أكد السفير السابق محمد المرداس أن الجيش الليبي، بوصفه أحد الجيوش المنضوية تحت مظلة منظمة الدفاع الإسلامي، يعمل على تعزيز أوجه التعاون مع الجيش الباكستاني، الذي يُعد من أكبر الجيوش في العالم الإسلامي، ويتمتع بحضور مؤثر في مناطق واسعة، من بينها الجزيرة العربية والقارة الأفريقية، بما في ذلك الصومال وعدد من الدول الكبرى الأخرى.
وأوضح المرداس، في تصريحات لتلفزيون المسار ، رصدتها الساعة 24 أن الجيش الباكستاني يمتلك خبرات عسكرية متراكمة وعلاقات دفاعية راسخة مع دول مؤثرة، مثل الصين وتركيا والسعودية، إلى جانب سجل تاريخي من التعاون والتدريبات المشتركة مع الجيش الليبي، سواء في مراحل سابقة أو خلال الفترة الأخيرة، مستشهداً بزيارة نائب القائد العام للجيش الليبي الفريق صدام حفتر إلى باكستان، والتي أسهمت في دفع التعاون العسكري والتدريبي بين الجانبين إلى مستويات أكثر تقدماً.
وأشار المرداس إلى أن هذا التعاون يحقق مكاسب متبادلة لكلا الجيشين، لاسيما فيما يتعلق بالاستفادة من التقنيات العسكرية الباكستانية المتطورة، والتي تشمل دبابات وصواريخ طويلة ومتوسطة المدى، فضلاً عن الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وتقنيات الطائرات المسيّرة، بما فيها الطائرات الانتحارية. ولفت في هذا السياق إلى التفوق الذي أظهره الجيش الباكستاني في المناوشات الأخيرة مع الهند، معتبراً أن هذه الخبرة تمثل قيمة مضافة يمكن للجيش الليبي توظيفها في تطوير قدراته.
وبيّن المرداس أن هذه المبادرة تتم على أعلى مستويات القيادة العسكرية والأجهزة الاستخباراتية في كلا البلدين، مؤكداً أنها لا تقتصر على إطار التعاون العسكري التقليدي، بل تعكس رؤية استراتيجية ذات بعد دبلوماسي واضح، يُتوقع أن تفضي إلى نقلة نوعية في القدرات العسكرية للجيش الليبي خلال المرحلة المقبلة.
وفي سياق متصل، أوضح المرداس أن ما تشهده ليبيا وبعض دول الجوار يعكس محاولات من قوى في المنطقة الغربية للسيطرة على الجيش والمؤسسات العسكرية، عبر أدوات إعلامية وسياسية وتوجهات حكومية، مثل حكومة الدبيبة وتيار المفتي، في إطار السعي لفرض نماذج ديمقراطية غربية على المجتمعات المحلية.
ولفت إلى أن التجارب التاريخية أثبتت فشل هذه المحاولات، مستشهداً بالولايات المتحدة، التي تُعد أكبر ديمقراطية في العالم، حيث ينحدر 33 من رؤسائها من خلفيات عسكرية، مقابل نسبة محدودة من الرؤساء المدنيين عبر تاريخها، ما يبرز الدور المحوري للمؤسسة العسكرية في استقرار الدول الكبرى.
وأضاف أن محاولات إخضاع الجيوش للسيطرة السياسية لا تحمل طابعاً وطنياً، بل تستهدف تقويض مؤسسات تحظى بثقة الشعوب، كما هو الحال في مصر وليبيا وسوريا، مؤكداً أن الارتباط التاريخي بين الشعوب وجيوشها ظل ثابتاً، وهو ما يجعل هذه المحاولات محكومة بالفشل، سواء في ليبيا أو في دول عربية أخرى مثل السودان وتونس والجزائر.
وأكد المرداس أن المؤسسة العسكرية كيان راسخ لا يمكنه تغيير مبادئه أو بنيته ليتلاءم مع الميليشيات، مشدداً على أن من يرغب في الانضمام إلى الجيش هو من يتعين عليه الالتزام بقواعده والانضباط العسكري، وليس العكس.
وأوضح في هذا الإطار أن المجموعات المسلحة تُصنف إلى ثلاثة مستويات، تضم الفئة الأولى مجموعات منضبطة يمكن دمجها مباشرة في صفوف الجيش، بينما تشمل الفئة الثانية مجموعات تحتاج إلى التدريب والتأهيل قبل الاندماج. أما الفئة الثالثة، فتتمثل في مجموعات تتبنى أجندات متطرفة ولا تؤمن بالدولة أو الحدود أو مفهوم الوطن، ولا يمكن دمجها داخل المؤسسة العسكرية بأي حال من الأحوال.
