أصدر ويجز الجزء الثاني من ألبومه "عقارب" الذي يجمع 12 أغنية. كان العنصر الأبرز فيها تعاونات فنية ملفتة من بينها أغنية "كلام فرسان" التي طرحها منذ نحو ثلاثة أسابيع بالتعاون مع محمد منير لتدخل فورًا في قائمة هوت 100 وتصبح في المرتبة الـ 13 هذا الأسبوع، كما تعاون فيه أيضًا مع دحوم الطلاسي وتيوا سافاج وغيرهم.
بعد عدة استماعات أولى للألبوم يرتّب فريق بيلبورد عربية أغاني الألبوم كما استقبلوها، من الأقل إلى الأفضل، حتى إذا كنا مدركين أن تكرار الاستماع قد يخلق شعورًا مختلفًا حول بعض التراكات الـ 12 التي يضمها الألبوم.
سلكانة مع تيوا سافادج يبدو تراك "سلكانة" لحظة استعراض بارد للهيمنة أكثر منه احتفالًا صاخبًا بالنجاح. ويجز يفتتح الأغنية بتحية موجهة للجذور لكن سرعان ما يحوّلها إلى بيان نفوذ.
اللغة مباشرة ومتعالية دون صراخ كأن ويجز يتحدث من نقطة لم يعد فيها مضطرًا للإقناع أو التبرير. واللازمة تكرّس هذا الإحساس: "سلكانة.. خاربينها/ دبي وايبس سايقينها/ ولا يشغلنا كلاب كارهينا، ليه بتشغلنا؟/ معانا عزوتنا/ سلكانة خاربينها/ دي عيال Lost وتاهوا من ماما ومش لاقينها".
دخول صوت النجمة النيجرية، تيوا سافاج، يوسّع أفق التراك جغرافيًا وصوتيًا، ناقلًا الأغنية من سياق محلي إلى مساحة أفريقية وعالمية أوسع؛ لكنه ربما لم يكن الخيار الأنسب لهذا التعاون، فالتراك ليس من بين الأفضل إنتاجيًا. ويكن القول أن "سلكانة" تأتي كتراك مزاجي داخل الألبوم: أقل انشغالًا بالسرد، وأكثر تركيزًا على تثبيت الموقع، وتأكيد أن اللعبة مستمرة لكن بشروط مختلفة.
x بي بي كينغ مع دحوم الطلاسي تعاون متنوعة لدى ويجز هنا أبرزها تعاونه مع دحوم الطلاسي المعروف بتقديمه للفن السامري. يبدأ ويجز الأغنية بأسلوبه المألوف المشبع بالفلكسينغ والاعتزاز بالنفس، وصولًا إلى جملة مباشرة وحادة: "أنا البطل أنت كراكتر" قبل أن يتعمّد كسر هذا النسق وتغيير الفلو الذي افتتح به المقطع، في إشارة واعية إلى سيطرته على المسار الإيقاعي وتطويعه لصالحه.
الإنتاج الموسيقي هنا لافت بوضوح، وربما يعود ذلك إلى اشتراك أربعة منتجين في تنفيذ العمل: إل فايف، وعزوني، وتيمور رضوان، وتودور مونرو، وهو ما منح الأغنية طبقات صوتية متعددة دون أن تفقد تماسكها. كما لم يخلُ البيت من لمسات حيّة، تجلّت في حضور الغيتار الإلكتروني في الخلفية، ليضيف بعدًا دراميًا خفيفًا على الإيقاع.
أما جزء دحوم فجاء عذبًا بطريقته الخاصة، محتفظًا بهويته السامرية، لكن بصيغة أكثر عصرية ومرونة، تندمج بسلاسة مع عالم ويجز، قبل أن يعود الأخير ليكمل باراته القائمة على تأكيد الذات، في مشهد يعكس توازنًا ذكيًا بين الاختلاف والانسجام داخل الأغنية.
x ماسح كل النمر مع سامي شيبلاق يستمر ويجز هنا في إقرار الحالة الانعزالية التي تُعرّف مرحلته الفنية الحالية، غير مهتم بالانتقادات أو "النكش" المستمر من بعض الأسماء القوية في السين. فقد "مسح كل النِمر" لا توجد لديه مساحة لأي مهاترات تُعطّله.
يضيف سامي شيبلاق مسحة أجنبية تُضفي حيوية على الفلو السريع الذي يؤدي به ليدور حول استغلال المحيطين للاشتباك أو لمساحات القرب من أجل استنزاف الطاقة. كما يقدّم ويجز لمحة استعادِيّة من البدايات في بارات مثل: "عجول نفسها أطبلها تحب لما أطجنلّها".
x مبدأ كله بتمن يخرج تراك "مبدأ كله بتمن" من رحم ويجز الذي أسر الجمهور في تراكات مثل "اللقطة" و"علي بابا" مقدّمًا التراب الشعبي الذي أحبه المستمعون. القاسم المشترك هنا هو المنتج الموسيقي وزّة منتصر الذي ينجح مجددًا في استحضار هذا المزاج الخام دون افتعال.
