ملخص يعود شق كبير من أبرز النقاشات الفكرية التي شغلت المتخصصين وغير المتخصصين خلال الربع قرن الأول من القرن العشرين إلى تطور وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى رغم أن بعض تلك النظريات والفلسفات انطلقت من جذور أكاديمية بحتة، ولكنها حلقت إلى آفاق جديدة وتطورت أطروحاتها وفقاً لمسارات التقدم التكنولوجي، ووفقاً لرؤى جديدة انبعثت من طرق التفاعل مع عالم السوشيال ميديا، وبينها أفكار مثل الصوابية السياسية والشعبوية وثقافة الإلغاء
بينما غرق مفكرو القرن العشرين في تبادل الرؤى حول نظريات علمية بحتة مثل النسبية، وكذلك فلسفات ونظريات تصب في خانة علوم الاجتماع والسياسة، مثل الحداثة وما بعدها، والفلسفة الوجودية، ثم صراع الحضارات ونهاية التاريخ، والعولمة، وكانت هناك مساهمات بارزة للمفكرين العرب مثل زكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي، ومحمد أركون، يأتي الربع الأول من القرن الواحد والعشرين أكثر زخماً وازدحاماً، فلم يكتفِ مفكروه بصك مصطلحات جديدة تتماشى مع طبيعة العصر سريع التقلب، إنما أعادوا إحياء نظريات مهمة سبق وأن نشأت في حقب سابقة. حيث وجدت صدى أكبر لها وتفسيرات أكثر اتساعاً في السنوات الأخيرة الماضية، وعلى رغم التموجات السياسية والعسكرية والاجتماعية التي شهدها القرن الماضي الذي انشغلت فيه الدول بالترميم والإصلاح بعد الحربين العالميتين، وبتفكيك الاستعمار، مما انعكس بطبيعة الحال على النشاط الفكري ومحاولات البناء النظري والتحليلي.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more لكن بالنظر إلى الـ25 سنة الماضية، فإن القرن الـ21 يبدو حافلاً ومتقلباً في ما يتعلق بالأفكار والكتب التي شغلت الساحة، مع ملاحظة تراجع الفلسفات السياسية العربية في ما يتعلق بالإسهامات الفاعلة في هذا الصدد، ومع ملاحظة أيضاً أن كثيراً من تلك الظواهر الاجتماعية والفكرية لم تكن لتخرج بهذا الشكل لولا التوحش الرقمي، كذلك هناك فئات كثيرة أصبحت أكثر انخراطاً في مناقشة تلك الرؤى، ولم يعد يقتصر الأمر على الأكاديميين والمتخصصين فقط، بل انتقلت إلى الفضاء الافتراضي، وهذا بطبيعته يعود أولاً إلى الانفتاح التكنولوجي الكبير الذي صنع ثورة في التواصل لم تشهدها أية عصور سابقة.
رأس المال واللامساواة كل شيء يبدأ وينتهي عند المال، ولهذا فالبحوث والكتب والنظريات الاقتصادية تبدو دوماً محوراً مهماً للنقاش، وقد بدا كتاب الفرنسي توماس بيكتي "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" 2013، وكأنه تنبؤ للفجوة الكبيرة بين الطبقات في ما يتعلق بالأملاك والثروة.
انتقد بيكتي بشدة النظام الرأسمالي السائد في العالم، لأن من شأنه تقليل فرص العدالة الاجتماعية، مشيراً إلى أن السياسة المالية المتبعة في هذا القرن نتيجتها تراكم ثروات هائلة في أيدي مجموعة صغيرة، وحرمان الغالبية، موضحاً أن الثروة تنمو أسرع من الدخل، مما يؤدي إلى تراكمها في أيدي القلة وازدياد الفوارق الاجتماعية، فيزداد الفقراء فقراً، وتصبح الفوارق الاجتماعية مروعة.
