11 سبتمبر: فاتحة القرن ولعنته. إذا كان أميركيون يعتقدون بعد 25 عاماً أن بن لادن "ربح الحرب" فمن الذي خسرها واشنطن أم العالم الإسلامي؟. قراءة معمقة في التفاصيل والتحولات هنا #ملف_ربع_قرن

ملخص حولت هجمات 11 سبتمبر مطلع القرن الـ21 إلى لعنة مفتوحة، إذ أطلقت "الحرب على الإرهاب" التي استنزفت أميركا، وعمّقت الكراهية للإسلام، وخلقت جماعات أشد تطرفاً فيما بقيت فلسطين جرحاً مركزياً ومبرراً دائماً للعنف. وبينما فشل مشروع بن لادن وأخطأت واشنطن وحلفاؤها الحساب، برزت مراجعات خليجية ومغاربية لمواجهة التطرف بالتنمية والانفتاح، لكن المنطقة لا تزال عالقة في دوامة حروب لا تنتهي، من بغداد إلى غزة.

يوم هوى برجا منهاتن صبيحة الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، وتحول البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون إلى أهداف في قلب أميركا، لم يكن قط المشهد مجرد هجوم إرهابي، بل كان إعلاناً صاخباً بأن القرن الـ21 استهل صارخاً على وقع الدم والدخان، لا على وعود العولمة والسلام بعد نهاية الحرب الباردة.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more كان ذلك اليوم الذي استدعى سريعاً واقعة "بيرل هاربرد" والأهوال العظام التي أعقبتها، فاتحة للقرن ولعنته في آنٍ واحدٍ: لحظة تدشين "الحرب على الإرهاب"، أو إن شئت فقل الحرب العالمية الثالثة، أو بصورة أدق "الحروب الصليبية" في نسختها الجديدة، طبقاً لما قيل وخطط وكتب حينها، وتبع ذلك اليوم من غزو واحتلال وصدامات هوية غيرت مسار العلاقات الدولية وأعادت صياغة نظرة الغرب إلى الإسلام والمسلمين، حتى إن الصحافي والمستشرق الأميركي ويليام ريو بولك ربط بين "الصليبية والجهاد" في كتاب بهذا الاسم، اعتبر فيه قذائف الطائرات الانتحارية، حلقة جديدة في سلسلة الحروب الصليبية، التي هيأ الغرب المناخ المناسب لها قبل يوم تلك الهجمات، وسعى لها الغاضبون الإسلامويون بكل صفاقة!

وصف كثر من المؤرخين والسياسيين الهجوم بأنه الحدث الذي قطع العقد الأخير من القرن الـ20 عن العقد الأول من القرن الجديد.

قبل الهجمات كانت واشنطن منشغلة بتثبيت زعامتها في عالم أحادي القطبية، فيما بدا "النظام الدولي الجديد" مهيأً للتوسع الاقتصادي أكثر من الانتظام العسكري، لكن فجأة، تحول المشهد: أميركا في قلب الاستهداف، وحلف "الناتو" في حال استنفار، والعالم كله مدعو للانتظام في حرب عابرة للقارات، "من ليس معها فهو ضدها".

لاحقاً كتب المحلل السياسي توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز" أن أحداً لم يكن مستعداً لفهم أن "هجمات الطائرات يمكن أن تغير جوهر السياسة الأميركية الخارجية في غضون دقائق، وأن تؤسس لعصر جديد من الحروب المفتوحة".

الرهان على إشعال "الفتنة الكبرى" بالنسبة إلى أسامة بن لادن، لم يكن الهجوم عملية عسكرية جريئة للفت الأنظار، بل لحظة مصممة لفتح مواجهة شاملة مع "العدو البعيد". ففي خطاباته بعد الهجمات قال "نحن مستعدون للقتال حتى يذعنوا ويتركوا بلادنا وشعوبنا في سلام"، مؤكداً أن الهدف هو إخراج الأميركيين من جزيرة العرب وإضعاف هيمنتهم على العالم الإسلامي، والانتقام لأرامل فلسطين!

حساباته تجاوزت حدود الصراع العسكري، إذ اعتقد أن الرد الأميركي الغاضب سيقلب الولايات المتحدة من "قوة محررة" في نظر بعض شعوب المنطقة إلى "قوة محتلة"، وهو ما حصل لاحقاً في العراق وأفغانستان.