وأردف: أن الجيش الليبي اتخذ خلال السنوات الماضية خطوات عملية لضم عدد من المجموعات المسلحة بعد إعادة تأهيلها وتنظيمها، في حين لا تزال مجموعات أخرى ترفض فكرة الدولة وتتبع فكراً عابراً للحدود، الأمر الذي يستوجب التعامل معها بحزم حفاظاً على الأمن الوطني.
وأضاف أن عدداً من العناصر أدرك لاحقاً أهمية المؤسسة العسكرية ودورها في حماية البلاد، ما دفعها إلى الالتحاق بالجيش بشكل رسمي، سواء في طرابلس أو في مناطق أخرى، مؤكداً أن الجيش منفتح على استيعاب كل من يلتزم بالضبط والربط العسكري.
وشدد المرداس على أن الجيش الليبي ماضٍ في بسط سيطرته على كامل الجغرافيا الليبية، موضحاً أن أبواب المؤسسة العسكرية ستظل مفتوحة أمام كل من يختار الانضباط والالتزام، في حين سيُحاسَب قانونياً كل من يصر على السير في مسار يتعارض مع مفهوم الدولة ومؤسساتها.
واعتبر السفير السابق، أن الجيش الليبي بات اليوم يمثل قوة عسكرية إقليمية راسخة وفاعلة، يمتد تأثيرها على نطاق واسع في الحزام الحدودي لليبيا، من السودان وتشاد وصولاً إلى مالي، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية نجحت في القضاء على مجموعات معارضة فرت من تشاد والنيجر، الأمر الذي يعكس مستوى عالياً من الاستقرار والفعالية على صعيد تأمين الحدود الإقليمية.
وبينّ المرداس أن هذا النجاح يعود بالأساس إلى طبيعة قيادة المؤسسة العسكرية وتمسكها الصارم بالانضباط، ما مكّن الجيش من حماية الحدود الوطنية، وتقديم الدعم للدول المجاورة، وتحويله إلى نموذج لمؤسسة مستقرة تسعى حتى الجيوش الكبرى، مثل تركيا وباكستان وفرنسا، إلى التعاون معها عسكرياً.
وأشار إلى الدور المحوري الذي يضطلع به الجيش الليبي في الحفاظ على تماسك المنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بالتنسيق مع الجيوش المسلمة في إفريقيا جنوب الصحراء، مؤكداً أن اهتمام الجيش الباكستاني بالتواصل مع هذه الجيوش يأتي في إطار مواجهة ظاهرة انهيار بعض المؤسسات العسكرية بعد أحداث الربيع العربي، كما حدث في سوريا.
وشدد المرداس على أن الجيش الليبي يُعد من أقدم الجيوش في المنطقة بعد الجيش المصري، إذ يعود تأسيسه إلى عام 1946، وقد استطاع عبر العقود الصمود أمام محاولات غربية ودولية لإضعافه، مؤكداً أهمية تقدير هذه المؤسسة العسكرية العريقة واحترام عمقها التاريخي، ومشيراً إلى استمرارها في الحفاظ على الاستقرار وبناء القدرات العسكرية حتى اليوم.
وقال إن الجيش الليبي يمثل حالياً مؤسسة عسكرية منضبطة واحترافية، وهو ما دفع أطرافاً محلية ودولية، من بينها تركيا، إلى الإقرار بفشل محاولاتها السابقة للسيطرة على المنطقة الغربية، والتوجه بدلاً من ذلك نحو التعاون مع الجيش ذاته.
وكشف المرداس أن الملحق العسكري التركي في طرابلس عقد مؤخراً اجتماعاً مع قادة الميليشيات والمجموعات المسلحة، وأبلغهم بشكل صريح أن الدعم الذي قُدم لهم لم يحقق الاستقرار المنشود، مؤكداً أن الحل السياسي يجب أن يمر عبر مؤسسات الدولة والجيش الوطني، وهو ما اعتبره المرداس نصراً سياسياً واضحاً للجيش الليبي.
وأشار إلى أن الجيش الليبي، شأنه شأن الجيوش الكبرى في العالم، يضطلع بدور سياسي طبيعي، من خلال المشاركة في رسم السياسات العامة، وبناء العلاقات الدولية، وتأمين الحدود، مؤكداً أن أي محاولة لإقصائه عن هذا الدور الوطني تصطدم بحقيقة الارتباط التاريخي العميق بين الشعوب ومؤسساتها العسكرية.
وتابع موضحاً: أن التاريخ العربي يثبت أن الزعامة العسكرية كانت في كثير من المحطات أكثر قدرة على حماية الدولة خلال المنعطفات الخطيرة، مستشهداً بنماذج مثل المشير محمد حسين طنطاوي في مصر، والرئيس عبد المجيد تبون وقبله القائد صالح في الجزائر، مؤكداً أن الجيش الليبي اليوم يبرهن على تفوقه في القيادة العسكرية ويبعث برسائل طمأنة بشأن استقرار الدولة وحماية مصالحها الوطنية.
وأكد أن النجاحات الدبلوماسية التي يحققها الجيش الليبي تقوم في جوهرها على مبدأ تحقيق المنفعة المتبادلة بين الأطراف، مشيراً إلى أن تماسك الجيش واحترافيته، فتحا أمامه آفاقاً واسعة للتعاون والتطوير، ما دفع العديد من الدول الكبرى إلى السعي لبناء تحالفات وشراكات معه.
ورأى المرداس أن النهج الذي يتبعه الجيش الليبي يعتمد على تنويع مصادر التسليح، وتوسيع شبكة العلاقات مع جيوش متعددة، إلى جانب تنويع الشراكات الأمنية، وهو ما يعكس توجهاً مهنياً متقدماً.
وأضاف أن باكستان تُعد من أبرز الدول المستفيدة من هذا التعاون، سواء من خلال عقود تسليح، أو برامج تدريب، أو شراكات عسكرية في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة.
ونوه إلى أن الجيش الليبي حقق تقدماً دبلوماسياً لافتاً، متقدماً بخطوات واسعة على عدد من المؤسسات الرسمية الأخرى، لافتاً إلى أن علاقاته شملت دولاً مثل بيلاروسيا وسوريا ودول الجوار، ومؤكداً أن دخول الجيش طرفاً رئيسياً في هذه العلاقات يمنحها قوة ومتانة أكبر، ويمهّد لاحقاً للمسارات السياسية.
وأردف: الغطاء الدبلوماسي الذي يوفره الجيش الليبي يشكل عنصراً محورياً في السياسة الخارجية، ويستحق دراسة مستقلة نظراً لحجم الإنجازات التي تحققت في هذا المسار.
وفيما يتعلق بمكاسب باكستان من هذا التعاون، أكد المرداس أن إسلام آباد تحقق فوائد كبيرة، لا سيما في المجالين الأمني والاستخباراتي، في ظل تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي. وأوضح أن هناك تحركات خطيرة لإعادة إحياء تنظيم القاعدة في مالي، عقب تراجع تنظيم داعش، مع احتمال وجود خلايا نائمة في دول الجوار مثل تشاد والنيجر، ما ينذر بتهديدات أمنية واسعة.
وأضاف أن التقارب الباكستاني مع ليبيا والتعاون الأمني معها يحمل أهمية استراتيجية لإسلام آباد، بالنظر إلى خبرتها الطويلة في مواجهة تنظيم القاعدة، مؤكداً أن الجيش والأجهزة الأمنية الباكستانية تدرك حجم هذا الخطر وتسعى للتعامل معه عبر شراكات إقليمية فعالة، في مقدمتها التعاون مع الجيش الليبي.
واعتبر المرداس أن الواقع العسكري في ليبيا اليوم أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها، مشيراً إلى أن القوى المعادية لم تعد تملك القدرة على مواجهة الجيش الليبي أو التأثير عليه بشكل مباشر. وأضاف أن محاولات بعض الأطراف استنساخ نماذج الصراع اللبناني في الساحة الليبية فشلت، لافتاً إلى أن التجربة اللبنانية نفسها انتهت، بعد أربعة عقود من الانقسام، بالالتفاف حول قائد عسكري واحد هو الرئيس جوزيف عون، بدعم كامل من الجيش والشعب.
وأوضح أن الجيش الليبي تمكن من بسط سيطرته على نحو 85% من الأراضي الليبية، بما في ذلك مصادر النفط والمناطق الحدودية الغنية بالموارد، مشيراً إلى أن المدن الواقعة تحت سيطرته قدمت نموذجاً ناجحاً في إدارة الموارد والحريات، ما أكسبه اعترافاً دولياً بكونه قوة حقيقية على الأرض.
واستطرد: الجيش الليبي يتحرك وفق خطة بعيدة المدى لحماية ليبيا، بعيداً عن الضغوط السياسية أو التدخلات الخارجية، مؤكداً أن محاولات بعض الأطراف كبح تقدمه نحو بسط السيطرة على كامل التراب الليبي تُدار بشكل خفي ولم يكن لها أي تأثير فعلي على قوته.
ونوّه المرداس إلى أن التحديات السياسية والدبلوماسية لا تزال تواجه مسارات الحوار الوطني، في ظل سعي بعض الأطراف لإفشال هذه المسارات قبل انطلاقها، مؤكداً أن الجيش الليبي بات يمتلك القدرة على فرض إرادته الوطنية، والاختيار بين قبول الحلول المطروحة أو رفضها أو تعديلها بما يخدم مصلحة الدولة.
وختم المرداس حديثه بالتأكيد على أن الجيش الليبي اليوم يتمتع بقوة حقيقية على مختلف المستويات، العسكرية والسياسية والدبلوماسية، ما يجعله قوة مستقرة وفاعلة، قادرة على حماية البلاد والمساهمة في ترسيخ استقرار إقليمي مستدام.
هذا المحتوى مقدم من الساعة 24 - ليبيا
