دخلت كأس أمم إفريقيا 2025 رسميًا دائرة المنافسة، ليس فقط بصافرة بداية مباراة افتتاحية، بل بإعلان مرحلة جديدة في علاقة المغرب بالكرة الإفريقية، مرحلة يتقاطع فيها الرهان الرياضي مع الرهان التنظيمي، وتُختبر فيها القدرة على إدارة حدث قاري بحجم التطلعات والانتظارات.
منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن المغرب لا يتعامل مع هذه النسخة باعتبارها بطولة عادية، بل باعتبارها استحقاقًا استراتيجيًا، يُقاس بالنتائج داخل الملعب كما يُقاس بالصورة خارجَه.
حفل الافتتاح مرّ بسلاسة لافتة، دون تعقيد أو بهرجة زائدة، في اختيار يعكس فهمًا دقيقًا لطبيعة اللحظة. في البطولات الكبرى، لا يُقاس النجاح بضجيج البداية، بل بقدرة المنظم على جعل الافتتاح يبدو عاديًا رغم أنه ليس كذلك.
التنظيم، الحضور الجماهيري، الانسيابية الأمنية، والتنسيق الإعلامي، كلها عناصر اشتغلت بهدوء، وهو ما جعل الحدث يمر دون مفاجآت أو اختلالات تُسجل عادة في الدقائق الأولى من البطولات القارية.
في هذه النقطة تحديدًا، ربح المغرب أول اختبار، قبل أن تُلعب أي كرة.
على المستوى الرياضي، دخل المنتخب المغربي مباراته الافتتاحية بوعي واضح بثقل اللحظة. فالمنتخب الذي يلعب على أرضه وأمام جماهيره، غالبًا ما يقع في فخ الاندفاع أو الضغط النفسي، لكن ما ظهر على أرضية الملعب كان العكس تمامًا.
المغرب لم يبحث عن الحسم المبكر باندفاع، ولم يدخل المباراة بمنطق الفرجة ، بل بمنطق السيطرة التدريجية وإدارة الإيقاع. الفوز تحقق بأقل مجهود ظاهر، لكنه بتركيز ذهني عالٍ، وهو مؤشر مهم في البطولات التي تُحسم تفاصيلها في الأدوار الإقصائية، لا في العناوين العريضة.
المنتخب لم يكشف كل أوراقه، ولم يكن مطالبًا بذلك. الرسالة كانت واضحة: البداية آمنة، والرهان مؤجل إلى ما هو أبعد.
بعيدًا عن لغة الأرقام، تفرض المباراة الافتتاحية قراءة أعمق، تُظهر أن:
المنتخب ركّز على تقليص هامش الخطأ
اللعب كان عقلانيًا أكثر منه هجوميًا
الهدف الأساسي كان تفادي المفاجأة لا تحقيق عرض فني
وهذا الاختيار ليس عيبًا، بل سلوكًا شائعًا لدى المنتخبات التي تدخل البطولة وهي تدرك أن المسار طويل، وأن أول خسارة قد تكون معنوية قبل أن تكون حسابية.
في هذا السياق، يمكن القول إن المنتخب المغربي كسب النقطة الذهنية الأهم: اللعب دون ضغط الافتتاح.
مع توالي مباريات اليوم الأول، تدخل البطولة مرحلة أكثر جدية. الجولة الافتتاحية غالبًا ما تكون كاشفة، ليس من حيث النتائج فقط، بل من حيث ملامح الفرق:
منتخبات تلعب بلا حساب، وتبحث عن المفاجأة
أخرى تدخل البطولة بحذر زائد
وأسماء مرشحة تختبر قدرتها على فرض شخصيتها
في هذا التوقيت بالذات، تبدأ التراتبية الحقيقية في التشكل، وتظهر الفوارق الذهنية قبل الفنية، وهي عناصر حاسمة في كأس إفريقيا تحديدًا.
ما يلوح في الأفق منذ الآن هو أن هذه النسخة لن تكون بطولة المنتخبات الكبيرة بالمعنى التقليدي فقط. تراجع الفوارق، تطور المنتخبات المتوسطة، والنسق البدني المرتفع، كلها عوامل تجعل كل مباراة اختبارًا قائمًا بذاته.
كأس إفريقيا اليوم لم تعد بطولة انتظار أو حسابات مسبقة، بل بطولة تُكافئ الجرأة والانضباط، وتعاقب التراخي مهما كان الاسم أو التاريخ.
بعيدًا عن المستطيل الأخضر، يحمل تنظيم هذه النسخة بعدًا يتجاوز الرياضة. المغرب يقدّم نفسه كبلد قادر على إدارة أحداث كبرى وفق معايير حديثة، دون افتعال أو ارتباك، وهو رهان لا يقل أهمية عن رفع الكأس.
في القارة الإفريقية، التنظيم الجيد رسالة بحد ذاته، والمغرب يدرك أن هذه البطولة ليست نهاية المسار، بل محطة ضمن رؤية أوسع.
هذا المحتوى مقدم من جريدة أكادير24
