مع اقتراب أفول 2025، تبدو الاستدارة إلى محطاته الرئيسة التي شكلت متن العام كاشفة عن حجم أحداثه السياسية، الإقليمية والدولية، خصوصًا في الشرق الأوسط، بما يؤشر إلى استمرار تداعياتها مع العام المقبل.
محطة مفصليةوفي ما يبدو أن الوضع بغزة بعد توقيع خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام ما زال أمام رهانات عديدة تتحكم في سيناريوهاته. ويكاد لا يختلف هذا الوضع المتأرجح باحتمالاته وتبايناته المختلفة في ملفات إقليمية أخرى، كما هو الحال في سوريا مع السلطة الانتقالية التي يقودها أحمد الشرع وفرص تسوية التناقضات المختلفة المحلية والخارجية، وكذلك لبنان الذي يقف على الحافة بين نزع سلاح "حزب الله" واستعادة سيادة الدولة.
ووفق مراقبين تحدثوا لمنصة "المشهد"، فإن واقع الحال يؤكد أن المنطقة تشهد لحظة إعادة تموضع إقليمية، وتشكيل موازين القوى من جديد ضمن منظومة جيوسياسية جديدة في قمة العالم.
ويمكن القول إن عام 2025 قد مثّل محطة مفصلية في مسار أزمات الشرق الأوسط، في ظل أوضاع متخمة بتعقيدات غير مسبوقة في غزة، إيران، سوريا، اليمن، لبنان، إلى جانب القرار التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
غزة: من حرب مفتوحة إلى هدنة هشّة
ما تزال أوضاع غزة بعد الحرب التي دامت لنحو عامين وفي ظل خروقات إسرائيل الأمنية والعسكرية لخطة السلام التي أقرها الرئيس الأميركي ترامب في مدينة شرم الشيخ المصرية في أكتوبر الماضي، تفرض حضورها وتأثيراتها في المجال السياسي، الدولي والإقليمي، خصوصاً مع بحث إمكانية الانتقال للمرحلة الثانية من بنود الخطة والتي تشمل الانسحاب الإسرائيلي من أجزاء بالقطاع، وترتيبات نشر قوة استقرار دولية، ومن ثم، تحديد شكل الحكم الجديد بغزة.
ومن المتوقع أن يزور رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو واشنطن قبل نهاية العام، ويلتقي بترامب لبحث هذه النقاط في ظل توترات متصاعدة بين الطرفين.
وكانت مصر مصر، قد نجحت بالتنسيق مع الولايات المتحدة وقطر وتركيا، في رعاية اتفاق لوقف إطلاق النار أُعلن عنه في شرم الشيخ، ما أسهم في خفض التصعيد وفتح قنوات تفاوض، إلا أن بقاء التهدئة هشّة يجعلها قابلة للانهيار في أي لحظة في ظل غياب حل سياسي شامل.
إيران: ضربات محسوبةكما شهد العام تصعيدًا لافتًا بين إسرائيل وإيران، مع تنفيذ ضربات استهدفت منشآت وبنى تحتية مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني وطالت 3 منشآت نووية. وفي ظل تقارير استخبارية تحدثت عن اقتراب طهران من امتلاك قدرة نووية عسكرية، اختارت الولايات المتحدة الانخراط المحدود عبر دعم عمليات نوعية بهدف تعطيل البرنامج النووي، من دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية شاملة، في مقاربة وُصفت بأنها توازن بين الردع ومنع الحرب الإقليمية.
سوريا ما بعد الأسد وإعادة التشكيلكان سقوط نظام بشار الأسد أحد أبرز الأحداث الانتقالية التي شكلت جدارية سياسية امتدت من نهاية العام قبل الماضي وحتى عام 2025، بينما ما تزال تتسع داخلها الوقائع من دون انقطاع أو اكتمال، حيث كشفت عن مرحلة انتقالية معقدة على المستويين المحلي والإقليمي، وذلك بقدر ما تبدو عليه الخريطة الديمغرافية لسوريا من تنوع يشمل المجتمع السياسي والمدني من الناحية القومية والعرقية والدينية الطائفية إلى جانب الجهوية. ويفاقم ذلك كله تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين في سوريا.
