواصل الكاتب ترافق ذلك مع جهود لتسهيل الوصول إلى المعلومات الانتخابية، حيث وفّرت المفوضية محتوى مترجمًا بلغة الإشارة عبر المقاطع المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي والمؤتمرات الصحفية، كما عملت على إنتاج مواد مطبوعة بطريقة برايل بالتعاون مع جمعيات المكفوفين في طرابلس وبنغازي ومصراتة.
ومؤخرا، تسلمت وحدة الدعم طابعتين لطباعة المواد التوعوية والتدريبية بطريقة برايل، مع خطط مستقبلية لطباعة ورقة الاقتراع بطريقة برايل في انتخابات 2026، سواء الرئاسية أو البرلمانية
التدريب الهرمي من وحدة الدعم إلى موظفي المراكز
أما فيما يتعلق بعملية التدريب، تتبع المفوضية آلية هرمية تبدأ من كوادر وحدة الدعم ثم تمتد تدريجيًا إلى منسقي التدريب في الفروع الـ25، وصولاً إلى موظفي مراكز الاقتراع، وتركّز المفوضية على التنويع بين مختلف تصنيفات الإعاقة لضمان شمولية أكبر في التدريب.
-غياب الاستجابة وتهالك المرافق
تصف مسئول الوحدة حجم التحديات قائلة: رغم الجهود، تصطدم المفوضية بتحديات كبيرة، أبرزها غياب استجابة شركاء العملية الانتخابية، وعلى رأسهم وزارة التربية والتعليم والجهات التابعة لها، أن مسؤولية تهيئة المدارس التي تتحول يوم الاقتراع إلى مراكز اقتراع تقع على الجهات المالكة لها، وأن جميع محاولاتها لضمان مراعاة معايير الوصول في المدارس الجديدة أو المجددة لم تجد أي تفاعل فعلي، وتقول الكاتب وهي نفسها من ذوي الإعاقة الحركية إن هذه التحديات تعيشها كناخبة لا كموظفة فحسب.
-البيانات و غياب إحصائيات رسمية
فيما يتعلق بغياب الإحصائيات الدقيقة حول أعداد الناخبين من ذوي الإعاقة، تؤكد الكاتب أن صندوق التضامن الاجتماعي الجهة المختصة بجمع البيانات لم تستكمل بعد المسح الوطني لتصنيف الإعاقات، مما يجعل الحصول على رقم رسمي شامل أمرا غير ممكن، أيضا تعمل المفوضية على خطط لربط بيانات الإعاقة بتسجيل وتحديث السجل الانتخابي مستقبلا.
-مقترحات
نوهت مسئولة الوحدة أن المفوضية تدرس إمكانية إضافة مؤشرات داخل السجل الانتخابي لتحديد نوع الإعاقة واحتياجات كل فئة عبر رموز خاصة، إلا أن النظام التقني الحالي يواجه صعوبات في تطبيق الفكرة، مؤكدة أن المفوضية ستسعى لتطبيق المقترح في انتخابات 2026 عند تذليل العقبات الفنية.
وردا على الانتقادات المتعلقة بضعف تهيئة المراكز، توضح الكاتب أن المشكلة الأساسية ليست داخل المفوضية بل لدى الشركاء الذين لم يلتزموا بتعهداتهم تجاه الفئة المستهدفة، وتوضح أن ملكيتها للمراكز تقتصر على يوم الاقتراع فقط، وأنها ليست الجهة المسئولة عن تجهيز المدارس أو تطويرها.
رؤية مستقبلية إستراتيجية واضحة ودعم دولي مستمر
وتبين الكاتب أنه في ظل كل هذه التحديات، تمتلك وحدة دعم الأشخاص ذوي الإعاقة إستراتيجية واضحة لتعزيز مشاركة ذوي الإعاقة في العملية الانتخابية، تنفّذ منها ما يمكن وفق الإمكانيات المتاحة، مع اعتماد مستمر على الدعم الدولي وشراكات فاعلة لتحسين شمولية العملية الانتخابية وضمان تمكين أكبر لهذه الفئة داخل المشهد الديمقراطي الليبي.
