قبل أيام قليلة من نهاية العام الجاري 2025، بات المعدن الأصفر على أعتاب أكبر مكاسب سنوية في تاريخه منذ اشتعال أزمة النفط في عام 1979، أي في نحو 46 عاماً، بعد ارتفاعات بلغت قيمتها نحو 1900 دولار.
وحتى الآن، أغلق الذهب عند مستوى قياسي خمسين مرة، في حين سجل 70 رقماً قياسياً خلال العام الجاري 2025، ونجح في تجاوز مستويات 3000 و4000 دولار في أقل من سبعة أشهر.
أما حالياً، يعكس الصعود التاريخي للذهب تحوّله من أداة تحوّط إلى أصل استراتيجي في المحافظ العالمية، مدفوعاً بطلب رسمي واستثماري غير مسبوق، غير أن الأسعار الحالية تضع السوق أمام اختبار حاسم: إمّا تثبيت قمم جديدة بدعم الطلب، أو تصحيح صحي يعيد تسعير الزخم دون كسر الاتجاه.
استقواء الين ينعش شبهة التدخل.. هل تتحرك طوكيو بعطلة السيولة الضعيفة؟
كم بلغ سعر أونصة الذهب حتى الآن؟
قفزت أسعار الذهب في المعاملات الفورية هذا الأسبوع وصولاً إلى ذروة جديدة عند 4525.96 دولاراً للأونصة، إلا أنها تخلّت عن بعض مكاسبها وتحوم حالياً قرب 4479 دولاراً.
ازدادت العقود الأميركية الآجلة للذهب، تسليم فبراير، إلى مستويات قرب 4555.1 دولار للأونصة، وهو أعلى مستوى تاريخي على الإطلاق، إلا أنها تراجعت الآن إلى قرب 4505 دولارات.
ارتفعت أسعار الذهب خلال خمسة أيام بنحو 3%، كما ازدادت بنسبة 7.4% خلال ثلاثين يوماً، وبنسبة 20% خلال ثلاثة أشهر، في حين صعدت بنحو 71% منذ بداية العام الجاري، من مستويات 2641 دولاراً للأونصة، بمكاسب بلغت 1914 دولاراً مقارنة بمستويات الذروة التاريخية.
تاجر يزن قرطين داخل أحد متاجر الذهب في العاصمة السورية دمشق يوم 2 يوليو 2024.
كيف ارتفع الذهب؟
قال الخبير في «بنك أوف أميركا» مايكل ويدمر في مذكرة للعملاء: «التوقعات بزيادة المكاسب أو تنويع المحافظ الاستثمارية هي التي تقود عمليات الشراء، مع الدعم الناجم عن العجز المالي في الولايات المتحدة، والجهود المبذولة لتقليص عجز الحساب الجاري الأميركي، وسياسة تخفيض قيمة الدولار».
أضاف ويدمر: «عزّز من صعود الذهب طلب متزايد من البنوك المركزية والمستثمرين، ودخول مشاركين جدد، بدءاً من شركة (تيثر)، التي تُصدر العملة المستقرة، إلى إدارات الخزانة في الشركات، وحتى الأفراد الذين لجؤوا في أوقات كثيرة إلى الذهب للتحوط من حالة عدم اليقين التي أحاطت بمستقبل الاقتصاد العالمي».
في حين كتب العضو المنتدب في شركة «ميتالز فوكاس»، فيليب نيومان، في مذكرة: «المعدن الأصفر تلقّى مزيداً من الدعم من المخاوف بشأن استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، وضعف الدولار، والخلافات حول الرسوم الجمركية، والأوضاع الجيوسياسية، ومن بينها الحرب في أوكرانيا وتحركات روسيا في أوروبا».
حرب العملات بين الين والدولار.. هل ولت أيام السعادة للعملة الخضراء؟
هل يستمر الصعود؟
يرى اقتصاديون في بنك «جيه بي مورغان» أن قيام البنوك المركزية بتنويع احتياطاتها من الأصول المقومة بالدولار للعام الخامس على التوالي من شأنه أن يوفر أساساً داعماً للذهب في عام 2026، مع الشراء عند تضخم مراكز المستثمرين ودوران رؤوس الأموال وانخفاض الأسعار.
وقال رئيس فرع استراتيجية المعادن الأساسية والثمينة في «جيه بي مورغان» غريغوري شيرر في مذكرة للعملاء: «مستوى السعر الحالي للذهب مدعوم بشكل أكبر بكثير من المنطقة التي بدأت منها الأسعار في التحرك، لأننا على يقين من وجود طلب قوي من البنوك المركزية».
وأضاف: «رأينا الذهب في الفترة من مارس وحتى أكتوبر من العام الجاري يخترق مستويات نفسية مهمة، متجاوزاً عتبة 3000 دولار، ثم 4000 دولار بسهولة، وحالياً بات على وشك اختراق مستوى 5000 دولار للأونصة».
