أزمة الضبط المدرسي

تُعدّ أزمة السلطة التربوية داخل الفصول الدراسية إحدى الإشكالات البنيوية العميقة التي تواجه منظومة التربية والتكوين، لما لها من انعكاسات مباشرة على جودة التعلمات واستقرار المناخ المدرسي. فقد غدت ممارسة المدرس لسلطته التربوية مهمة معقدة تتداخل فيها الأبعاد النفسية والاجتماعية والتنظيمية، مما أدى إلى انحباس التواصل الصفي، وتنامي مظاهر الفوضى والسلوكات غير المنضبطة داخل عدد من المؤسسات التعليمية. ويعود جانب مهم من هذا الوضع إلى التحولات التي مست مفهوم السلطة داخل المدرسة، إذ لم تعد هذه الأخيرة تقوم على الانضباط الصارم والطاعة غير المشروطة كما كان الحال في فترات سابقة، حين كانت الأسرة تضطلع بدور محوري في التربية والتتبع والدعم، وتشكل امتداداً فعلياً للمدرسة في التنشئة والضبط.

غير أن التحولات التي عرفها المجتمع، وفي مقدمتها تغير البنيات الأسرية، وتراجع المكانة الاعتبارية للأستاذ، واهتزاز رمزيته داخل المجتمع، وانشغال عدد متزايد من الأسر بتأمين شروط العيش على حساب المتابعة التربوية، إلى جانب التعديلات التي عرفتها المذكرات المنظمة للمجالس الانضباطية، خاصة ما يتعلق بالتخلي عن الصرامة واعتماد العقوبات البديلة، كلها عوامل أسهمت في إضعاف هيبة السلطة التربوية، وفتحت المجال أمام انتشار اللامبالاة المدرسية وشيوع مظاهر الشغب والاستهتار داخل المؤسسات التعليمية. وفي هذا السياق، يشير عالم الاجتماع بيير بورديو إلى أن “المدرسة لا تعاني فقط من أزمة تعلم، بل من أزمة شرعية رمزية”، وهي شرعية تتأسس أساساً على الاعتراف المجتمعي بدور المدرس ومكانته.

وأمام هذا الوضع المأزوم، يجد عدد من المدرسين أنفسهم مضطرين إلى تبني ممارسات لا تنسجم دائماً مع التوجيهات الرسمية، اعتقاداً منهم بأنها السبيل الوحيد لضبط القسم والضغط على المتعلمين من أجل إنجاز الواجبات المدرسية واحترام النظام الداخلي. غير أن اللجوء إلى أساليب من قبيل الإقصاء من الفصل أو التوقيف المؤقت، يظل محدود الجدوى، بل يكرس نموذجاً إقصائياً يعمق التعثرات الدراسية ويغذي مظاهر الهدر المدرسي بدل معالجتها، كما يحول العقوبة إلى غاية في حد ذاتها، لا إلى وسيلة للإصلاح التربوي.

ولا يمكن فهم أزمة السلطة التربوية بمعزل عن التحولات العميقة التي تعرفتها الأسرة والمجتمع، إذ أدى الانتشار الواسع للأسر أحادية الوالد ( المطلقات، الأمهات العازبات…)، خاصة في هوامش المدن، وتراجع السلطة الأبوية، والتخلي التدريجي عن أدوار الأسرة الأساسية من قبيل المراقبة والتتبع والتنشئة القيمية، إلى بروز جيل يفتقر إلى حدود قيمية واضحة وإلى مرجعيات ضابطة للسلوك. وينعكس هذا الوضع داخل المدرسة في صورة تأخر وغياب متكررين، وعراك وشجار، ورفض إنجاز الواجبات، وتبني سلوكات لامدنية اتجاه الذاة والآخر.

كما أسهمت التكنولوجيا الرقمية في تعميق هذه الأزمة، بعدما أضحت الشاشات ومحتوياتها تؤدي دوراً موازياً، بل أحياناً بديلاً، لأدوار الأسرة والمدرس، مما خلق لدى المتعلمين ارتباطاً بسلطة رقمية جديدة تؤثر في سلوكهم وتركيزهم وقدرتهم على ضبط الذات. وفي هذا الإطار، يرى فيليب ميريو أن “المدرسة لم تعد تنافس فقط الأسرة، بل أصبحت تنافس الشاشات في تشكيل الوعي والسلوك”.

وبفعل تراجع سلطة الإدارة التربوية، وانسحاب الأسرة والمجتمع من أدوارهما في التربية والتنشئة الاجتماعية، لم تعد المشكلات المدرسية تقتصر على المخالفات البسيطة، بل تجاوزتها إلى سلوكيات خطيرة ذات طابع إجرامي، من قبيل تعاطي المخدرات أو ترويجها داخل وحول محيط المدارس، إضافة إلى التهديد والعنف. وهو ما يكشف أن جزءاً من هذه المشكلات لم يعد تربوياً صرفاً، بل أصبح يتطلب مقاربات أمنية وقانونية موازية. كما أن ضعف المستوى الدراسي لدى عدد من المتعلمين، وانسحابهم الفعلي من سيرورة.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من هسبريس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من هسبريس

منذ ساعتين
منذ 4 ساعات
منذ 15 دقيقة
منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 42 دقيقة
العربية - المغرب العربي منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 12 ساعة
هسبريس منذ 10 ساعات
جريدة أكادير24 منذ 4 ساعات
موقع بالواضح منذ 3 ساعات
جريدة أكادير24 منذ 4 ساعات
هسبريس منذ 16 ساعة
هسبريس منذ 4 ساعات