وقد حلل الباحث الاقتصادي الذي طرح أفكاره المحفزة على البحث عن سياسة تنتصر للمساواة والعدالة، بناء على البيانات المالية لـ26 دولة، معتبراً أن الرأسمالية المطلقة ليست حلاً اجتماعياً، وداعياً إلى مزيد من الإصلاحات الاقتصادية وفرض الضرائب التصاعدية على الأكثر ثراءً، للوقوف أمام تفاقم الوضع، وقد نال الكتاب إشادات واسعة واعتُبر دعوة للتأمل والتفكير في قضية اقتصادية بمنظور مغاير ووصل إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً كذلك تُرجم إلى لغات عدة.
الاقتصاد السلوكي... رؤية جديدة على رغم أن جذور الاقتصاد السلوكي، وارتباط القرارات الاقتصادية بالعاطفة مفاهيم عُرفت منذ القرن الثامن عشر على يد المفكر آدم سميث، فإن عالم الاقتصاد الأميركي ريتشارد ثالر، الحائز جائزة نوبل عام 2017، يوصف بأنه مؤسس علم الاقتصاد السلوكي الجديد، إذ أسهمت أطروحاته، وبينها نظرية الحسابات الذهنية، وأفكاره التي صاغها في كتابه "التنبيه"، في الدفع بهذا المجال قدماً، وبصورة سريعة غير مسبوقة، لا سيما أن تأثيرات أفكار ثالر امتدت لمجالات السياسة ودفعت بالحكومات إلى تأسيس وحدات تعتمد على أبحاثه وبينها حكومة المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، فقد اعتمدت دراسات العالم البارز على تحليل القرارات الاقتصادية بناءً على الدوافع النفسية، وقد وُصف ما فعله بمثابة بناء جسر متين بين التحليلات الاقتصادية البحتة والعوامل النفسية، مما يسهم في إنارة الطريق لصانع القرار.
إسهامات ثالر على مستويات عدة كانت مفيدة، بدءاً من سلوك الشراء في السوبرماركت وصولاً إلى طريقة الحكومات في إدارة مواردها، إذ إنه يحلل في كتاباته أيضاً كيف يقوم الأشخاص باتخاذ قرارات مالية سيئة وغير عقلانية للغاية على رغم اعتقادهم بأنهم يدرسون الوضع جيداً، وشكلت تحليلاته خطوة مهمة في عالم التسويق بمفهومه الجديد المعتمد على الترويج للسلع بطرق لم تكن معهودة من قبل، لا سيما في عصر السوشيال ميديا، حيث كل شيء بات خاضعاً للمفهوم الدعاية.
اللامساواة في المعرفة أيضاً مثلما شغل فرنسيس فوكوياما مفكري عصره في تسعينيات القرن الماضي بأفكار مثل نهاية التاريخ ونهاية الإنسان، فإن المؤرخ الإسرائيلي يوفال نوح هاراري يبدو وكأنه يستكمل هذه النظريات، ويدلل على صحتها، محذراً من أن النخبة التي تتحكم بالمعلومات والبيانات من شأنها توليد فجوة معرفية، ولا مساواة معلوماتية.
يتدرج هاراري في شروحاته ليصل إلى أن الإنسان كما نعرفه سوف يتلاشى. فمنذ عشر سنوات بدأ هاراري في تفكيك منظومة المعرفة السائدة في المجتمعات في ظل الرقمنة، وذلك بشكل استباقي أي قبل أن تسيطر على نسيج الحياة المعاصرة كما هو حاصل الآن، متبنياً ببساطة انتهاء عصر المعرفة الفردية، ومستدعياً نقاشاً أخلاقياً وفكرياً حول دور الإنسان في اتخاذ القرارات، بل وفي كونه مصدراً للمعلومات من الأساس في ظل تحكم الخوارزميات في حياته بشكل مفصلي وجوهري.
كذلك فإن كتاب هاراري الصادر العام الماضي "تاريخ مختصر لشبكات المعلومات من العصر الحجري حتى الذكاء الاصطناعي"، يبحث تطور فكرة تدفق المعلومات عبر التاريخ الغارق في القدم، وكيف أسهمت هذه الميزة في صنع الحضارة والتنوع، طارحاً أسئلة حول مدى ما يمكن أن تصل إليه القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي اليوم في هذا الصدد، وأن المعلومات غير المحدودة قد تتعارض مع رفاهية البشر لا العكس، بل قد تسهم الخوارزميات في تدمير البشر أنفسهم، حيث تكتسب قوة تفوق قوة مبرمجيها.