صورة مقربة لسبائك ذهب مرتبة بشكل أنيق في كليرمون فيران - فرنسا يوم 25 مارس 2025
ماذا عن الطلب على المعدن النفيس؟
يقدّر محللو «جيه بي مورغان» أن هناك حاجة إلى طلب ربع سنوي من البنوك المركزية والمستثمرين بنحو 350 طناً لكي تبقى الأسعار مستقرة، ويتوقعون أن يصل الشراء إلى 585 طناً في المتوسط كل ربع سنة في عام 2026.
وقال شيرر من «جيه.بي مورغان»: «حصة حيازات المستثمرين من الذهب من إجمالي الأصول المُدارة ارتفعت إلى 2.8% من مستوى 1.5% قبل عام 2022»، موضحاً أن هذا المستوى، رغم ارتفاعه، «لن يكون السقف بالضرورة».
قالت مجموعة «ماكواري» في تقرير: «إجمالي الطلب على الذهب يتجه للارتفاع بنسبة 11% العام الجاري إلى 5150 طناً، قبل أن ينخفض إلى 4815 طناً في عام 2026».
في حين ترى خبيرة السلع في «مورغان ستانلي» إيمي جاور أن «طوابير الأفراد التي شوهدت خلال أكتوبر في أستراليا وأوروبا ربما تمثل تحوّلاً من المجوهرات إلى الاستثمار، وهو ما قد يستمر العام المقبل».
أميركا القوية لم تنقذه.. الدولار صوب أكبر خسارة في عقدين
أين تتجه الأسعار؟
قال رئيس شؤون تخصيص الأصول الاقتصادية والديناميكية في أوروبا لدى «ميرسر»، غوليوس بنديكاس: «أسعار الذهب قد تشهد ارتفاعاً كبيراً خلال الفترة المقبلة»، مرجّحاً أن يكون مستوى 5000 دولار للأونصة أكثر احتمالاً من العودة إلى 3000 دولار، في ظل استمرار الطلب القوي من البنوك المركزية.
ويتوقع «مورغان ستانلي» أن يصل سعر الذهب إلى 4500 دولار للأونصة بحلول منتصف عام 2026، بينما يتوقع «جيه بي مورغان» أن يتجاوز متوسط الأسعار 4600 دولار للأونصة في الربع الثاني و5000 دولار في الربع الأخير، وتتوقع (ميتالز فوكاس) أن يصل الذهب إلى 5000 دولار بحلول نهاية عام 2026.
مع ازدياد عدد المستثمرين وتعدد العوامل، بين السياسة الأميركية والحرب في أوكرانيا، يتوقع محللو «جيه بي مورغان»، «بنك أوف أميركا»، و«ميتالز فوكاس» أن يصل سعر الذهب إلى 5000 دولار للأونصة في 2026.
في المقابل، يتوقع «مورغان ستانلي» أن يحوم سعر الذهب قرب 4500 دولار للأونصة حتى منتصف 2026، بينما يرى «جيه بي مورغان» تجاوز متوسط الأسعار 4600 دولار في الربع الثاني و5000 دولار في الربع الرابع.
كما يتوقع المسؤول عن استراتيجية المعادن في «إم كيه إس بامب» نيكي شيلز أن يبلغ متوسط الأسعار 4500 دولار في عام 2026، وأن يصبح الذهب أصلاً مهماً في المحافظ الاستثمارية لسنوات عدة، وليس مجرد أداة تحوط دورية.
يعرض سبيكة ذهبية تزن كيلوغراماً بمصفاة «إي بي سي» في مدينة سيدني الأسترالية يوم 5 أغسطس 2020.
تباطؤ محتمل وأزمة تختمر
أدى قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة إلى دخول مستثمر مؤسسي جديد بشكل واضح إلى سوق الذهب، هو شركة «تيثر»، التي اشترت نحو 26 طناً من الذهب في الربع الثالث، أي ما يفوق مشتريات البنك المركزي الصيني المعلنة بنحو خمسة أمثال.
وكتبت جاور من «مورغان ستانلي» في مذكرة: «لا يجب تجاهل مشتريات (تيثر)، إذ لم يتضح بعد ما إذا كانت شركات أخرى ستتبع استراتيجية مماثلة، لأن قانون جينيس الأميركي لا يعتبر الذهب أصلاً احتياطياً للعملات المستقرة، ما قد يقود إلى مبيعات مفاجئة».
في الوقت ذاته، تتوقع مجموعة «ماكواري» أن تتباطأ مشتريات البنوك المركزية والتدفقات إلى صناديق الاستثمار في الذهب العام المقبل، مع تعرض الطلب على المجوهرات، الذي انخفض 23% في الربع الثالث، لضغوط لم يُعوضها جزئياً سوى طلب الأفراد على السبائك والعملات الذهبية.
كما لفت خبراء «مجموعة ماكواري» إلى أن الطلب على السبائك لم يشهد عمليات جني أرباح تُذكر بعد شهر أكتوبر، مع عدم قيام البنوك المركزية بعمليات بيع كبيرة أو تخلي الصناديق الكبرى عن بعض حيازاتها، ما يفتح احتمالات حدوث تصحيح تتراوح نسبته بين 10% و15% في الأسعار.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس



