لم تعد قاعات المزادات العلنية في المحاكم المدنية والتجارية مجرد فضاءات لبيع العقارات المحجوزة، بل تحولت في الآونة الأخيرة إلى ساحة نفوذ لشبكات منظمة من السماسرة. هذه المجموعات، التي تترصد العقارات والمنقولات الثمينة، أصبحت تشكل عائقاً حقيقياً أمام الشفافية وحقوق الدائنين والمدينين على حد سواء.
اختراق مطبخ الإجراءات القضائية
تعتمد هذه الشبكات على اختراق منظومة المعلومات المتعلقة بالعقارات المعروضة. فهم لا يكتفون بحضور الجلسات، بل يمتلكون قاعدة بيانات دقيقة حول الملفات التي تزال في ردهات المساطر التمهيدية. هذا الاستخبار العقاري يسمح لهم بالتدخل في الوقت المناسب لفرض سيطرتهم على المزاد عبر أساليب تتراوح بين التهديد المباشر للمتنافسين وبين تقديم عروض وهمية لإرباك سير الجلسة.
الفصل 479: الثغرة التي يقتات عليها السماسرة
تكمن القوة الضاربة لهؤلاء السماسرة في التوظيف السيء للمادة 479 من قانون المسطرة المدنية. هذا النص الذي وُضع أصلاً لضمان بيع العقار بأعلى ثمن ممكن عبر إتاحة فرصة زيادة السدس خلال عشرة أيام، تحول في يد المافيا إلى أداة لعرقلة البيع النهائي.
السيناريو المتكرر:
بمجرد رسو المزاد على مشترٍ جاد، يبدأ السماسرة بمساومته خلف الكواليس؛ إما دفع عمولة ضخمة لهم، أو تفعيل آلية زيادة السدس لإلغاء البيع وإعادة الإجراءات إلى نقطة الصفر، مما يعني ضياع أشهر من الوقت والجهد في متاهات الإشهار والجدولة الجديدة.
واجهات وهمية لتعطيل العدالة
تتجاوز خطورة هذه الشبكات مجرد الابتزاز إلى التلاعب بمداخيل الدولة وحقوق الدائنين، حيث يتم تقديم العروض الجديدة بأسماء شركات صورية لا وجود لها على أرض الواقع، وغالباً ما تُقدّم شيكات بدون رصيد عند رسو المزاد الثاني. الهدف من ذلك ليس الشراء، بل تجميد الملف أو إرغام الأطراف على الرضوخ لشروطهم.
أثر الظاهرة على المناخ الاستثماري
إن استمرار تغول هذه الفئات داخل المحاكم يضرب في العمق مصداقية البيوع القضائية، ويجعل المستثمرين الحقيقيين ينفرون من المشاركة في المزادات خوفاً من الوقوع في فخ الابتزاز، مما يؤدي في النهاية إلى بيع العقارات بأثمنة لا تعكس قيمتها الحقيقية، وهو ما يضر بالخزينة العامة وبحقوق الأطراف المتنازعة.
هذا المحتوى مقدم من جريدة أكادير24
