ملخص حذر الدبلوماسي البريطاني السابق جون جينكنز في حديثه لـ"اندبندنت عربية" من أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل تهديداً أيديولوجيا للديمقراطية الغربية. ويتفق المراقبون أن العنف لدي الإخوان خيار تكتيكي عند الحاجة، وليس مجرد استثناء. ويعتمد نفوذ الإخوان في بريطانيا على التمويل الكبير والشبكات الخفية، ما يسمح لهم بالتغلغل في المدارس والمؤسسات والمجتمع من دون مواجهة مباشرة.
في عام 2014، أثارت رسالة مجهولة وصلت مجلس مدينة برمنغهام البريطانية صدمة واسعة في أنحاء المملكة المتحدة. الرسالة التي أطلقت عليها وسائل الإعلام آنذاك اسم "حصان طروادة"، زعمت وجود خطة منظمة لاختراق المدارس الحكومية في المدينة بهدف إدخال قيم دينية متطرفة وتغيير إدارتها لمصلحة توجهات دينية متشددة. ما بدأ كتحذير مجهول تحول سريعاً إلى أزمة وطنية؛ فأجرت وزارة التعليم وهيئة مراقبة المدارس "أوفست" تحقيقات شملت أكثر من عشرين مدرسة، ووضعت عدة مدارس تحت "إجراءات خاصة" بعد اكتشاف مخالفات إدارية وتربوية.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more الفضيحة أثارت نقاشاً واسعاً في الإعلام وأروقة السياسة البريطانية آنذاك، حول تأثير التيارات الإسلامية في المجتمع البريطاني، بخاصة ما يتعلق بالتيارات المتأثرة بفكر جماعة الإخوان المسلمين. وفي حين أشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الرسالة ربما تكون مزيفة، لكنها أكدت أن التحقيقات أظهرت وجود مشكلات تنظيمية وأيديولوجية حقيقية في بعض المدارس في المدينة، ما أثار جدلاً حول نفوذ تلك التيارات المتطرفة، وحاجة السلطات البريطانية لمراقبة أي محاولات للتأثير في مناهج التعليم.
القضية لم تكن مجرد فضيحة تعليمية، بل إنذار قوى لإعادة النظر في نفوذ الجماعات الإسلاموية في بريطانيا ومدى ارتباط بعض المدارس والمنظمات التي تتظاهر بالطابع الخيري والمراكز الثقافية بجماعات مثل الإخوان المسلمين. وبالنسبة لكثيرين، أصبحت القصة رمزاً لفشل التعددية الثقافية والتهديد الذي تشكله الأيديولوجية الإسلاموية المتشددة على مستقبل البلاد.
في العام نفسه، كان الدبلوماسي البريطاني الرفيع جون جنكينز، يقود مراجعة كبرى حول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة، بتوجيه من رئاسة الوزراء البريطانية. والذي خلص إلى أن أفكار التنظيم تتعارض مع القيم البريطانية مثل التعددية والمساواة، وأن بعض فروع الإخوان المسلمين لم تتخل مؤسسياً عن مبررات استخدام العنف. ووجد التقرير أن الجماعة قد تستخدم المؤسسات المدنية والتعليمية لبناء نفوذ سياسي واجتماعي غير معلن، ما قد يخلق بيئة تسهل التطرف غير العنيف. وفي حين أشار إلى أنه لا يوجد دليل على ضلوع الإخوان في أعمال إرهابية داخل المملكة المتحدة، لكنه أوصى بضرورة استمرار الرقابة الرسمية على أنشطتها واعتبار الانتماء لها عاملاً ذا صلة عند تقييم أخطار التطرف.
لم تقدم بريطانيا على حظر الجماعة بسبب ما وصفه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، آنذاك، بأنها مسألة "معقدة". وإن كان مراقبون يشيرون إلى أن التعقيدات السياسية آنذاك أضاعت الفرصة، حيث يلقي البعض باللوم على انشغال الحكومة البريطانية بالاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" ثم بمرحلة ما بعده، فتلاشت الأولوية. فيقول مراقبون إنه لتدفع الوزراء نحو ملف ما، يجب أن يكون عاجلاً جداً، وبينما هذا الملف مهم لكنه ليس ضاغطاً آنياً. و"هكذا ضاعت الفرصة، كنا متقدمين على دول مثل فرنسا والنمسا والدنمارك والسويد في 2014 2015، واليوم سبقونا هم". وفق قول أحدهم.