ففي ظل صعود السلطة الجديدة التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع برزت جملة تحديات أمنية وسياسية، بداية من الحصول على الشرعية الدولية والسعي لإلغاء العقوبات التي تمت بالفعل خلال نهاية العام، مرورًا بالحوادث الدموية الطائفية في عدة مناطق منها الساحل والجنوب السوري، وحتى الانخراط الإسرائيلي الواسع في الجولان والجنوب، على خلفية مخاوفها الأمنية المرتبطة بتغير موازين القوى جنوب سوريا، بينما تتابع القوى الدولية المشهد السوري بحذر شديد.
لبنان: مواجهة محسوبة مع "حزب الله"
في لبنان، تصاعدت التوتر على الحدود الجنوبية، حيث كثفت إسرائيل عملياتها ضد "حزب الله"، مستهدفة بنيته العسكرية وقياداته، ومن أبرزهم هيثم علي الطبطبائي، القيادي العسكري المؤسس والقائم بأعمال رئيس أركان الحزب، وذلك ضمن استراتيجية تهدف إلى تقليص قدراته ومنع فتح جبهة شاملة. ورغم الضربات المتبادلة، حافظ الطرفان على سقف اشتباك منضبط لا يعاود مشهد الحرب من جديد، وسط جهود دولية تحول من دون توسع المواجهة إلى حرب شاملة.
كما تواصل الحكومة اللبنانية مع الأطراف الإقليمية والدولية جهودها لبحث آليات وفرص نزع سلاح "حزب الله" وتقوية دور الجيش اللبناني. إذ انعقد في باريس اجتماع ضم قائد الجيش اللبناني رودولف هيكل إلى جانب ممثلين عن السعودية ولبنان والولايات المتحدة وفرنسا، وقد خُصص لبحث ملف نزع سلاح "حزب الله" وتداعياته على الاستقرار اللبناني والإقليمي. كما ناقش الاجتماع خلال منتصف ديسمبر سبل تعزيز دور الدولة اللبنانية وحصر السلاح بيد الدولة.
"الإخوان".. جماعة إرهابيةعلى الصعيد السياسي، شكّل القرار التنفيذي للرئيس الأميركي بخصوص إجراءات تصنيف الولايات المتحدة جماعة "الإخوان" منظمة إرهابية تطورًا بالغ الأهمية، بما سيكون له من تداعيات إقليمية ودولية هائلة، تتصل تحديدًا بشبكات الجماعة الأم للإسلام السياسي في بلدان u]m وتقويض أنشطتها وبخاصة المالية وتوسيع دائرة القيود والمراقبة.
وبالمحصلة، يؤشر عام 2025 إلى أن الشرق الأوسط لا يزال يقع تحت وطأة أو بالأحرى ارتهانات ملفات معقدة ومتشابكة، حيث تتقدم التهدئة المؤقتة على حساب الحلول النهائية، فيما تستمر القوى الإقليمية والدولية في إدارة الأزمات بدلًا من حسمها، الأمر الذي يجعل المنطقة مقبلة على عام جديد يبدو مثقلًا بالسيناريوهات المفتوحة.تحولات كبرى ومرحلة من "عدم اليقين"
يقول الباحث الأميركي المختص في شؤون الشرق الأوسط بمركز لندن للبحوث السياسية والإستراتيجية، مايكل مورغان، إن عام 2025 كان حافلًا بالتحولات السياسية والأمنية الكبرى على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط التي بقيت بؤرة للتوترات والصراعات المفتوحة.
