في السنوات الأخيرة طُرح في بعض النقاشات الفقهية والتشريعية رأيٌ يدعو إلى معاملة الوصية الواجبة معاملةَ الإرث، بحجة أنها تُمنح لأحفاد الميت بسبب رابطة القرابة، فيُتوهَّم أنها صورة من صور التوريث المشروع الذي يسدّ ثغرة اجتماعية ويجبر كسر فئة ضعيفة.
غير أن هذا الطرح، على وجاهته العاطفية، لا يصمد أمام الفحص العلمي الدقيق، ولا يستقيم مع البناء الشرعي المحكم لنظام الميراث في الإسلام، بل يفضي إلى نتائج خطيرة تمسّ جوهر الفرائض وحدود الله التي لا تقبل التبديل ولا الزيادة.
فنظام الميراث في الشريعة الإسلامية ليس نظامًا اجتهاديًا مفتوحًا، ولا ترتيبًا اجتماعيًا قابلًا للتطوير بحسب الظروف، وإنما هو تشريع تعبدي قطعي، تولّى الله سبحانه بنفسه بيان تفاصيله، وحدّد فيه الورثة وأنصبتهم وحدودهم بنصوص محكمة.
وقد جاء هذا النظام قائمًا على قواعد دقيقة تحفظ التوازن والعدالة، ومن أعظم هذه القواعد قاعدة الحجب، التي تُعدّ العمود الفقري لعلم الفرائض، إذ تمنع تداخل الطبقات، وتضبط ترتيب المستحقين، وتحول دون الفوضى في توزيع التركة.
وقد أجمع فقهاء الأمة، منذ عصر الصحابة، رضي الله عنهم، إلى يوم الناس هذا، على قواعد الحجب، ومن ذلك أن الإخوة يُحجبون بالأب، والأعمام يُحجبون بالابن، وأبناء الابن يُحجبون بالأب، والإخوة يُحجبون بالجد. وهذا الإجماع لم يكن اجتهادًا بشريًا محضًا، بل امتثالًا مباشرًا لنصوص قطعية رتّبت الميراث ترتيبًا إلهيًا محكمًا.
ومن ثمّ، فإن أي محاولة لإدخال استثناء جديد على هذا النظام، ولو بحسن نية، تعني عمليًا نقض أصلٍ قطعي، وفتح باب لا يمكن ضبط مآلاته.
وعند اعتبار الوصية الواجبة إرثًا، يقع الخلل الجوهري؛ إذ يترتب على ذلك إدخال من حكم الشرع بحجبهم في دائرة الورثة، ومنحهم صفة الوارث التي لم يجعلها الله لهم. فبدل أن تبقى الوصية باب إحسانٍ وتداركٍ لحالة خاصة، تتحول إلى مسار توريثٍ موازٍ ينازع نظام الفرائض موقعه، ويُحدث ازدواجًا تشريعيًا خطيرًا.
وهذا المعنى في حقيقته إحداثُ وارثٍ جديد لم ينصّ عليه الشرع، وهو أمر لا يحتمل التأويل، ولا يُسوّغه مقصد اجتماعي أو دافع إنساني.
وتتجلى خطورة هذا الاتجاه بوضوح عند النظر في التطبيقات العملية. فلو مات شخص وخلّف أبًا وأحفادًا من ابن متوفى، فإن علم الفرائض يقضي بحجب الأحفاد بالجد، كما يُحجب الإخوة بالأب.
فإذا أُدخلت الوصية الواجبة في باب الإرث، أُعطي الأحفاد مع وجود من يحجبهم، فانهدم أصل الحجب، ودخل من ليس له سبب إرث معتبر في القسمة.
ومثل ذلك إذا مات شخص وترك ابنًا، فإن الأعمام محجوبون بالابن باتفاق العلماء، لكن تصوير الوصية الواجبة إرثًا يؤدي إلى إعادة توزيع التركة بطريقة تُغيّر أنصبة الابن والأم والزوجة، وتضيف مستحقين لم يرد ذكرهم في كتاب.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة القبس