وكما وثق الصحافي الأميركي لارنس رايت في كتابه "البروج المشيدة: القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر" فإن بن لادن "لم يسعَ فقط إلى ضرب الأهداف المادية، بل إلى هز ثقة الأميركيين في دولتهم وإضعاف هيبتها الدولية"، وأبعد من ذلك باستنزافها، وتوريط حلفائها العرب في حرب ضروس معها، يمني النفس أن ضربات رجاله الانتحارية تجعلها "أمر واقع".

ويقر الباحث الأميركي المتخصص في شؤون المنطقة بولك بأن مسألة الإرهاب والظواهر المصاحبة له بين الثقافة الغربية والإسلامية، لا يمكن فهمها بمعزل عن "حروب الألف عام" التي سادت بين العالمين، وتجددت في صور عدة تالياً مثل الاستشراق والاستعمار، والهيمنة والحرب على الإرهاب.

جاء ذلك في سياق كتابه الحديث "الصليبية والجهاد" الواقع في 582 صفحة حاول فيها استقراء أحداث الماضي منذ الحروب الصليبية بين "الشمال العالمي" الذي وصفه بأنه "أصبح منذ القرن الـ15 متقدماً علمياً وقوياً عسكرياً، و"الجنوب العالمي" الذي يرى أنه "كان متقدماً ومتحضراً بصورة عامة قبل أن ينحدر في ظلام التخلف والجهل والضعف والخضوع للقوى الإمبريالية الشمالية".

ويستهدف المؤلف من ذلك، وهو أستاذ سابق للأدب العربي في جامعتي هارفرد وشيكاغو، إيجاد صيغة من شأنها أن تفضي إلى فهم الصراع الذي كانت هجمات سبتمبر عنوانه الأبرز، حاملاً معه آلاف الأسئلة والعناوين بما فيها تفسير الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ما حدث بالقول "هجم علينا الإرهابيون الجبناء لأنهم يحسدوننا على حريتنا وديمقراطيتنا". وهو ما علق عليه الكاتب بالقول "أتذكر استغراب بعض الصحافيين من هذا التفسير الغريب، حين اعترض أحدهم بالقول، هل تعتقد فعلاً أنهم جبناء؟ ولم يصدق أحد فكرة الحسد أيضاً".

4

هجمات 11 سبتمبر.(رويترز) هجمات 11 سبتمبر.(رويترز)

1/4

2/4

3/4

4/4

سببان خلف العداء المتبادل وخلص إلى أن أسباباً عدة جعلت الشمال والجنوب يشعر بـ"انعدام الأمن بعدما أصبح العنف هو الطبيعي" في تقديره المتشائم، إلا أن اثنين منها يطغيا على ما سواهما. وقال "السبب الأول لخطورة انعدام الأمن الذي نشعر به هذه الأيام هو تاريخ الإمبريالية الطويل. قرن كامل أو أكثر من الغزو والاحتلال والإذلال والإبادة الجماعية، تركت آثارها ندبات وجروحاً لم تندمل حتى الآن، ولا يمكن أن تشفى إذا أعيد فتحها باستمرار". وهو ما قال إنه حدث بالفعل "بالغزو الأميركي لأفغانستان والعراق وليبيا والصومال، الذي مزق هذه المجتمعات أشلاءً"، في سياسة يجزم بأنها إن حققت أي شيء، فهو ليس "تأمين السلام أو الاستقرار"، ولا سيما في العراق الذي اعتبره أسوأ المغامرات، إذ "كانت النتيجة المباشرة لحملتنا هناك هو تشكيل الدولة الإسلامية داعش وإذا استمر الأمر كما نفعل الآن فإن طريق قمع التمرد سيقود إلى حرب بلا نهاية". أما السبب الثاني في ميلاد الخطر القائم في نظره، فهو "طرد إسرائيل للفلسطينيين من وطنهم، وهو نتيجة مباشرة لمعاداة السامية في أوروبا التي حركت أحداثاً أدت إلى "المشكلة الفلسطينية".

وفي تحليله الذي ختم به كتابه لفت إلى أن الفلسطينيين والإسرائيليين ضحايا لما سماه الإمبريالية، "فقد أدى الطرد والمحرقة إلى بؤس أناس أبرياء وظهور خطر العنف في أيامنا"، إذ كانت النتيجة النهائية "مليون فلسطيني طردوا من وطنهم ودفعوا الثمن النهائي لما فعله الشمال العالمي باليهود".

