أثار قرار رفع رسوم الضمان الصحي على العمالة الوافدة موجة واسعة من التحفظات في الأوساط الاقتصادية والصناعية، وسط تحذيرات من انعكاساته المباشرة وغير المباشرة على القطاع الصناعي، والخاص عموماً، وعلى القدرة التنافسية للمنتج الوطني، في توقيتٍ دقيق يشهد السوق المحلي تراجعاً في القوة الشرائية، وارتفاعاً في تكاليف التشغيل، وتنامي الأعباء المفروضة على أصحاب الأعمال.
ورأى خبراء اقتصاديون، في أحاديث متفرقة مع «الجريدة»، أن هذه الزيادات إذا لم تُقابل بحزمة إصلاحات وتحفيزات موازية فإنها ستتحوَّل إلى ضغطٍ إضافي يخنق الصناعة، ويُضعف قدرة المصانع والشركات المحلية على الاستمرار والمنافسة، مؤكدين أن تحميل القطاع الخاص كُلفة الزيادة التشغيلية بشكلٍ مباشر سيقود تلقائياً إلى رفع أسعار المنتجات والخدمات، أو إلى تقليص العمالة والاستثمارات، بما ينعكس سلباً على دورة الاقتصاد والاستهلاك، ويفتح الباب أمام تراجع مكانة المنتج الوطني أمام السلع المستوردة المدعومة من دولها.
وأعربوا عن مخاوفهم من تأثير القرار على قطاعات أخرى مرتبطة بالصناعة، كالعقار الاستثماري والتجاري، والشركات المرتبطة بعقود ومناقصات حكومية تعتمد على عمالةٍ كثيفة، فضلاً عن تداعيات اجتماعية محتملة تمس فئات واسعة من الوافدين وأسرهم.
وفي مقابل الإقرار بحق الدولة في إعادة تنظيم منظومة الرسوم والضرائب وتعزيز كفاءة الإنفاق العام، شدد المتحدثون على أن أي قرارات من هذا النوع يجب أن تأتي ضمن رؤية اقتصادية واضحة ومتكاملة، تحدد شكل الاقتصاد المُراد، وتراعي التوازن بين متطلبات الإصلاح المالي واستدامة القطاع الخاص، وتُبنى على دراسات أثر شاملة اقتصادياً واجتماعياً، لا أن تُفرض بشكلٍ منفرد ومفاجئ، وسط إجماع على أن نجاح أي إصلاحٍ مالي يبقى مرهوناً بقدرة الدولة على توفير بيئة أعمال مستقرة، وتقديم محفزات حقيقية للصناعة، وتنسيق القرارات بين الجهات المختلفة، بما يضمن استمرار عجلة الإنتاج، وحماية المستهلك، والحفاظ على التوازن الاجتماعي والاقتصادي في الدولة.
حصافة وشمولية
وفي هذا السياق، وعن قرار زيادة رسوم التأمين الصحي على المقيمين في الكويت، وأثره السلبي على الاقتصاد المحلي والتضخم، قال جاسم السعدون: «لابد من البدء بأن من حق الدولة أن تفرض وتعدل مستويات الرسوم والضرائب»، لافتاً إلى أن ذلك حق سيادي، لكنه يجب أن يكون مشروطاً بحصافة وشمولية دراسة تأثيراتها الإيجابية والسلبية، بدءاً بالأثر المالي، ومروراً بآثارها الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار إلى أن أول شروطها، أن تكون حكومية كاملة متسقة مع مشروع الدولة الاقتصادي، وليست صادرة عن أي جهة حكومية منفردة ومفاجئة ومذيلة بالنفاذ الفوري، مشيراً إلى أنه «في رسوم الخدمات الصحية اقتصر مبرر تسويقها على جباية 200 مليون دينار، أو أقل من 5 في المئة من العجز المالي المقدَّر للموازنة الحالية، وسوف أقبل الرقم كما هو، رغم غياب تفاصيله، فيما تأثيره المباشر سوف يشمل مئات الألوف من البشر، ما يفقده توازن الإيجاب مع السالب لمصلحة الأخير».