-دور المنظمات المحلية
في ذات السياق يؤكد رئيس منظمة زيكم زينا لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة باسم القراضي، أن المنظمة نفذت خلال السنوات الماضية سلسلة واسعة من البرامج والمبادرات الهادفة إلى تعزيز مشاركة هذه الفئة في العملية الانتخابية، إذ أطلقت حملة زيكم زينا للتوعية بالعملية الانتخابية، ونفذت ورش عمل، وجلسات تعريفية، ومطبوعات، ولافتات طرقية، كما حرصت على التواصل المستمر مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لضمان إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف مراحل العملية الانتخابية
وشملت جهود المنظمة حملات توعية على منصات التواصل الاجتماعي للتشجيع على المشاركة سواء كناخبين أو مرشحين، إضافة إلى إطلاق مبادرة تاكسي الناخب التي وفرت خط هاتف للتواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، مع توفير سيارة أجرة لمن تعيقهم ظروف التنقل بسبب غياب وسائل المواصلات المناسبة، كما نظمت المنظمة خلال السنوات الماضية عدة ورش تدريبية ودورات تهدف إلى رفع الوعي بحقوق المشاركة السياسية، إلى جانب إنتاج مقاطع فيديو ومنشورات تثقيفية نشرت عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل.
-وصول انتخابي عادل
في إطار اهتمامها بتوسيع النقاش العام حول المشاركة السياسية، أطلقت المنظمة عدة ملتقيات بالتعاون مع فريق عمل متخصص، حيث كان الأول تحت شعار نحو تعزيز المشاركة السياسية ، يليه المنتدى الثاني بعنوان نحو إعلام مناصر لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ، أيضا شاركت في مؤتمرات وبرامج إقليمية ودولية لتبادل الخبرات حول أفضل الممارسات لتعزيز المشاركة الانتخابية لهذه الفئة.
وعلى صعيد مراقبة الانتخابات، تشير المنظمة إلى أن المفوضية استجابت لمطالبها خلال الاستحقاقات السابقة، وقامت بتهيئة نحو 10 في المائة من مراكز الاقتراع عبر وضع منحدرات في المداخل غير المهيأة.
إلا أن المراقبة الميدانية كشفت عددا من الإشكاليات، أبرزها تأثير الصيانة المتكررة للمدارس التي تُستخدم كمراكز اقتراع دون مراعاة معايير الوصول، إضافة إلى الاستخدام الخاطئ للمنحدرات، ما جعل كثيرًا منها بحاجة لإعادة تهيئة وفق المواصفات الدولية.
وفي هذا الإطار، تمت مراسلة وزارة التعليم للمطالبة بإعادة تهيئة المدارس، كونها الجهة المسئولة عنها، غير أن الاستجابة كانت محدودة، لذلك عمدت المفوضية إلى تخصيص مركزين مهيأين على الأقل داخل كل بلدية لتعزيز مشاركة الناخبين من ذوي الإعاقة في كل دورة انتخابية.
-صعولة التمويل
رغم الجهود المبذولة، تعاني المنظمة من صعوبات واضحة في التمويل والاستمرار، حيث إن العمل يتطلب دعما مستمرا من الدولة والقطاع الخاص، سواء عبر التمويل أو توفير القاعات والتدريبات.
وتشير إلى أن الدعم السابق كان يأتي من الجهات الدولية العاملة في ليبيا، بينما تتراجع اليوم مستويات التمويل بشكل ملحوظ رغم أن المسؤولية المجتمعية تتطلب مساهمة محلية أكبر.
تعاون المفوضية مثمر وناجح
وتصف المنظمة تعاونها مع المفوضية بالجيد والمستمر عبر السنوات، مؤكدة أن الشراكة بينهما أثمرت عن نجاحات مؤثرة، أبرزها استحداث وحدات دعم الأشخاص ذوي الإعاقة داخل الهيكل الإداري للمفوضية، وهو خطوة عدّتها منظمة ضرورية وفاعلة في تعزيز مشاركة ذوي الإعاقة.