لكن الباحث السعودي فهد الشقيران لدى استعراضه كتاباً جديداً لكاتب أميركي آخر هو توماس هيغهمر، لفته أن الأخير انتبه إلى مركزية فسلطين في قتال الجهاديين حتى وهم يواجهون الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وضرب مثلاً بعبدالله عزام، الذي تناوله هيغهمر بأنه كان في دفاعه عمن يتساءل لماذا أفغانستان وليس فلسطين "يحاجج بأن الظروف منعته من القتال في فلسطين لأن المقاومة تم اختطافها من اليساريين، والعداوة مع منظمة التحرير سمة رئيسة في المنتج الأيديولوجي لعبدالله عزام، إذ يحمل اليساريين في فلسطين وزر فشل النضال". أما تلميذه بن لادن، فكان يحاجج في قتال أميركا بأنها "رأس الأفعى" واستهدافها يؤدي إلى إضعاف إسرائيل تلقائياً!

وأكد الشقيران أن قضية فلسطين ما هي إلا الغطاء، فقد ظل استعمالها عند الأصوليين "محل امتعاض كأنهم يقومون باستغباء الناس. كل الخطابات للزعامات المتطرفة تحاول استعمال القدس بغية الحشد وتسول المشروعية، وتعزيز التجنيد. ولم يخلُ خطاب زعيم لجماعة إرهابية من وعد بتحرير فلسطين، من عبدالله عزام إلى أسامة بن لادن وصولاً إلى حسن نصرالله وقاسم سليماني ونعيم قاسم وغيرهم". ونافسهم على ذلك حتى التيار اليساري، مثل صدام والأسد وغيرهما.

من الصدمة إلى "الحرب الشاملة"

وجدت إدارة جورج بوش الابن نفسها أمام لحظة غير مسبوقة: أكبر هجوم على الأراضي الأميركية منذ بيرل هاربر، لكن هذه المرة على قلبها الاقتصادي والسياسي.

وفي غضون أيام وضعت معالم "الحرب على الإرهاب" كإطار جامع يشرع التدخلات الخارجية ويعيد تعريف الأمن القومي الأميركي. أُنشئت "وزارة الأمن الداخلي"، وأُقر "قانون باتريوت"، لتصبح مكافحة الإرهاب هاجساً يبرر توسيع صلاحيات الدولة في المراقبة، ويضع الجاليات المسلمة تحت مجهر دائم.

أتاح القانون توسيع صلاحيات أجهزة الأمن في مراقبة الاتصالات، والتحقيقات المالية، والاحتجاز الوقائي، وجمع المعلومات الاستخباراتية من دون قيود واسعة، وهو ما أثار جدلاً كبيراً حول التضحية بالحريات المدنية من أجل الأمن، وسمح بملاحقة الأفراد والجماعات المشتبه في صلتهم بالإرهاب داخل وخارج الولايات المتحدة، ليصبح إطاراً قانونياً يبرر التدخلات الداخلية والخارجية في سياق "الحرب على الإرهاب".

في الخارج، كان الغزو المزدوج لأفغانستان ثم العراق تجسيداً لهذه العقيدة الجديدة.

واشنطن لم تكتفِ بمطاردة القاعدة، بل انتظمت في مشروع لإعادة هندسة الشرق الأوسط سياسياً وأمنياً، في مشهد أقرب لما خطط له بن لادن بالضبط، لكأن الإدارة تأتمر بأمره، إلا أنه كان يتوقع أن يتزامن مع ضرب أفغانستان شن غارات على السعودية مركز العالم الإسلامي، حيث أتى معظم مختطفي الطائرات، والحليف التاريخي الأوثق للولايات المتحدة في المنطقة.

ووفقاً لتقرير مجلس العلاقات الخارجية عام 2021، فإن "الحرب التي تم خوضها لإزالة خطر القاعدة خلفت جماعات أشد تطرفاً، وزعزعت استقرار الشرق الأوسط وأضعفت التحالفات الأميركية"، لكن الاعتراف بذلك جاء متأخراً، لافتاً إلى أن خبراء في واشنطن بينهم الجنرال السابق ديفيد بتريوس عندما قادت "حماس" هجمات السابع من أكتوبر 2023 التي ذكرت بهجمات سبتمبر، حذروا إسرائيل من تكرار أخطائها في الذهاب للانتقام من دون تفكير. وقالوا في مقالة مطولة نشرتها "فورين فيرز" إن إسرائيل تعيد "ارتكاب عدد من هذه الأخطاء الجسيمة نفسها، بما في ذلك بعض تلك التي ارتكبتها الولايات المتحدة في السنوات الأولى من حرب العراق. ومثلما فعلت الولايات المتحدة في العراق عام 2003، بدأت إسرائيل حربها من دون خطة لإنشاء هيكل حكم يحل مكان (حماس)، ولم تظهر أي خطة واضحة حتى بعد أشهر من القتال".

