مع اقتراب نهاية عام 2025، يطوي العالم صفحة واحد من أكثر الأعوام توترًا واضطرابًا في تاريخه الحديث، عامٌ طغت عليه الحروب والصراعات، وتعددت فيه الخلافات والأزمات وبات العنف لغة حاضرة في أكثر من بقعة. يُجمع الخبراء على أنّ عام 2025 لم يكن مجرد سلسلة أحداث عابرة، بقدر ما كان مرحلةً كشفت حجم الانقسام العالمي، وعودة النزاعات المسلحة لتفرض نفسها مجددًا لغة بدل الحوار والدبلوماسية في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء ما بعد الحرب الباردة، ولكن بملامح أكثر قسوة وعنفًا وتعقيدًا.
مئات النزاعات والحروب
وجاء في تقريرٍ صادر عن شركة "ميشائيل باور إنترناشيونال" المتخصصة في البيانات الجغرافية، بعنوان "حصيلة الأمن 2025"، أنه تمّ رصد 1450 نزاعًا سياسيًا مستمرًا بمستويات مختلفة، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى سبتمبر الماضيين، فيما أُضيف 70 نزاعًا جديدًا خلال العام، وانتهى 18 نزاعًا فقط.
وشملت النزاعات التي رصدتها الدراسة، إلى جانب الحروب العسكرية، نزاعاتٍ سياسية وحتى اقتصادية، خصوصًا بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدّة الحكم في البيت الأبيض، وإعلانه، بعد ساعات قليلة من بداية ولايته الثانية، "حرب الجمارك" على مختلف الشركاء التجاريين، وهو ما كانت له تداعيات واسعة على معظم دول العالم.وبحسب الدراسة، بلغ عدد الحروب حتى نهاية سبتمبر الماضي 89 حربًا، بزيادة 11 حربًا مقارنة بالعام السابق. ووقعت هذه المواجهات عالية الحدة في 31 دولة، من بينها الحرب الروسية–الأوكرانية، والنزاعات الداخلية في شمال مالي. ولا تزال مناطق إفريقيا جنوب الصحراء، والشرق الأوسط، وأجزاء من آسيا، الأكثر تضررًا.
الشرق الأوسط: من غزة إلى إيران
في الشرق الأوسط، الذي كان إحدى أكثر الساحات سخونةً خلال عام 2025، لم يكن الوضع مختلفًا في قطاع غزة. فقد استمرت الحرب الإسرائيلية، التي اندلعت أواخر عام 2023، بوتيرة أكثر وحشية، لتصبح غزة واحدة من أكثر بؤر العنف حدّة، وفق تقديرات غالبية المحللين.
وتواصلت العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حركة "حماس"، مخلفة خسائر بشرية جسيمة، وتشريد ملايين المدنيين في القطاع والضفة الغربية. ورغم أنّ التحول الأبرز في مسار الحرب جاء في أكتوبر الماضي، مع طرح الرئيس ترامب خطة لوقف إطلاق النار جرى التوقيع عليها في شرم الشيخ بحضور عشرات القادة والمسؤولين الدوليين، فإنّ الحرب لم تتوقف فعليًا، وسط تعثّر تنفيذ الاتفاق واستمرار الخروقات الإسرائيلية، وإعلان تل أبيب نيتها البقاء في القطاع.
شعبيًا، مثّل عام 2025 لحظة زخم جديدة للقضية الفلسطينية، مع اتساع رقعة التظاهرات في معظم العواصم الأوروبية، وتنظيم أسطول لكسر الحصار عن غزة شارك فيه عشرات النشطاء من مختلف دول العالم. وترافق هذا التعاطف العالمي، بعد إعلان غزة رسميًا منطقة مجاعة، مع تقدم ملحوظ في مسار الاعتراف بدولة فلسطين، عقب إعلان عدد من الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا، الاعتراف بها على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم المعارضة الأميركية الشديدة.
غير أنّ الحدث الأبرز في المنطقة، كان اندلاع الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، المعروفة إعلاميًا بـ"حرب الـ12 يومًا"، التي بدأت في منتصف يونيو الماضي، عندما شنّت تل أبيب ضربات واسعة استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، لتردّ طهران بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
تطور لافتوشكّل دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة تطورًا لافتًا، عبر توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية بهدف القضاء على مخزونها من اليورانيوم، ما دفع طهران إلى الردّ باستهداف قاعدة عسكرية أميركية في قطر، في سابقة هي الأولى من نوعها.