و تجدد المنظمة مطالبها الأساسية، وعلى رأسها تطوير التشريعات لضمان تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة داخل المجالس النيابية والبلدية، أسوة بما هو معمول به في تجارب دولية أخرى، إلى جانب ضرورة تهيئة المدارس ومراكز الاقتراع لضمان وصول التلاميذ والناخبين إليها.
كما تؤكد على الدور الحيوي للإعلام في رفع الوعي، وإبراز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز مناصرة قضاياهم بشكل مستدام.
-رحلتي في الانتخابات
يستعرض أحمد شليبك، أحد المرشحين لانتخابات المجالس البلدية ضمن نظام القائمة، تجربته الانتخابية التي خاضها للمرة الأولى، مؤكدا أن ضعف التمثيل الحقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة في مواقع صنع القرار كان الدافع الأساسي وراء ترشحه.
ويضيف أن تشجيع عائلته وأصدقائه، وخاصة أصدقائه من ذوي الإعاقة، عزّز قناعته بضرورة خوض التجربة وتمثيل هذه الفئة التي لا تزال بعيدة عن المشهد البلدي.
ويشير شليبك إلى أنه خاض العملية الانتخابية منذ بدايتها، بدءًا من تقديم ملفه ضمن قائمة معتمدة، مرورًا بمرحلة التسجيل والتحشيد والتواصل مع الناخبين، ثم الدعاية الانتخابية والاقتراع وإعلان النتائج، ورغم عدم فوزه يرى أن الأمر جزء طبيعي من العملية الانتخابية التي تحتمل الفوز والخسارة.
-حملة انتخابية مثقلة بالتحديات
يصف شليبك العراقيل التي واجهته بأنها كثيرة ومعقّدة، وعلى رأسها صعوبة الحصول على تمويل لإطلاق حملة انتخابية متكاملة، فغياب الدعم المالي جعله عاجزا عن تغطية تكاليف الدعاية، وتنظيم اللقاءات، وتصوير المواد الإعلامية، وإجراء الأنشطة التي يقوم بها عادة أي مرشح.
ويضيف لكن العقبة الأكبر، كانت إمكانية الوصول، فتنظيم لقاءات ميدانية أو اجتماعات مجتمعية يتطلب أماكن مهيأة لاستقبال ذوي الإعاقة، وهو ما يكاد يكون معدوما في نطاق البلدية، كما أن التنقل داخل المدينة كان مرهقا للغاية بسبب تدهور حالة كرسيه المتحرك وضعف بطارياته، ما جعله أحيانا غير قادر على تغطية حتى زيارة واحدة في اليوم، و أن غياب الفريق المساند، وصعوبة إنجاز المهام بشكل فردي، ضاعفا العبء عليه خلال فترة الدعاية.
-غياب الوعي الانتخابي
يؤكد شليبك أن ضعف الوعي المجتمعي تجاه ترشح الأشخاص ذوي الإعاقة يمثّل أحد العوامل التي تعيق مشاركتهم السياسية، فقد واجه تساؤلات تكشف عن فهم محدود لدورهم، مثل هل ستكون عضو مجلس بلدي مثل بقية الأعضاء؟ أو هل سيصوّت لك ذوو الإعاقة فقط؟ ، مشير إلى أن كثيرا من المواطنين ما زالوا ينظرون إلى ترشح شخص من ذوي الإعاقة باعتباره شأنا خاصا بهذه الفئة، وليس خيارا عاما متاحا لكل الناخبين.
-الدعم معنوي فقط
أما عن الدعم الذي تلقّاه، فيقول شليبك إنه اقتصر على الدعم المعنوي من الأسرة والأصدقاء والمقربين، إضافة إلى دعم واسع من أشخاص ذوي الإعاقة على مستوى ليبيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المقابل لم يتلق أي دعم سياسي أو من مؤسسات أهلية، باستثناء عرض فردي لدعم تقني كان مشروطا بأن يكون ترشحه فرديا وليس ضمن قائمة.