إذ واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية الواسعة في قطاع غزة، والتي أسفرت عن خسائر بشرية هائلة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وسط اتهامات دولية متزايدة بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، إلا أنه في أكتوبر الماضي برزت "محطة مفصلية" عندما نجحت مصر، بالتعاون مع الولايات المتحدة وتركيا وقطر، في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في خطوة وُصفت بأنها "أحد أهم اختراقات السلام في المنطقة خلال العام، وأسهمت في خفض التصعيد وفتح مسارات تفاوضية جديدة"، بحسب مورغان في حديثه لـ"المشهد".
بالتوازي، شهد العام تصعيدًا خطيرًا بين إسرائيل وإيران، حيث نفذت تل أبيب هجمات استهدفت العمق الإيراني، في مسعى لجرّ واشنطن إلى مواجهة شاملة، وفق مورغان. غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اختار "مقاربة محدودة"، عبر المشاركة في عملية نوعية استهدفت البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، من دون الانخراط في حرب مفتوحة، في خطوة هدفت إلى تعطيل قدرات إيران النووية.
وعلى الساحة السورية، شكّل سقوط نظام بشار الأسد وصعود أحمد الشرع إلى واجهة المشهد السياسي أحد أبرز تطورات العام، ما أدخل البلاد في مرحلة جديدة من "عدم اليقين"، بحسب الباحث الأميركي بمركز لندن للبحوث السياسية والإستراتيجية، وذلك وسط مخاوف إقليمية ودولية من تداعيات أمنية أوسع. وفي هذا السياق، عززت إسرائيل وجودها في هضبة الجولان، مبررة ذلك باعتبارات أمنية تتعلق بتغير موازين القوى على حدودها الشمالية.
ويردف: "ورغم ما حققته إسرائيل من مكاسب عسكرية وتكتيكية، فإنها تكبّدت في المقابل خسارة متزايدة على مستوى الرأي العام الدولي، مع تصاعد الانتقادات لسلوكها في غزة، واتهامات باستغلال هجمات 7 أكتوبر كغطاء لتوسيع العمليات العسكرية، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وفرض واقع ديمغرافي جديد، وهي مقاربات قوبلت برفض مصري قاطع".
تراجع الدعم الأميركي لإسرائيلويختتم مورغان حديثه قائلًا إن التقديرات تشير إلى احتمال تراجع مستوى الدعم الأميركي لإسرائيل، في العام الجديد، خصوصًا على الصعيد اللوجستي، وذلك في حال استمرار خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب بغزة، والذي يعد أحد أبرز إنجازات الرئيس ترامب الدبلوماسية في عام 2025، وقد يشكّل ركيزة أساسية في سعيه للترشح مجددًا لجائزة نوبل للسلام.
من جهته، يوضح الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، محمود أبو القاسم، أن التطورات الراهنة على مستوى الوضع الإيراني تشير إلى ان نظام "الولي الفقيه" يمر بمرحلة من "الهدوء الحذر"، بينما تعيش الدبلوماسية حالة من الجمود المتعمد من جانب إيران والولايات المتحدة.
لكن هناك مساع لاستكشاف فرص الدبلوماسية في ظل تحديات داخلية عميقة وضغوط خارجية مكثفة، وخشية من أن يؤدي تدهور الأوضاع وفقدان الثقة إلى العودة لمسار الحرب، وفق أبو القاسم لـ"المشهد". وعلى هذا الأساس، فإن تحركات إيران في ظل هذه التطورات مع الأخذ في الاعتبار الفرص والتحديات قد تتراوح بين عدة احتمالات أهمها:
الانفراج والاستقرار: ويتوقف على نجاح المملكة العربية السعودية أو أي وسيط آخر في دفع مسار التفاهم بين واشنطن وطهران، والعودة إلى طاولة المفاوضات. في هذه المفاوضات قد يتمكن الجانبان من الوصول إلى صفقة محدودة تخفف بعض العقوبات مقابل التزامات نووية، بما سيؤدي حتمًا إلى تهدئة اقتصادية نسبية وزيادة الاستقرار الداخلي.