خطوة أميركية متقدمة وفي حين لا يزال الجدل متجدداً داخل المملكة المتحدة بشأن خطر فكر جماعة الإخوان المسلمين داخل المجتمع البريطاني وتأثيره في التماسك المجتمعي واندماج المسلمين، إضافة إلى ظهور تقارير أخيراً تشير إلى أن الحكومة الحالية تحت إدارة حزب العمال بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر، كانت تضع الإخوان تحت "مراجعة دقيقة جداً" ضمن إطار استراتيجية مكافحة التطرف، لكن قامت دول أخرى بخطوات أكثر جدية في هذا الصدد، وأهمها إعلان الولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) فروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن ولبنان، منظمات إرهابية أجنبية، وتزامن ذلك مع قرارات على مستوى فيدرالي من ولايتي تكساس وفلوريدا بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأميركية- الإسلامية (كير) كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين.
وبدت الدول الأوروبية أكثر يقظة من بريطانيا في شأن سرعة التعامل مع تمدد النفوذ الإسلاموي في أوروبا وتمكنه المتزايد من الجاليات المسلمة، وما يشكله هذا من خطر مجتمعي متفاقم. فسرعان ما أدرجت النمسا عام 2021، تنظيم الإخوان المسلمين على لائحتها السوداء لـ"الجماعات المتطرفة المرتبطة بجرائم ذات دافع ديني"، وسبق ذلك حظر رموز وشعارات جماعة "الإخوان المسلمين" ضمن حظر رموز التنظيمات المتطرفة عام 2019.
وفي مايو (أيار) الماضي، حذر تقرير حكومي فرنسي من أن جماعة "الإخوان المسلمين" تهدد "التماسك الوطني"، موصياً باتخاذ إجراءات تحد من انتشار جماعات الإسلام السياسي داخل المجتمع الفرنسي. مسلطاً الضوء على العمل السري لجماعة "الإخوان" والازدواجية في الخطاب للتغلغل في المؤسسات والمجتمع، إذ ينتشر الإسلام السياسي أولاً على المستوى المحلي، ويقول إن انتشار الإسلاموية "من الأسفل" يشكل "تهديداً على المدى القصير أو المتوسط"، كذلك سلط الضوء على الهيكل التنظيمي السري للجماعة في أوروبا.
وبعد نشر التقرير الفرنسي، سارعت السويد لتشكيل فريق خبراء لدراسة "التغلغل الإسلاموي" في البلاد ووضع تقييم وطني. وبناء على النقاشات، أعلنت الحكومة السويدية ونواب من البرلمان أنهم يدرسون حظر التمويل الأجنبي للجماعات الدينية المرتبطة بالإسلاموية. وفي الوقت الذي بدأت فيه السويد مبادرات تفسيرية وتحليلية قانونية للاستجابة للتحذيرات المتزايدة بشأن التهديد الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي أو ما يطلق عليها "الإسلاموية"، فإن بريطانيا لم تقدم على خطوات جادة في هذا الصدد.
وفي مقابلة مع "اندبندنت عربية"، أعرب الدبلوماسي السابق الرفيع ومؤلف المراجعة الشهيرة الخاصة بالإخوان المسلمين عام 2014 جون جنكينز، عن اعتقاده بأن قرار إدارة ترمب باستهداف ثلاثة فروع محددة من جماعة الإخوان المسلمين كان قراراً "ذكياً جداً"، لأنها كيانات لها حضور قانوني وبالتالي يمكن اتخاذ إجراءات فعلية ضدها، خلافاً لفكرة الإخوان بمفهومها الأوسع كتنظيم عابر للحدود. وتوقع أن تركز التحقيقات الأميركية على تتبع حركة الأموال أملاً في إثبات وجود ارتباطات بين أفرع الجماعة وبين الشبكات الإسلاموية العاملة داخل الولايات المتحدة.
أما عن تأثير الخطوة على بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية، فأشار إلى أن نتائج التحقيق الأميركي قد تشجّع دولاً أخرى، مثل بريطانيا، على اتخاذ خطوات مماثلة. مضيفاً "أعتقد أن جزءاً من هدف ما تقوم به إدارة ترمب، هو محاولة وضع أساس تستند إليه حكومات غربية أخرى".