وينهي شليبك حديثه مؤكدا على أن تعديل قانون الانتخابات أصبح ضرورة ملحة لضمان مشاركة كاملة وعادلة للأشخاص ذوي الإعاقة، منتقدا أن يكون تمثيلهم محصورا في كرسي واحد داخل القائمة، وهو ما يراه ظلما واضحا لا يعكس حجم الشريحة ولا احتياجاتها.
ويطالب بأن يكون ترشح ذوي الإعاقة مستقلا وفرديا، كما كان في السابق، وأن يتم رفع الوعي لدى الناخبين والمرشحين بأهمية هذا التمثيل.
ويرى أن نجاح العملية الانتخابية يتطلب أولا وعيا انتخابيا حقيقيا بعيدا عن المحاباة والمصالح الشخصية، مؤكدا أن دعم مرشح ما يجب أن يُبنى على الكفاءة والقدرة على خدمة المجتمع، وليس على الانتماء أو الضغوط أو المصالح.
-نشارك رغم العوائق
تروي مرام مصطفى، إحدى الناخبات من ذوي الإعاقة اللواتي حرصن على الإدلاء بأصواتهن في انتخابات المجالس البلدية، تجربتها قائلة: دافعي للمشاركة كان واضحًا هذا حقنا نحن الأشخاص ذوي الإعاقة في المشاركة السياسية، لكن للأسف مراكز الاقتراع لم تكن مهيأة إطلاقا لاحتياجاتنا، من لحظة الدخول لا يوجد أي مرفق أو مسار مخصص، وكأن وجودنا غير محسوب، ورغم ذلك، تؤكد أن التعامل الإنساني من موظفي المراكز خفف جزءا من التحديات، بأمانة، الموظفون كانوا في قمة الاحترام، وساعدونا في كل خطوة لضمان نجاح العملية الانتخابية.
وتختتم بتوجيه نداء واضح للمسئولين، الوضع واضح أمام أعينكم، وكل ما نطلبه هو نظرة إنسانية، هيئوا لنا بيئة تضمن حياة كريمة، فنحن في النهاية بشر مثلكم، اليوم نحن في هذا الوضع، وغدا قد يكون أحدكم، فقط انظروا إلينا بعين الإنسانية ولنا حقوقنا السياسية في أن يكون صوتنا ضمن أصوات باقي الناس.
-تحديات المشاركة السياسية
في ذات الموضوع تسرد فوزية الرشيد، عضو المجلس البلدي السابق في وادي البوانيس، تجربتها في العمل السياسي ورحلتها بدأت من بوابة المجتمع المدني عام 2014، فقد شاركت في أنشطة منظمة الهاندكاب، حيث تلقت تدريبات حول المناصرة والدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ثم التحقت بدورات متقدمة قدمتها منظمة IFES حول المشاركة السياسية والإتاحة الانتخابية وتدريب المدربين، وهي التجربة التي قالت إنها مثّلت نقطة التحول في حياتها.
موضحة أن هذه التدريبات لم تكن مجرد دورات بل كانت بداية وعي جديد، منها فهمت أهمية وجود صوت حقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة داخل مواقع صنع القرار، ومن هنا جاءت فكرة الترشح، و بالفعل ترشّحت عام 2019 لأكون أول سيدة من ذوي الإعاقة تترشح لعضوية المجلس البلدي.
-الدعم الأسري والمجتمعي
تقول الرشيد إنها لم تواجه أي اعتراض من عائلتها، بل وجدت دعما كبيرا من والدها وأسرتها وأهالي البلدية، الذين كانوا يعرفون جهودها الطويلة في الميدان مضيفة التحدي الحقيقي لم يأتي من العائلة بل من المنافسين، أحدهم حاول أن يشوه صورتي وقال للناس: (أنا رجل ونقدر نخدم أكثر منها)، لكن الكلام هذا ما أثر في، لأن كان عندي ظهر قوي مؤمن بقدراتي.