لدى هاراري كتابات متعددة في السياق نفسه، كذلك أن الذكاء الاصطناعي بتأثيراته على المجتمع والسياسة والاقتصاد والعواطف يحظى باهتمام كبير بين المفكرين، لكن تظل رؤى هاراري السوداء محل جدل ومن أكثر النقاشات اشتعالاً، لا سيما بعد أن أطلق نظريته التي تتنبأ بعد بضعة عقود باختفاء مفهوم "الإنسان العاقل" الذي نشأ بعد ثورة إدراكية قبل الآلاف من السنين، حيث تعتبر كتابات هاراري، والباحث الأميركي نيل فيرغسون التي تربط بين التراكم البشري على مدار آلاف السنين وبين ما ينتظره في المستقبل جراء ثورة التكنولوجيا، من أبرز الإنتاجات التي بُنيت عليها أبحاث ونقاشات بين الأكاديميين والمتخصصين في العقدين الثاني والثالث من القرن الـ21.
فيما يمثل كتاب نيك بوستروم "الذكاء الفائق: المسارات، الأخطار، الاستراتيجيات" الصادر عام 2014 واحداً من أهم المؤلفات حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، حيث يحذر من أن يصل الكائن البشري إلى مصير التهلكة بفعل أنظمة الذكاء الفائق، مطالباً بضرورة التحكم في تلك التقنيات وربطها بالقيم الأخلاقية، حيث قد يجد البعض أن أقصى طموحه هو أن يوازي الآلة في قدراتها ولكن مفرغاً من أي أخلاقيات فيسقط في الهاوية.
عصر التجهيل... ما بعد الحقيقة مصطلح "يتعلق أو يشير إلى الظروف التي تكون فيها الحقائق الموضوعية أقل تأثيراً في تشكيل الرأي العام من نداء العاطفة والمعتقدات الشخصية"، هكذا يعرف قاموس أكسفورد معنى "ما بعد الحقيقة"، حيث اختيرت كلمة العام في 2016، على رغم أن المفهوم نفسه قد يكون مطبقاً منذ زمن طويل، كذلك فإن إرهاصاته الأكاديمية كانت سابقة كما ظهر في كتابات المتخصصين في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك أُعيد إحياؤه على استحياء مع الأزمة المالية العالمية 2008.
حينما استخدمته بعض المؤسسات في إلهاء الرأي العام عن إخفاقاتها عن طريق إلقاء اللوم على أطراف أخرى في الأزمة، لكنه بات مفهوماً "شعبياً"، متداولاً على ألسنة المسؤولين وقادة الرأي، حيث أدى تدفق المعلومات سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الميديا الجديدة المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تراجع الحقائق المجردة أمام التصورات العاطفية، وأصبح الإدراك مرهوناً بالتحيزات والأهواء، وبدلاً من أن تساعد فكرة سرعة وسهولة الحصول على المعلومة في فضيلة التدقيق والبحث، ما حدث هو العكس، وهو المساهمة في انتشار الإشاعات بل واعتناقها، بعد أن تراجعت المعايير الصارمة في عملية النشر الإعلامية لتصبح القضية برمتها رهناً للأهواء والدعاية المغلوطة.
وهي القضية التي تشغل باحثي الإعلام وعلم الاجتماع والسياسة بصورة متزايدة، في محاولات لتحليل سلوك تبني المعلومة المزيفة ومعاداة العلم، ومن أبرز من كتبوا في هذا الشأن، حتى قبل اعتماد أكسفورد للمصطلح بسنوات، رالف كيز، في كتابه "عصر ما بعد الحقيقة: التضليل والخداع في الحياة المعاصرة" 2004، محذراً من انتشار صناعة السراب المعلوماتي وتراجع مفهوم الوعي المبني على أسس.
وقد برزت أهمية دراسة المصطلح قبل نحو عشر سنوات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية
