كانت الذائقة الفنية السعودية قصيدة في طور التشكّل، بين تكتكات الطّار والدف، وأنين الربابة، ونفس الناي. وكانت الألحان تتراوح بين أهازيج البحارة في الخليج والبحر الأحمر، وبين صوت رياح جبال السروات ورجع صداها في تهامة ونجد.
وكانت رياح تلك الألحان لا تهبّ إلا حاملة قصيدة عاشق نجدي أضناه السهر، أو آمال مولع هُجِر بين الحجون وغيلما ينتظر وصلا طال انتظاره.. أو أن تأتي حاملة أبيات بحّار يغرد للنوارس يستجديها الظهور على شواطئ الشوق.
وكان أهل الصنعة والطرب يتسقطون تلك القصائد والألحان النادرة والعزيزة للشدو بها في المحافل والمجالس، فيما كان الشعراء والملحنون يتفحصون الأصوات ويتفرسون الوجوه بحثا عن بلبل صاف الصوت، ليغرد ويشدو بألحانهم وقصائدهم. ولينوح ويبكي ويطلق الارتعاشات والآهات ونداءات الحب والفراق والشوق والجزع من سوداء قلبه ليستنهض بها أهل الوجد.
المهمة التي لم تتحقق حتى ذلك الوقت وتجتمع في أي من الفتيان الموسومين بالموهبة مع استثناءات قليلة كانت معتصم الناس وملاذهم انتظارا لرسول الشوق القادم.
وعلى حين غفلة، يخرج ذلك الفتى من محراب اعتكافه، وملاذه الذي كان فيه. الملاذ الذي لم يدر بخلده يوما أنه سيفارقه، والذي كان يدندن فيه لنفسه، دون أن يعي أن الناس كانت ترقب ما سيتنزل به عليهم. لكنه كان محاطا بسجية العباقرة، سجية التواضع التي جعلته يتوارى حتى عن نفسه، لا لعدم الإيمان برسالته الحتمية، لكن انتظارا للناموس الذي سيدفع به وسط المحفل الذي عقد انتظارا له.
وما هي إلا أيام، وما هي إلا أشهر، ثم سنوات تعقب أخرى، حتى فجّر الدنيا من حوله مذ أول لحظة يرتقي فيها المسرح ويتصدر المشاهد.. وهناك أطرب فأفرح حتى السكرة.. وشدا وأطلق الأنّات.. فأحزن وأبكى حد الشعور بالألم والفقد.
وكانت تلك اللحظات هي التي أخرجت الشعراء من أخبيتهم، فأظهرت لنا دايم السيف بين الرياح و«الأماكن»، وبدرا «فوق هام السحب»، وعبدالرحمن @abdulrahman في «البرواز». كما أعادت الملحنين من منافيهم، والناس من مضاربهم، إذ أيقنوا أن آيتهم التي انتظروها قد أصبحت ماثلة أمامهم مثل فجر صادق.
وكان، وهو الفطن المتدثر بالتواضع والشعور بجسامة المهمة، على يقين إذ رأى المشهد أنه ما عاد رسولا من تهامة لأهلها، بعد أن رأى رايات نجد ترفرف له، وبعد أن رأى البحارة من طرفي.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة مكة