ومضت تشير إلى أنه على غرار المراحل الأولى من حروب واشنطن بعد الـ11 من سبتمبر، تحركت إسرائيل بصورة حاسمة وبكلفة بشرية كبيرة من أجل تطهير الأراضي من الإرهابيين، لتراهم يعيدون تنظيم صفوفهم بمجرد مغادرة القوات، وهو نهج خاطئ أطلق عليه ضباط الجيش الأميركي اسم "تطهير ومغادرة" (clear and leave) وبسبب الخسائر في صفوف المدنيين الناجمة عن العمليات الإسرائيلية، تعرضت إسرائيل لانتقادات دولية أشد بكثير مما تعرضت له الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق.

لكن بتريوس وفريقه يعتقدون أنه مثلما كررت إسرائيل أخطاء الولايات المتحدة، يمكنها أيضاً أن تستخلص دروساً من بعض النجاحاًت التي حققتها الحملات الأميركية، وبخاصة تلك المتعلقة باستراتيجية "الزيادة المفاجئة" [أي زيادة عدد القوات الأميركية] التي تبنتها واشنطن في العراق ابتداءً من عام 2007.

الإرث من بوش إلى أوباما وترمب حين وقف جورج بوش الابن في الكونغرس بعد أسبوع من الهجمات قائلاً: "هذه الحرب لن تنتهي حتى يتم العثور على كل جماعة إرهابية ذات امتداد عالمي وإيقافها وهزيمتها"، بدا وكأن الولايات المتحدة تدشن حرباً بلا أفق زمني محدد.

مع أوباما، الذي انتخب عام 2008 على وعد بإنهاء "الحروب الأبدية"، بدت اللحظة مواتية لتصفية الحساب مع ذلك الإرث. وبالفعل، أمر بالانسحاب من العراق، وأطلق عملية قتل أسامة بن لادن في أبوت آباد عام 2011، مؤكداً أن "العدالة تحققت"، لكن سرعان ما تبين أن غياب بن لادن لم ينه "القاعدة"، بل مهد لصعود "داعش"، الذي استثمر الفراغ العراقي والسوري ليعيد مشهد الرعب بأبشع صوره، وهو الفراغ الذي كانت أميركا أول المتهمين بصناعته حين أسقطت النظام في العراق من دون وضع المستقبل في الحسبان، وسط منطقة شديدة التعقيد، استغلت فيها إيران أخطاء البيت الأبيض، وأغرتها بالهيمنة على دول المشرق العربي مجتمعة: العراق، وسوريا، ولبنان، ولاحقاً اليمن.

ثم جاء دونالد ترمب ليضع بصمته الخاصة، مهاجماً علناً سياسات أسلافه، ومؤكداً أن أميركا "دفعت تريليونات الدولارات في حروب لم تجلب سوى الخراب". ومع ذلك لم يخرج عن السياق العام الذي رسمته الـ11 من سبتمبر، إذ وسع عمليات الطائرات المسيرة، وكرس مناخ الشك تجاه المسلمين والمهاجرين عبر حظر السفر على بعض الدول ذات الغالبية المسلمة. إلا أن خطواته في مواجهة الإرهاب في شقه الشيعي وليس فقط السني، بخلاف سلفه أوباما، خفض من تسارع وتيرة الانهيارات في المنطقة، جراء أخطاء بلاده المتراكمة.

من تصدير القيم إلى صناعة الخوف لم تكن الولايات المتحدة وحدها التي اهتزت بعد الهجمات، بل أوروبا أيضاً، إذ سرعان ما تبنت قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب، من مراقبة المساجد والجمعيات الإسلامية إلى تقنين الاحتجاز الوقائي. في.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 4 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 8 ساعات
قناة يورونيوز منذ 6 ساعات
قناة يورونيوز منذ 5 ساعات
سي ان ان بالعربية منذ ساعة
قناة يورونيوز منذ 7 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات