تُعدّ الشرعية الديمقراطية حجر الزاوية فى أى نظام سياسى معاصر، إذ تقوم فى جوهرها على مبدأ بسيط وعميق فى آن واحد: أن تكون السلطة السياسية تعبيرًا صادقًا عن إرادة الناخبين. ومن هنا تنبع الأهمية البالغة للنظم الانتخابية، لأنها الأداة التى تُترجم بها الأصوات إلى مقاعد، والإرادة الشعبية إلى سلطة تشريعية وحاكمة.
وفى هذا السياق، يثور الجدل حول نظام القائمة الانتخابية المطلقة، وهو نظام تقوم فكرته على أن القائمة التى تفوز بالأغلبية- وأحيانًا بالأغلبية النسبية- تحصد كامل مقاعد الدائرة، بينما تُهدر أصوات القوائم الأخرى، مهما بلغ حجمها. وهو نظام يبدو فى ظاهره حاسمًا وبسيطًا، لكنه فى جوهره يطرح تساؤلات عميقة حول مدى انسجامه مع متطلبات الشرعية الديمقراطية.
يرتكز المدافعون عن نظام القائمة المطلقة على حجة رئيسية، مفادها أن الحسم والقدرة على الحكم لا يقلان أهمية عن التمثيل، وأن البرلمانات المتجانسة أكثر قدرة على اتخاذ القرار وتوفير الاستقرار السياسى. غير أن هذا الطرح يفترض، ضمنيًا، أن الأغلبية فى المقاعد تعكس بالضرورة الأغلبية فى المجتمع، وهو افتراض كثيرًا ما يثبت عدم دقته عمليًا.
فحين تحصل قائمة على ٥١٪ من الأصوات، ثم تُمنح ١٠٠٪ من المقاعد، تتحول القاعدة الانتخابية من أداة لتمثيل الإرادة الشعبية إلى آلية لإعادة صياغتها قسرًا. وهنا تصبح الشرعية شرعية إجرائية شكلية، تستند إلى صحة الإجراءات لا إلى عدالة النتائج.
تكمن الإشكالية الأعمق فى أن نظام القائمة المطلقة لا يكتفى بتغليب رأى الأغلبية، بل يؤدى عمليًا إلى إلغاء الوجود السياسى للأقلية داخل المؤسسة التشريعية. وهو ما يتعارض مع الفهم الحديث للديمقراطية بوصفها نظامًا لإدارة التعدد والاختلاف، لا لإقصائهما.
فالديمقراطية ليست مجرد حكم الأغلبية، بل هى أيضًا حماية حق الأقلية فى التمثيل والمشاركة والمساءلة. وعندما يُحرم قطاع واسع من المجتمع من أى تمثيل برلمانى، تتآكل الثقة فى العملية السياسية، وتتراجع المشاركة، ويصبح البرلمان كيانًا منفصلًا عن المجتمع بدل أن يكون مرآته.
وفى هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن بعض الأنظمة السياسية تلجأ إلى نظام القائمة المطلقة لا بدافع البحث عن أفضل تمثيل، بل بوصفه أداة للسيطرة السياسية الكاملة. فالانتخابات هنا لا تُصمَّم لقياس موازين القوى الحقيقية، بل لإنتاج نتائج مضمونة سلفًا،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة المصري اليوم