وقصفت إيران قاعدة العديد في قطر في عملية أسمتها "بشائر الفتح"، ردًا على الهجوم الأميركي الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية.
كما كانت الدوحة هدفًا لعملية إسرائيلية استهدفت مبنًى يضم قيادات من وفد "حماس" التفاوضي، وأسفر الهجوم عن سقوط عدد من القتلى، من بينهم شرطي قطري. وقد قوبلت العملية بإدانات عربية ودولية واسعة، فيما تعهّدت الولايات المتحدة بعدم السماح مستقبلًا بالمساس بأمن قطر، بوصفها شريكًا استراتيجيًا لها في المنطقة.
أما في اليمن، فكان التوصل إلى اتفاق بين إدارة ترامب وجماعة "الحوثي"، يقضي بعدم استهداف المصالح الأميركية في المنطقة، الحدث الأبرز، في حين تواصل تبادل الضربات بين "الحوثيين" الموالين لإيران وإسرائيل في أكثر من مناسبة.
وأما سوريا التي استقبلت العام 2025 مع الاحتفالات بإسقاط نظام بشار الأسد، فلم تكن الأشهر الماضية خالية من الاشتباكات والنزاعات التي نشبت في مناطق مختلفة وأدت لسقوط المئات من القتلى، آخرها ما حدث قبل ساعات في مدينة حلب. وتسعى السلطات الجديدة التي نجحت في حد ما في كسر العزلة الدولية على سوريا، إلى ضبط النظام تجنبًا للانزلاق في الفوضى التي تهددها بالتقسيم خصوصًا في ظل وجود مطامع إسرائيلية لا تخفيها تل ابيب، التي نفذت العديد من الضربات ضد أهداف سورية هذا العام.الحرب الروسية–الأوكرانية تدخل مسارا جديدافي أوروبا، القارة التي يُجمع الكل على أنها تمر بواحدة من أصعب الاختبارات في تاريخها الحديث مع تراجع نفوذها وضعف تأثيرها دوليًا مقابل ظهور بوادر بتخلي حليفها التقليدي أميركا عن الالتزام بالدفاع عن أمنها، ظلّت الحرب الروسية–الأوكرانية العنوان الأبرز للتوتر.
ورغم مرور أكثر من 3 سنوات على اندلاع الحرب، وهدنة قصيرة سُجّلت في 2025، عاد القتال بوتيرة أعنف، مع هجمات صاروخية ومسيّرة روسية استهدفت بنًى تحتية حيوية في أوكرانيا، فيما ظهرت "حرب المسيّرات" كشكل جديد لهذه الحرب تجاوز الحدود الأوكرانية، ليمسّ مجالات جوية لدول أوروبية أخرى.
وفيما يكافح القادة الأوروبيون، إلى جانب الولايات المتحدة، للتوصل إلى تسوية مع موسكو، تواصل روسيا تقدمها الميداني، وقضم المزيد من الأراضي الأوكرانية، التي ترفض كييف التنازل عنها، معتبرة ذلك شرطًا غير قابل للنقاش في أيّ تسوية مستقبلية لهذا الصراع.
في المقابل، يواجه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في ظل فتور أميركي واضح منذ عودة ترامب، واحدة من أكبر أزماته منذ تأسيسه ما يضع مستقبله على المحك.
توترات من جنوب القارة إلى شرقها
في جنوب آسيا، بقيت التوترات بين الهند وباكستان مشتعلة، مع تسجيل حوادث حدودية متكررة وسقوط عدد من القتلى من الجانبين، وتبادل الاتهامات بين البلدين، ما أبقى المنطقة على حافة انفجار واسع في أيّ لحظة.
كما تصاعد النزاع بين تايلاند وكمبوديا إلى مواجهات حدودية مسلحة، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى وتشريد آلاف المدنيين. ويرى محللون أنّ هذا النزاع يتجاوز طابعه المحلي، ويرتبط بصراعات تاريخية وأطر إقليمية أوسع، مع تقاطع مصالح الدول المجاورة وتدخل قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، في جهود الوساطة.
إفريقيا: ويظل السودان في صدارة الأزمات
في القارة الإفريقية التي لا يكاد يمر عام من دون أن ينشب بها صراع ما، أو يطيح فيها انقلاب بنظام ما، برزت الحرب في السودان كإحدى أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، مع استمرار القتال بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع منذ عام 2023، وارتفاع عدد الضحايا وزيادة كبيرة في عدد المشردين وتوسع المجاعة في البلد.
ووفق العديد من التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية كانت الأزمة السودانية واحدة من أخطر الصراعات عالميًا من حيث تأثيرها على المدنيين، ما يعكس حجم الانهيار الذي طال البلد، حيث يترقب الجميع مآل الوساطة الأميركية وإعلان واشنطن أنها قد تنجح في التوصل لاتفاق هدنة قبل نهاية العام الحالي.
أميركا اللاتينية تغلي على صفيح ساخن
في أميركا اللاتينية، لم تتطوّر الأزمات إلى حروب مفتوحة بين الدول، لكنها شهدت تصعيدًا في منسوب العنف والتوتر، خصوصًا في العلاقات الأميركية–الفنزويلية، حيث لم يستبعد مسؤولون أميركيون خيار التدخل العسكري في حال استمرار رفض الرئيس نيكولاس مادورو التنحي عن السلطة.
كيف سيكون عام 2026؟
وبينما يتفق الخبراء على أنّ عام 2025 كان عام الحروب والصراعات، فإنّ التوقعات لعام 2026 لا تبدو أكثر تفاؤلًا.
ويرى أستاذ الجيوسياسة في الجامعة التونسية، رافع الطبيب، في تصريح لـ"المشهد"، أنّ الصراعات القائمة مرشحة للتفاقم إذا لم يُحرَز تقدم دبلوماسي حقيقي، متوقعًا انتقال العالم نحو تعدد ساحات الصراع، في ظل استمرار الانقسامات بين القوى الكبرى، وتراجع دور المؤسسات الدولية، ما قد يؤدي إلى "حروب أطول وأعنف" وفق تقديره.
ويذهب الطبيب إلى أنّ عام 2026 لن يكون عام سلام، بل عام "استكمال الحروب التي لم تحقق أهدافها بعد"، متوقعًا سيناريوهات تشمل تقسيم سوريا، وعودة التصعيد في غزة والضفة الغربية وعلى الحدود اللبنانية، وعدم استبعاد امتداد المواجهات إلى العراق وإيران مجددًا.
كما يرجّح أن يشهد العام المقبل إعلان انتصار روسي نهائي في أوكرانيا، محذرًا من أنّ أوروبا ستكون من أكثر المناطق التي ستدفع ثمن حساباتها الجيوسياسية الخاطئة، في حين ستسعى موسكو إلى تعزيز حضورها في شمال إفريقيا ضمن تنافسها المتزايد مع أوروبا.
من جهته، يتفق المحلل السياسي والباحث الأكاديمي الفلسطيني فادي أبو بكر مع هذا التقدير، معتبرًا أنّ عام 2026 سيكون "عام الاستبداد الصامت"، حيث ستسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط بأدوات جديدة، لفرض مسارات تطبيع متعددة، سواء اقتصادية عبر اتفاقيات الطاقة، أو سياسية، قد تكون غزة إحدى بواباتها. ويرى أبو بكر أنّ إسرائيل ستسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، رغم الخطاب الأميركي الذي يوحي بهدوء نسبي، لافتًا إلى وجود تفاهمات غير معلنة بين القوى الكبرى، تجلّت في تمرير خطة ترامب في مجلس الأمن مقابل ضمانات لروسيا في أوكرانيا، وانصراف الصين إلى أولوياتها الاقتصادية.
ويضيف، أنّ واشنطن، التي أدرجت الشرق الأوسط ضمن رؤيتها الإستراتيجية للأمن القومي المستقبلي، بوصفه فضاءً للتعاون الاقتصادي، ستمنح إسرائيل هامشًا أوسع للتحرك، مقابل تفرغها لملفات أخرى، خصوصًا في أميركا الجنوبية، وعلى رأسها تشديد الخناق على فنزويلا.
يُغلق عام 2025 أبوابه باعتباره كشاهد على تراجع الدبلوماسية أمام منطق القوة، وتآكل دور المؤسسات الدولية في احتواء النزاعات، فيما لا يوحي اقتراب عام 2026 بمؤشرات تهدئة قوية وفق عديد المحللين في ظل استمرار صراعات مرشحة للتعقيد.(المشهد)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