وتشير إلى أن حملتها اعتمدت على تاريخ عملها في المجتمع المحلي، إضافة إلى تأسيسها منظمة يد بيد للأشخاص ذوي الإعاقة عام 2016 وإنشائها مطبعة بدعم من منظمة أكتيد لدمجهم في سوق العمل.
المسؤولية وغياب البيئة المهيأة
تصف الرشيد يومياتها داخل المجلس بأنها حافلة بالحركة والاجتماعات المتواصلة، وزيارات ميدانية وسفر مرتبط بالمهام الرسمية، لكنها تشير إلى أن بيئة العمل لم تكن مهيّأة لاستقبال شخص من ذوي الإعاقة، وتقول: المبنى كان غير مهيأ، وما فيش تجهيزات تساعدني، لكن رغم هذا تأقلمت، وواصلت شغلي، ووجودي في بيئة غير مهيأة خلاني أكثر إصرار،وأطالب بتهيئة كل مؤسسات الدولة، ليس لنفسي، بل لكل الأشخاص من ذوي الإعاقة.
-من كوتا إلى شريكة كاملة
تكشف الرشيد أن بعض زملائها في البداية كانوا ينظرون إليها كعضو مرتبط فقط بملف الإعاقة، قائلة اي برنامج يقولوا: هذا خلي فوزية تشوفه لأنها ذوي الإعاقة، ولكنني أوضحت لهم أن دوري لا يقتصر على الإعاقة، وأنا عضو مسئول عن ملفات متعددة مثل غيري، ومع الوقت تغيرت الصورة، وبعد قرابة العامين أو ثلاثة، زملائي أصبحوا يحسبوا حساب الأشخاص ذوي الإعاقة في كل نشاط، وصوتي أصبح محترم ومسموع، ليس بصفتي فقط، بل بأدائي.
-الإعاقة ليست المشكلة
تقول الرشيد إن أكبر العقبات لم ترتبط بإعاقتها، بل بطبيعة العمل البلدي نفسه، فالبلديات تعاني من نقص كبير في الدعم من الوزارات، خصوصا الحكم المحلي، والضغط هذا يواجهه الجميع، لكن بما إني من ذوي الإعاقة، كان الضغط مضاعف، فالمجتمع ينتظر منك أكثر، وكأنك تعوضي غياب الدولة كلها، مؤكد أن البيئة المؤسسية الضعيفة كانت التحدي الحقيقي.
توضح الرشيد أن المجتمع المحلي اعتاد وجودها، لكن بعض المسئولين خارج البلدية في اللقاءات الرسمية كانوا ينظرون لها نظرة مختلفة، حيث كانت هناك نظرة شفقة أو استغراب لكن من خلال الاستمرار والحضور، تحولت تلك النظرة إلى احترام وتشجيع، حاولت دائماً أخفاء فكرة إني امرأة من ذوي الإعاقة، فأنا امرأة تخدم مثل أي مسئول.
-إنجازات وتغييرات ملموسة
تعتز الرشيد بتحقيق عدد من الإنجازات المهمة خلال وجودها في المجلس، أبرزها، تحسين قطاع الصحة فقد تم تغيير إدارة مستشفى سمنو القروي بالكامل، واليوم المستشفى يقدم خدمات كبيرة للمجتمع، وهذا إنجاز نفتخر به، أيضاَ تم إنشاء مكتب تضامني داخل البلدية، و لم يكن هناك مكتب خاص بدعم الأشخاص ذوي الإعاقة، وبجهود جميع الزملاء وأنا من ضمنهم تم إنشاؤه ليصبح جهة رسمية تقدم الخدمات لهذه الفئة، مشيرة إلى أنها كانت تتابع قطاع الصحة بشكل يومي، وهذا ما أدى لحدوث تغييرات حقيقية وملموسة.
