استثمارات مشتركة وفرص واعدة.. كيف تعيد تونس والجزائر صياغة الشراكة؟

وسط تحولات اقتصادية إقليمية ودولية متسارعة، تبرز الشراكة بين تونس والجزائر بوصفها رهاناً إستراتيجياً يتجاوز منطق التعاون التقليدي إلى بناء تحالف اقتصادي، وبدا ذلك جلياً في المنتدى الاقتصادي الذي عقد، مؤخراً، في العاصمة التونسية ليشكل محطة مفصلية لإعادة صياغة العلاقات الثنائية، وفتح آفاق جديدة للتكامل والاستثمار.

وشهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تحولات كبيرة، فبعد فترة من التعاون التقليدي المحدود الذي ركز على التبادل التجاري والطاقة، دخل البلدان مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية خاصة بعد التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية منذ 2022 التي سرّعت من وتيرة التعاون.

رفع الأجور ومنحة البطالة.. تفاصيل خطة الجزائر لتحسين معيشة المواطنين

تحالف إستراتيجي

ويرى الخبير الاقتصادي التونسي وليد الكسراوي في حديث مع «إرم بزنس» أن البلدين يعيدان رسم خريطة التعاون الاقتصادي، من شراكة تجارية إلى تحالف إستراتيجي شمولي، وذلك بعدما ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما بنسبة 42% إلى 7.2 مليار دينار تونسي (نحو 2.4 مليار دولار) في 2024.

ومن المتوقع أن يؤدي تعزيز التكامل الاقتصادي بين البلدين إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2030، فضلاً عن جذب استثمارات مشتركة بقيمة ملياري دولار، وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل للشباب.

وأوضح الكسراوي أن تونس تمتلك اقتصاد أكثر تنوعاً يعتمد على قطاعات مختلفة، مثل: الصناعة، والزراعة، والسياحة، والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، ولديها الكثير من الكفاءات البشرية، بينما تمتلك الجزائر إمكانيات هائلة في مجال الطاقة، خاصة البترول، والغاز، وحجم كبير من السوق يصل إلى 45 مليون نسمة، وهذا ما يزيد فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وفي إطار العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتوسيع آفاق التعاون استضافت تونس في 11 ديسمبر الجاري، المنتدى الاقتصادي «التونسي-الجزائري» لتعميق التعاون بين البلدين واستكشاف الفرص الواعدة في مختلف المجالات ومواجهة التحديات المشتركة، ورسم أفق لشراكة اقتصادية راسخة.

وشهد المنتدى توقيع 25 اتفاقية مهمة تجسد الإرادة المشتركة للانتقال من مرحلة الخطاب إلى مرحلة التنفيذ، ومن بينها 7 اتفاقيات شراكة اقتصادية بين شركات ومؤسسات اقتصادية تونسية، وشركات جزائرية في مجالات إستراتيجية، تشمل: صناعة السيارات، والنسيج، والصناعات الغذائية، والسياحة، وتكنولوجيا المعلومات، والاتصال.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، أن المنتدى الذي استضافته تونس كان بمثابة فرصة لكشف مجالات التكامل بين البلدين، حيث تختلف الخصائص الاقتصادية لدى كل منهما، ويمكن تعزيز الشراكة الاقتصادية بينهما على أساس المنفعة المتبادلة والربح المشترك.

وفي القطاع الزراعي، يكمن التكامل في الجمع بين المزايا النسبية لكل بلد، حيث تتميز تونس بإنتاج زيت الزيتون والتمور والفواكه، بينما تنتج الجزائر الحبوب والبطاطس واللحوم، ويُعد تحقيق الأمن الغذائي المشترك إحدى الأولويات الكبرى في ظل التقلبات الحادة في أسواق الغذاء العالمية.

إنجازات ملموسة

وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة في قائمة الشركاء التجاريين لتونس، بينما جاءت تونس في المرتبة الخامسة بالنسبة للجزائر، وتشكل المحروقات نحو 65% من الصادرات الجزائرية إلى تونس، تليها المنتجات الفلاحية بنسبة 15%.

أما الصادرات التونسية إلى الجزائر فتشمل: المنتجات الكيميائية، والمعدات الكهربائية، والمنسوجات، والملابس الجاهزة. ورغم هذا النمو الإيجابي، لا يزال التبادل التجاري بين البلدين يمثل نسبة متواضعة من إجمالي تجارتهما الخارجية، مما يشير إلى وجود إمكانات كبيرة للنمو والتنويع، بحسب الكسراوي.

وفي مجال الاستثمارات المتبادلة، تشير بيانات البنك المركزي التونسي إلى وجود 48 مشروعاً استثمارياً جزائرياً قائماً في تونس حتى نهاية الربع الثالث من 2025، برأسمال إجمالي يتجاوز 320 مليون دولار، موزعة على قطاعات الصناعات الغذائية، والبناء، والخدمات. في المقابل، تستضيف الجزائر 135 مشروعاً استثمارياً تونسياً، يركز معظمها في قطاعات الخدمات، والصناعات الخفيفة، والتجارة.

تونس الرابعة إفريقياً في مؤشر ريادة الأعمال الرقمية 2025

التعاون الإستراتيجي

ويشكل التعاون في مجال الطاقة إحدى الركائز الأساسية للعلاقات الاقتصادية بين تونس والجزائر. فمن خلال خط أنابيب الغاز العابر للبحر الأبيض المتوسط «ترانسميد»، تمر سنوياً عبر الأراضي التونسية كميات كبيرة من الغاز الطبيعي الجزائري المتجه إلى إيطاليا وأوروبا.

وبلغت إيرادات تونس من الرسوم العابرة للغاز حوالي 130 مليون دولار في العام 2024، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 140 مليون دولار في 2025.

ويرى الخبير الاقتصادي وليد الكسراوي، أن التعاون الطاقي يتوسع، اليوم، ليشمل مجالات جديدة وواعدة. فقد اتفق البلدان خلال المنتدى الاقتصادي الأخير على إطلاق مشروع مشترك لبناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاوات في منطقة الحدود بينهما، بالإضافة إلى تعزيز الربط الكهربائي لتبادل الفائض من الطاقة.

كما تعمل الجزائر على إطلاق مشروع «ميدلينك» وهو مشروع للطاقة المتجددة يمتد عبر تونس وصولًا إلى إيطاليا، ويُقدَّر حجم الاستثمارات المخصصة له 7 مليارات يورو، وهو ما يعكس مرحلة جديد من التعاون الطاقي العابر للحدود.

ويستهدف المشروع تطوير منظومة للطاقة النظيفة عبر تركيب نحو 10 غيغاواط من الطاقة الشمسية والرياح في تونس والجزائر، لتأمين الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض إلى أوروبا، مع إنشاء سعات نقل كهربائي جديدة تبلغ 4 غيغاواط وإنتاج سنوي يقارب 30 تيراواط ساعة.

ورغم الفرص الواعدة بين البلدين، مازالت عملية التكامل الاقتصادي تواجه تحديات حسبما يرى الكسرواي، ويأتي في مقدمتها الاختلافات في الأنظمة القانونية والجبائية والبنكية بين البلدين، مما يعقد حركة الاستثمارات والتجارة، كما أن البنية التحتية الحدودية لا تزال غير كافية لاستيعاب الحجم المتزايد من التبادل التجاري.


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

منذ 53 دقيقة
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ 6 دقائق
منذ ساعتين
منذ ساعة
قناة CNBC عربية منذ ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 15 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعتين
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 16 ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 19 ساعة