ثلاث فئات من الانتماء للإخوان في بريطانيا للإخوان حضور في نحو تسعين دولة حول العالم، وقد اتخذت الحركة في كل دولة أشكالاً مختلفة تتكيف مع الظروف السياسية المحلية. وتعمل الكيانات المرتبطة بالإخوان في كل بلد وفق رؤية مشتركة، لكنها تتمتع باستقلالية تشغيلية كاملة، مما يجعل الإخوان حركة عالمية غير رسمية. ويقسم الباحث البارز في مجال الحركات الإسلامية ومدير برنامج التطرف لدى جامعة جورج واشنطن، لورينزو فيدينو، الحضور الإخواني في المملكة المتحدة إلى ثلاث فئات تختلف بحسب ارتباطهم بالتنظيم إلى: الإخوان التنظيميون، والمنتسبون للإخوان، والمنظمات المتأثرة بالإخوان.
ووفق ما جاء في ورقة بحثية كلفت الحكومة البريطانية فيدينو بإعدادها عام2014 ونشرت جامعة جورج واشنطن ملخص منها في ديسمبر (كانون الأول) 2015، فإن الإخوان التنظيميين، وهم أعضاء فروع مختلفة للإخوان المسلمين في الشرق الأوسط (مصر، العراق، ليبيا ) الذين أسسوا خلال الخمسين سنة الماضية حضوراً في المملكة المتحدة. وتقوم كل من هذه الفروع بأنشطة متنوعة داخل المملكة المتحدة لدعم أنشطة التنظيم الأم في بلدانهم الأصلية، أحياناً علانية وأحياناً سرية، مثل جهود جمع التبرعات لحركة "حماس". وتذكر الدراسة أنه في السنوات السابقة لعام 2015، تم التركيز على أنشطة أعضاء الفرع المصري للإخوان المقيمين في لندن، وهم مجموعة صغيرة من قادة كبار ونشطاء شباب يشاركون في الإعلام والجهود القانونية والضغط السياسي لمعارضة النظام المصري. ووفق فيدينو فإن هؤلاء النشطاء لا يستطيعون توليد أي دعم شعبي داخل المملكة المتحدة، لكنهم مرتبطون جيداً بنشطاء الإخوان حول العالم.
والمنتسبون للإخوان هم منظمات أسسها أفراد لديهم روابط شخصية قوية مع الجماعة، لكنها تعمل بشكل مستقل تماماً عن أي هيكل تنظيمي للإخوان، وغالباً تتجاوز الحدود الوطنية التي تميز الفئة الأولى، ومن أبرز هذه المنظمات الجمعية الإسلامية البريطانية. ووفق فيدينو فإنه في السنوات اللاحقة لموجة الربيع العربي، فقدت شبكات الجمعية غير الرسمية تأثيرها لأسباب عدة، بينها مغادرة قادة رئيسيين تولوا مناصب قيادية في كيانات الإخوان ببلدانهم الأصلية بعد بداية الربيع العربي. وردود فعل سلبية في أوساط الإسلاميين البريطانيين، خصوصاً الجيل الثاني والثالث، تجاه مغادرة القادة الذين طالما أعلنوا أنهم يعملون من أجل الإسلام في بريطانيا، وانقسامات داخلية ناجمة عن منافسات شخصية وخلافات أيديولوجية مثل التحالفات مع اليسار أو المواقف تجاه الشيعة وإيران. كذلك تراجع وصولهم إلى الحكومة البريطانية مقارنة بالسنوات السابقة.
والفئة الثالثة هي منظمات متأثرة بالإخوان وتشمل: منظمات أسسها أفراد لهم روابط عميقة بالإخوان لكنها أصبحت تتواجد في بيئات أيديولوجية قريبة جداً من الجماعة، مثل اتحاد الجمعيات الإسلامية الطلابية والإغاثة الإسلامية. وهي منظمات تعود جذورها إلى جماعة الإسلام، الحركة الشقيقة للإخوان في جنوب آسيا، حيث يبدو أن بعض أقسامها تبنت وصقلت بعض أساليب الدخول التدريجي ("الانتهازية") المميزة للإخوان، مطبّقة إياها على السياسة المحلية كما في حالة تاور هامليتس أو التعليم كما في ما يُعرف بمؤامرة "حصان طروادة" في برمنغهام.
وتتعلق قضية حى تاور هاملتس الواقع شرق لندن، والذي يتسم بثقل سكاني مسلم، بالعمدة السابق لوطف الرحمن الذي أسفرت تحقيقات قضائية عام 2015بعزله ومنعه من الترشح بسبب ممارسات انتخابية غير قانونية شملت توجيه.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