-تغيير الصورة الذهنية عن ذوي الإعاقة
تقول الرشيد إن وجودها داخل المجلس البلدي كان له تأثير كبير على رؤية المجتمع، ووجودي فتح نظر الناس، وجعل غيري يشعر إنه يستطيع أن يكون في أي منصب، ليس ذوي الإعاقة فقط، نستطيع أن نكون في مجلس النواب، وزراء عندنا القدرة والمكانة.
-نحو منصب أكبر
تعترف الرشيد أنها تفكر في خوض منافسة سياسية من جديد، لكن ليس على مستوى المجلس البلدي، حيث أن رؤيتها كبرت وتريد مكان أكبر، البرلمان أو إحدى مؤسسات الدولة أو وزارة، وتضيف أن تجربتها جعلتها تؤمن بأن المرأة يمكن أن تصل إلى أبعد من المنصب المحلي.
-تشريع لا يلبي الحقوق
يوضح الناشط الحقوقي أحميد المرابط أن الإطار القانوني المنظم لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا ما زال يعاني قصورا واضحا، خصوصا في المشاركة السياسية والانتخابات، مبينا أن القانون رقم (5) لسنة 1987 يعد قانونًا قديمًا جدًا ولا يواكب التطور العالمي في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
-ظروف إصدار القانون وتأثيره
يشير المرابط إلى أن إصدار القانون جاء في مرحلة لم تكن تؤمن بالتعددية السياسية ولا بالعملية الانتخابية، ما جعل التشريع قاصرًا بطبيعته عن حماية الحق في المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة، مشيراً إلى أن الإعلان الدستوري المؤقت أكد المساواة بين المواطنين، وأن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عززت ذلك بقرار إنشاء وحدة دعم الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2017، وهي خطوة إيجابية لكنها غير كافية.
يشدد المرابط على أن المنظومة القانونية الحالية تحتاج تحديثًا شاملًا لضمان المواءمة مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمعايير الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالحقوق السياسية، وعلى الدولة توفير تجهيزات كاملة في مراكز الاقتراع لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة من الوصول والمشاركة دون عوائق.
ويرى المرابط أن تقليل احتمالات التأثير على خيارات الناخبين من ذوي الإعاقة يتطلب تعزيز الرقابة والشفافية داخل مراكز الاقتراع، ويفسر غياب إستراتيجية وطنية لمشاركة ذوي الإعاقة سياسيًا بعدم استشعار بعض الجهات لأهمية هذا الحق، رغم التزامات ليبيا الدولية بعدم التمييز وضمان المساواة، و أن وضع هذه الإستراتيجية يجب أن يكون مسؤولية مشتركة بين المفوضية والوزارات والجهات المعنية، وليس مهمة جهة واحدة.
-دور الناشطين في التوعية
وختتم المرابط بالتأكيد على دور المدافعين عن حقوق الإنسان في التوعية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير المناصرة لهم، والضغط على الدولة لتطبيق التزاماتها، لافتًا إلى تحديات عديدة مثل غياب الإعلام الانتخابي الموجه لهم، وصعوبات الوثائق، وغياب مراقبين من ذوي الإعاقة.
ختاما، يتبين أن معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة لا تعود إلى نقص التشريعات، بقدر ما ترتبط بضعف التنفيذ وغياب الجاهزية المؤسسية، الأمر الذي يجعل مشاركتهم السياسية حقا منصوصا عليه في الأوراق أكثر مما هو متحقق على أرض الواقع.
وبين قصص التجارب الفردية تتضح الحقيقة ذاتها؛ الإرادة موجودة، لكن الطريق لا يزال مليئا بالتحديات، فيما يبقى الأمل معقودا على خطوات عملية جادة تُحول الوعود إلى واقع ملموس، ليحصل كل مواطن على حقه الكامل دون استثناء. (الأنباء الليبية) س خ.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR
-إعداد: إيمان بن عامر
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأنباء الليبية