ترتكز الأغنية على لازمة تظل في الذاكرة منذ الاستماع الأول وتحمل في بساطتها حدّة المعنى وقسوته: "ولا تجيلي على سكة/ ولا أنعتك بالخصم/ تقعوا تقولوا يا ما شاء الله/ تفلقوا الحجر بالنصف".
يتأمل ويجز غدر الزمن وتقلب الصُحبة إلى حد يدفعه لتقديم مصلحته الشخصية على أي اعتبارٍ آخر. كأنها خلاصة تجربة طويلة من الخيبات انعكست بوضوح على عنوان الأغنية الذي لا يقدّم مبدأً أخلاقيًا بقدر ما يعلن اعترافًا صريحًا بواقع لا يرحم.
x دوامة تراك "دوامة" يضع ويجز نفسه داخل صراع مفتوح مع الاستنزاف العاطفي والنضج القسري. الافتتاح مباشر يلقي المستمع مباشرة في حالة عجز واعٍ: محاولة الهروب تفشل والرضا يتحول إلى خيار إجباري لا فضيلة فيه. من هنا تتشكل "الدوامة" كحالة ذهنية قبل أن تكون علاقة.
كتابة ويجز هنا متوترة لكنها محسوبة، مليئة بتكرار مقصود يعكس الدوران في المكان نفسه. الحب لا يُقدِّم الملاذ بل قوة سحب، والمرأة هنا مجرّد محفّز للأذى والخذلان.
المفارقة أن ويجز رغم لغة القوة واستخدام مفردات مثل "دبابة" إلّا أنه يعترف بالهشاشة دون أن يطلب تعاطفًا. ولعل أجمل ما في تراك "دوامة" هو الفواصل الموسيقية التي تبدو وكأنها فاصل ترفيهي يخرج عن العالم القاسي الذي يعريه ويجز بكلماته.
x سويتش يأتي تراك "سويتش" مثل بيان دفاعي يُخفي بين سطوره ديسات غير مباشرة يقدّم خلالها ربما أكثر نصوصه حدّة ومباشرة داخل الألبوم.
الافتتاح يبدو تهكميًا، كأنه تسجيل جانبي يُمهّد لفكرة محورية: الجميع يريد أن يعيش التجربة ذاتها، لكن من دون المرور بذات الطريق. "سويتش" هنا ليست مجرد تغيير مسار، بل آلية دفاع، وانقلاب واعٍ على علاقات وصور، وأدوار لم تعد صالحة.
ويجز يكتب من موقع المتشكك لا الضحية، إذ لا يوجد بكاء على الخذلان بقدر ما يوجد رصد بارد له. البارات تأتي قصيرة مشحونةً بلغة الشارع، دفاعية بقالبها اللغوية وهجوميةً بالمغزى. الإيقاع المتوتر يعكس ذهنية التراك: حركة دائمة، ضغط مستمر وانعدام أي مساحة للتصالح.
x مش كل مرة مع ناصر ويجز وناصر هنا يخلقا مفارقة أحدهما الشرطي السيئ والآخر الشرطي الجيد. تتنقّل الحالة العاطفية بين العتاب الحاد الذي يصل إلى حد التهديد بقطع الصِلات، والحنان المبالغ فيه، بشكل متتابع يحافظ على حيوية الإيقاع.
يمزج المنتج الموسيقي حسين جمال بين اللو-فاي والدرام أند بايس، مع إضافة كورس نسائي كورالي يضفي تأثير الـR&B الكلاسيكي.
تخرج الأغنية عن نمط الكتابة التقليدي. تستعمل لغة الحوار الواقعية دون فلترة، من دون الاكتراث بقيود الحفاظ على رتم متناسق مع اللحن، ما يضفي حالة مرِحة تُغطّي على إزعاج الخروج عن القوافي.
x مفيش وقت مع راستي تستمر ثنائية ويجز وتيودور مونرو في تقديم نفسها بقوة من خلال إيقاعات الأفروبيت. يستغل الأول هذه الإيقاعات الراقصة للتعبير عن حالة الحيرة الشديدة التي يقع فيها في طريق الارتقاء والتطور ليجد نفسه في مواجهة تناقضاته بين رغبته في الاستقامة وبين الواقع المغري دون قدرة على الحسم.
يعترف من خلال البارات بعجزه وتفضيله للوحدة كحل مريح يمنحه فرصة للتأمل، ويتعامل مع جانبه الهش بوعي شديد، رغم حالة الترنّح التي تسود الأغنية، لأنه يدرك خطته بوضوح رغم الاضطراب.