الجمود والعزلة: ويعنى استمرار الوضع الراهن، حيث لا دبلوماسية ولا حرب، مع الاستمرار الأميركي في فرض مزيد من الضغوط والعقوبات وبمساعدة الدول الأوروبية. وفي هذه الحالة ليس ثمة شك أن النظام سيكون معرضًا لحدوث موجة من الاحتجاجات بسبب تراجع الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، وقد يهدد ذلك شرعيته مع الوقت، بل قد يدفع الأمور نحو الثورة عليه.
التصعيد واحتمال التغيير: وقد يقتصر على جبهات إقليمية كلبنان أو اليمن، أو قد تشن الولايات المتحدة أو إسرائيل هجومًا مباشرًا على إيران في ظل سياسة التعتيم النووي الراهنة. وهذا سوف يضع النظام أمام تحديات جمّة، إذ إنه سوف يخلق جملة أوضاع شديدة الارتباك في الداخل، وقد تراهن إسرائيل والولايات المتحدة على تغيير النظام.
وترجح عوامل عدة سيناريو الانفراج، وفق أبو القاسم، حيث يرى أن "النظام الإيراني يمتلك خبرة طويلة في التعامل مع التحديات والضغوط وأولويته هي الحفاظ على بقائه، وهو متمرس في متابعة سياسة حافة الهاوية، وإبداء المرونة عند الضرورة. كما أن ترامب ربما يكون أقرب لعدم الانخراط في حرب مكلفة في المنطقة، خصوصًا بعد ضرب المنشآت النووية وإبعاد إيران عن تحقيق اختراق نووي".
ويختتم الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية حديثه قائلًا: "ترغب السعودية في تعزيز دورها ومكانتها وتحقيق الاستقرار وتعزيز أمن الخليج. وبالتالي معالجة الأزمة النووية الإيرانية سلميًا، مع عدم ترك إعادة تشكيل المنطقة لإسرائيل".
عتبة التحولات الجذرية
إلى ذلك، يوضح الباحث والأكاديمي المختص في فلسفة التاريخ الدكتور سامح إسماعيل أن من أبرز الأحداث التي شهدها العام وستكون "عتبة لتحولات جذرية"، الموقف اللافت من "الإخوان" في الولايات المتحدة بعد قرار ترامب التنفيذي الذي أصدره لبدء إجراءات تصنيف الجماعة على قوائم الإرهاب، مشيرًا إلى أن هذا الموقف يُنظر له في سياق اضطلاع عواصم أوروبية منها فرنسا وبلجيكا وألمانيا بـ"دور مركزي" لتقويض نفوذ الإسلاموية خصوصًا التي تتخفى داخل "منظمات المجتمع المدني سواء كانت مراكز دعوية ثقافية ودينية أو جمعيات خيرية وتنموية".
ويقول إسماعيل لـ"المشهد"، إن التشدد تجاه الإسلام السياسي ليس "عفويًا أو تكتيكًا طارئًا" إنما ناشئ بالأساس من جراء تداعيات حرب غزة، والتهديدات التي شكلها نفوذ الإسلامويين في الغرب من خلال "حواضنهم الانعزالية"، واستجابتهم لخطاب العنف والكراهية في ظل تنامي حوادث "معاداة السامية" التي نفذتها الـ"ذئاب المنفردة" وشهدت هذه الجرائم ارتفاعاً غير مسبوق، مع الأخذ في الاعتبار أن ما بعد حرب غزة كشف كذلك للحكومات الأوروبية "فشل تقييمهم للإسلاموية بدعاوى الاندماج والفصل بين كياناتهم السياسية والأخرى المسلحة"، مرجحًا أن تزداد عزلة هذه القوى وتجميد "أصولهم المالية وكياناتهم المختلفة مع احتمال ارتفاع مستوى العنف الراديكالي".(المشهد)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
