أسباب رفض المحامين لمشروع قانون المهنة.. تفاصيل

كشفت مصادر متطابقة من نقابة المحامين بالدار البيضاء، أن المقرر الصادر عن مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء، بتاريخ 22 دجنبر 2025، شكل محطة مفصلية في مسار النقاش العمومي والمؤسساتي حول مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة، وليس فقط من حيث مضمونه الرافض، بل من حيث الخلفية القانونية والدستورية التي يستند إليها، والسياق المهني الذي صدر فيه.

وأضافت المصادر نفسها، أن الموقف المعلن لا يمكن عزله عن التحولات التي يعرفها ورش إصلاح العدالة، ولا عن المكانة الخاصة التي تحتلها مهنة المحاماة داخل منظومة دولة الحق والقانون باعتبارها شريكا أصيلا في تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات.

ضرورة فتح نقاش مهني مؤسساتي

وأوردت المصادر، أن اجتماع مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء انعقد برئاسة النقيب محمد حيسي، وبمشاركة وازنة لأعضاء المجلس من نقباء سابقين وأساتذة ممارسين، في ظرفية اتسمت بتداول معطيات متقاطعة حول مشروع قانون يراد له أن يؤطر مهنة المحاماة، دون أن يعرض رسميا على مجالس الهيئات، ودون أن يفتح بشأنه نقاش مهني مؤسساتي، رغم التوصية الصريحة الصادرة عن مؤتمر جمعية هيئات المحامين بالمغرب في دورته الثانية والثلاثين المنعقدة بطنجة أيام 15 و16 و17 ماي 2025، والتي دعت بوضوح إلى إشراك الهيئات في كل ما يتعلق بمستقبل المهنة وتنظيمها القانوني.

وأضافت المصادر، في اتصال مع آش نيوز ، أن هذا الاجتماع، استهدف في جوهره، الوقوف على حقيقة ما يروج في بعض الأوساط حول مضامين المشروع المذكور، خاصة في ظل امتناع مكتب الجمعية عن تعميمه، وهو ما اعتبره المجلس إخلالا خطيرا بقواعد التدبير الديمقراطي للشأن المهني، وتجاوزا لاختصاصات مجالس الهيئات بصفتها الإطار التمثيلي الشرعي للمحامين، والمخاطب الطبيعي في كل ما يمس تنظيم المهنة واستقلالها.

مس بالمكتسبات المشروعة لمهنة المحاماة

وبعد الاستماع إلى إفادات عدد من أعضاء المجلس حول ما بلغ إلى علمهم من مقتضيات واردة في المشروع، خلص المجلس إلى أن هذه المقتضيات، إن تم تأكيدها، تمس بشكل مباشر بالمكتسبات المشروعة التي راكمتها مهنة المحاماة عبر مسار تاريخي طويل، وتمس باستقلالها الوظيفي والمؤسساتي، وبالمبادئ المؤطرة لها كما هي متعارف عليها كونيا، سواء في الاجتهادات الفقهية أو في المواثيق الدولية ذات الصلة باستقلال المهن القانونية، حسب ما جاء في مقرر اتخذه المجلس وتوصل الموقع بنسخة منه.

واعتبر المجلس أن المشروع يتضمن تراجعا تشريعيا خطيرا عما كرسه المشرع المغربي في القوانين المتعاقبة المنظمة للمهنة منذ أول تشريع مستقل صدر سنة 1924، وهو تاريخ لا يستحضر من باب الرمزية، بل باعتباره لحظة تأسيسية لاستقلال المحاماة عن منطق الوصاية، وترسيخا لدورها كفاعل أساسي داخل العدالة، كما شدد على أن خطورة هذا التراجع، لا تكمن فقط في المساس بالمهنة كمجال مهني منظم، بل تتعداه إلى المساس بالثوابت التي تقوم عليها دولة الحق والقانون، لأن إضعاف المحاماة هو، في جوهره، إضعاف لحق الدفاع، ومساس بضمانات المحاكمة العادلة، وتقويض للتوازن المطلوب بين مختلف مكونات السلطة القضائية والعدلية. فالمحاماة ليست مهنة تقنية محايدة، بل مؤسسة تضطلع بدور دستوري غير مباشر في حماية الحقوق وصيانة الحريات، وأي تشريع لا يستحضر هذه الحقيقة يعد تشريعا قاصرا، حتى وإن تغلف بخطاب الإصلاح، تقول المصادر.

مخالفة لمبدأ التشاركية وتعد على الاختصاصات

وأضافت المصادر على أن هذا الموقف يزداد وجاهة حين يستحضر البعد المنهجي في إعداد المشروع، حيث سجل مجلس الهيئة، بوضوح، أن عدم إشراك مجالس الهيئات في مناقشة المشروع وإبداء الرأي فيه يشكل تعديا صارخا على اختصاصاتها، ومخالفة لمبدأ التشاركية الذي أصبح أحد مرتكزات العمل التشريعي الرشيد. فالتشريع في مجال المهن المنظمة، وخاصة مهنة المحاماة، لا يمكن أن يكون نتاج إرادة أحادية، بل ثمرة حوار مؤسساتي مسؤول، يستحضر الخبرة الميدانية، ويوازن بين متطلبات التنظيم وضمانات الاستقلال.

كما استحضر المجلس، في تسويغ موقفه، ما عبر عنه وزير العدل في مناسبات عديدة من ضرورة ووجوب حصول التوافق المسبق قبل اعتماد أي نص قانوني، وهو ما يجعل تمرير مشروع بهذا الحجم دون توافق فعلي، خروجا عن التوجهات المعلنة، ومصدرا محتملا للتوتر داخل منظومة العدالة بدل أن يكون مدخلا للإصلاح.

صيانة استقلال المهنة

وقرر مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء، وبإجماع أعضائه الحاضرين، الرفض المطلق لمشروع القانون المذكور، مع تبليغ هذا المقرر إلى مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، تأكيدا على أن هذا الرفض ليس موقفا عدميا أو دفاعا عن امتيازات ضيقة، بل تعبير عن حرص مؤسساتي على صيانة استقلال المهنة، واحترام المشروعية التشاركية في التشريع، وضمان أن يكون أي إصلاح مرتقب للمحاماة إصلاحا حقيقيا، نابعا من داخل المهنة، ومتوافقا مع دورها التاريخي والدستوري في خدمة العدالة والمجتمع.


هذا المحتوى مقدم من آش نيوز

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من آش نيوز

منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
هسبريس منذ ساعتين
هسبريس منذ 10 ساعات
هسبريس منذ ساعة
2M.ma منذ 15 ساعة
هسبريس منذ 13 ساعة
هسبريس منذ 12 ساعة
جريدة تيليغراف المغربية منذ ساعتين
هسبريس منذ 11 ساعة