كلام فرسان مع محمد منير إحدى أكثر التعاونات ترقّبًا وجمالًا في هذا الألبوم كان أغنية "كلام فرسان" التي طُرحت قبل الألبوم بنحو ثلاثة أسابيع، بعد حملة تشويقية لافتة مهّدت للقاء فني استثنائي بين صوتين ينتميان إلى جيلين وعالمين موسيقيين مختلفين. هذا الاختلاف لم يكن عبئًا على التجربة، بل شكّل جوهرها، ودفع الجمهور لانتظار النتيجة النهائية بشغف.
اللافت أن الأغنية جاءت على قدر التوقعات، أقرب إلى حوار مفتوح حول حال الدنيا ومآسيها، حيث يطرح ويجز تساؤلاته وهواجسه بصدق جيله، فيما يقدّم منير دور الحكيم والناصح، مستندًا إلى خبرة طويلة تتجلّى في جُمل مكثّفة ودالّة، نذكر من بينها: «أصل الصاحب ساحب»، وكأن الأغنية لا تُغنّى فقط، بل تقدّم نصيحة لجيل مختلف، اعتمادًا على أمثال متوارثة من الثقافة المصرية.
x نور عيني مع حمود السمة لعل التعاون الأكثر إثارة في الألبوم هو تعاون ويجز مع المغني اليمني حمود السمة في أغنية "نور عيني" التي بُنيت هويتها على الاشتباك المباشر بين عالمي الهيب هوب المصري المعاصر والموسيقى التراثية اليمنية.
يمنح حمود السمه الأغنية مدخلًا يمنيًا خالصًا، بموسيقى فولك تبدو أقرب إلى استدعاء طقس غنائي قديم منه إلى مقدمة تقليدية. يبدأ الأغنية بصوته الذي يعيد ضبط أذن الألبوم على مقام مختلف، تسبق فيه المشاعر الإيقاع ليرسم حالة رومانسية خاصة تمتد إلى أوتار العود التي تتحول إلى أداة سرد، تفصل زمنيًا بين التراث والآن، وتخلق مساحة تنفّس قبل دخول ويجز.
ويجز لا يأتي في مواجهة مع هذا العالم الموسيقي بل يكسر البناء الموسيقي بأسلوبه الخاص الذي بدا هنا أكثر خفة ورغبةً في التماهي مع العالم الموسيقي الذي يستكشفه.
وفي حين يبدو البناء الموسيقي يتكسر مع دخول ويجز، فإن الحالة الرومانسية تبقى قائمة كما هي، فكلمات ويجز تتغذى على الإرث وتستعير هدوءه بدل أن تصادمه، ليخرج التراك كواحد من أكثر لحظات الألبوم حميمية ونضجًا في الألبوم.
x الدمعة يُعد تراك "الدمعة" واحدًا من أكثر المحطات تأثيرًا في الألبوم. تولّى إنتاجه وزّة منتصر، ليقدّم مساحة صوتية مشحونة بالثقل والصدق.
تدور الأغنية حول البكاء على الماضي وغدر المقرّبين، لكن ويجز لا يقف هنا في موضع الضعيف أو المنكسر؛ على العكس، يأتي أداؤه هجوميًا مفعمًا بالقوة، وكأنه يواجه خيباته من موقع المسيطر لا الضحية.
ورغم ثقل الموضوع، لا يتخلّى ويجز عن نبرة الاعتزاز بالنفس، فوسط الصعاب تبقى قوته الداخلية هي المحرّك الأساسي للسرد. بارات نارية تتوازن فيها الاستعراضات اللفظية مع التورية الذكية، لتذكّر المستمع بقدرة ويجز اللافتة على اللعب بالكلمات دون أن يفقد المعنى أو الإحساس. هذه القوة لا تبدو مصطنعة، بقدر ما تنبع من خبرة حياتية وتجارب متراكمة صاغت نبرته، وجعلت من «الدمعة» اعترافًا قاسيًا، لكنه يُقال ورأسه مرفوع.
x مشكلة مع يونيو يستعيد المنتج الموسيقي حسين جمال أحد تركيبات بوب بداية الألفينات شديدة النجاح، المعتمدة على رباعية (الرق الطبلة رِفات الغيتار الإلكتروني البريكشن) ليعيد تقديمها في قالب أكثر تجريبية، من خلال إضافة مؤثرات صوتية صناعية وتشويشات بسيطة.
يقدّم عليها ويجز ويونيو وصلة غزلية صريحة، مليئة بالجمل الرنانة التي تبقى في الأذن، مثل: "هو أنا شفتك في حياة تانية؟ أنا لو شفتك مستحيل أنسى" أو "حالفة تلعب بينا ويشمتوا فينا".
x اشترك في كتابة هذه القائمة كل من نورهان أبو زيد ويوسف علي وعمر بقبوق.
هذا المحتوى مقدم من بيلبورد عربية