ولفت السعدون إلى أنه في الجانب الاقتصادي، سوف يترك آثاراً سلبية أكبر، ففي وقت تشهد البلاد انحساراً في الإنفاق الاستهلاكي، مع تنامي القلق على المستقبل، سوف يُعمِّق مثل هذا القرار العزوف عن الاستهلاك، ويرفع تكلفة ولوج الاستثمارات الجديدة، ما يؤدي إلى تأثيرٍ سلبي لاحق على الانسحاب من استثمارات قائمة، منوهاً إلى أن هناك حاجة إلى متابعة مؤشر أعداد الإفلاسات والإغلاقات الجديدة، فالاحتمال الأكبر هو تزايدها، ووقعها قد يكون أكبر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولاحقاً قد يمتد الأثر، ليشمل القطاع العقاري، وتحديداً الاستثماري والتجاري بشقيه، تجارة التجزئة، والمكتبي، موضحاً أنه على المستوى الاجتماعي، قد يتعارض مع تشريعات الالتحاق بعائل المتساهلة الجديدة، وربما يؤدي إلى نزوح بعض العائلات، وللبُعد الاجتماعي آثاره على الجانب المالي والاقتصادي.
وشدَّد السعدون على أنه لا بأس من تكرار ما ذكر في المُقدمة، يبقى تعديل منظومة الضرائب والرسوم أمراً مستحقاً، لكنه مشروط بتكامله مع مشروع عام للإصلاح المالي، وبمراعاة أن تفوق حصيلته على تكاليفه على كل مكونات الاقتصاد، إضافة إلى تداعياته الاجتماعية.
بدوره، قال رئيس مجلس إدارة شركة الصالحية العقارية غازي النفيسي إن للدولة الحق في طلب أو فرض زيادة مقابل الخدمات، التي تقدمها بهدف رفع إيراداتها وخفض مصاريفها، مشيراً إلى وجود التزامات مالية تتحمَّلها الدولة في هذا المجال. وفي وقت شدَّد على أن تأثير القرار سيكون سلبياً على القطاع العقاري وبقية القطاعات، أوضح أنه يُثقل كاهل القطاع الخاص، إذ من المتوقع أن يتحمَّل أصحاب الأعمال زيادة في المصاريف.
وبينما أشار النفيسي إلى أن القرار قد يدفع بعض الوافدين للتفكير في بدائل أخرى، أو حتى مغادرة الدولة والبحث عن فرصٍ في دول أخرى، ما قد يؤثر على نشاط القطاعات الاقتصادية ومستويات الاستهلاك ونسب الاشغال، أكد إمكانية وضع آلية تحقق هدف الدولة المرجو في زيادة الإيرادات من دون التأثير سلباً على القطاع الخاص أو تُسهم في تغيير تركيبة الوافدين الحالية.
قاعدة مهمة
بدوره، أكد رئيس مجلس الإدارة لشركة الاستشارات المالية والدولية القابضة «إيفا» صالح السلمي أن هناك قاعدة مهمة وضرورية باتت تحتاج إلى وضوح، وهي «ماذا نريد ويراد للاقتصاد، هل هو اقتصاد ريعي أم حر رأسمالي؟»، مشيراً إلى أن تحديد تلك الوجهة والفلسفة ستحدد كثيراً من التوجهات التي يعمل الجميع في إطارها.
وأوضح السلمي، في مشاركته بخصوص الزيادات المالية، أن تلك الخطوات سهلة ويسيرة، لكن يجب ألا تكون على حساب رفاهية المجتمع ومشاركة جميع القوى في اقتصاد البلد كله، متسائلاً: «هل المبالغ التي سيتم جنيها ستريح المالية العامة أم العكس؟»، ولفت إلى أن تحفيز وتشجيع فلسفة استثمار الأموال والفوائض المالية لدى الأفراد أكثر جدوى وتعتبر مكونا أساسيا في الاقتصاد.
وأكد أن المرحلة تتطلب خطة عمل واضحة تترجم على أساسها كل الأهداف، كما أن القطاع الخاص يملك كفاءة على إدارة الكثير والكثير من الملفات، بشرط أن يعطى الجو المناسب للعمل والمساحة الكافية من المساهمة، وأعرب عن أمله بأن يتم تخطي مرحلة التجارب، «وأن نصل إلى مرحلة الإنتاج الحقيقي التي تتخطى الاعتماد على بيع النفط وترجمته إلى دولارات ثم دينار، وأن يتقدم القطاع الخاص أكثر وبمساحة إنتاجية أقوى تعيد قدرته على توفير فرص عمل حقيقية ومنتجة أكثر وأوسع».
وأشار إلى أن الشكل الاقتصادي وتحديد هويته والتحسين المستمر لبيئة العمل ورفع فاعلية القطاع الخاص خطوات تضمن رفع الفرص الاستثمارية وتحسين المداخيل نتيجة المشاركة الجماعية، وترفع من مساحة الإنتاجية الحقيقية، موضحاً أن البدائل كثيرة لفرض الرسوم والضرائب في عملية هي بمنزلة انتقال الأموال من يد الأفراد للدولة.
من جهته، قال رئيس اتحاد الصناعات الكويتية، حسين الخرافي، بشأن ملف زيادة الرسوم الصحية الأخيرة: كنّا نتطلع إلى أن تكون هناك مراعاة للقطاعات المنتجة، ومنها القطاع الصناعي، أسوة بالخطوة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية أخيراً بإلغاء جميع الرسوم على القطاع الصناعي في هذا الخصوص.
وتابع الخرافي: سبق أن تقدّم اتحاد الصناعات بمقترحات ومطالب، وكنّا نتطلع ونترقب أن يتم النظر فيها، وهي مطالب عادلة تستهدف تخفيف العبء والأكلاف عن المنتج، حتى لا يضطر المصنع أن يزيد ويرفع من التكلفة على المواطن، وهو ما لا ترغب فيه الدولة، ولتحقيق التوازن في تلك المعادلة، يجب ألا تكون هناك رسوم إضافية.
وذكر أنه بعد أن كانت هناك تطلّعات بإلغاء الرسوم المتمثلة في الـ 50 دينارا، تم زيادتها بنسبة 100 بالمئة، وأي زيادة في هذا الخصوص ترفع التكاليف على المصنّعين.
ودعا الخرافي إلى ضرورة أن تخضع أي زيادات في الرسوم لدراسة واقعية وعلمية تراعي العواقب والتداعيات الجانبية لها وآثارها السلبية، مشيرا إلى أن إقرار زيادة تحقق 200 مليون دينار قد نخسر مقابلها أكثر، مستغرباً مما تعتبره وزارة الصحة إنجازا!
وبينما تساءل: هل هناك دراسة، ولماذا 100 بالمئة وليست 60 أو 50 أو حتى 200 بالمئة؟ رأى الخرافي أن المبالغ الإضافية التي سترهق أصحاب المصانع يمكن توجيهها لزيادة الإنتاج، أو توظّف مواطنين أو أبحاث أو زيادة صادرات.
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي خالد بودي: «حسب تقديري لا يؤثر القرار سلباً على الاقتصاد المحلي، أما بالنسبة للوافدين فهو قد يؤثر على فئة محدودي الدخل منهم، وهؤلاء يمكن أن تقدم لهم الشركات التي يعملون فيها تأمينا صحيا، وذلك لرفع عبء تكاليف العلاج الصحي عنهم، ويحتاج الأمر إلى التنسيق مع الشركات التي يعمل فيها الوافدون محدودو الدخل لتوفير تأمين صحي لهم».
واضاف بودي: «أما بالنسبة لفئة متوسطي الدخل وأعلى من الوافدين فهنالك العديد من الشركات الخاصة التي تقدم لهم تأمينا صحيا، وبالنسبة لمن لا يتوفر لديهم تأمين صحي فالدولة تتحمل 80% من تكلفة العلاج الصحي لهم حسب القرار، وهذا الدعم لا تقدمه إلا القليل من الدول الأخرى، وفي معظم دول الخليج الوافدون يجب أن يكون لديهم تأمين صحي أو دفع مباشر مقابل الخدمات الطبية، وقد تتجه الدولة مستقبلا إلى اعتماد نظام التأمين الصحي بالنسبة لجميع العاملين في القطاع الخاص».
بين الايجابية والسلبية
وأكد عضو اتحاد.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الجريدة




