ملخص يعكس انقلاب الانتقالي عمق الخلاف حول مستقبل اليمن، ففي حين تدعم الرياض الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تمضي أوساط أخرى في دعم مشروع انفصال الجنوب، وهذا التباين يخلق، وفق تقديرات مراكز بحثية غربية، فراغاً سياسياً وأمنياً يمكن لإسرائيل استثماره، بخاصة مع سيطرة الانتقالي على سواحل استراتيجية تطل على خليج عدن، بعد التذرع بهجمات الحوثيين.
شهد اليمن عبر تاريخه تحولات عدة وحروباً بالوكالة على ساحته، مثل المصرية- السعودية والشيوعية-الغربية، إلا أن الحقبة الراهنة من الصراعات اتسمت بالتسارع المفرط، فما كاد المشروع الإيراني في صنعاء ينتهي أو يستقر، حتى أطل على الجهة المقابلة مشروع إسرائيل.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more ففي حين وفرت جماعة الحوثي لطهران المناخ المناسب لفرض السيطرة على مواقع استراتيجية في الإقليم مثل مضايق وسواحل البحر الأحمر، جاء المجلس الانتقالي الجنوبي لينافسها على تقديم قرابين مماثلة إلى الجانب الإسرائيلي، إذ شهد جنوب اليمن تحولاً دراماتيكياً عندما شن المجلس الانتقالي الجنوبي، هجوماً سريعاً قبل نحو أسبوع انطلق من حضرموت، مكنه من السيطرة على مناطق واسعة شملت عدن والمكلا والمهد.
هذا التطور الذي عد خرقاً مباشراً لاتفاق الرياض الموقع عام 2019، لم يكُن مجرد صراع داخلي يمني، بل حلقة في لعبة إقليمية أوسع تتقاطع فيها حسابات إسرائيل، الساعية إلى تعزيز نفوذها في ممرات البحر الأحمر، بعد أعوام من التصعيد مع جماعة الحوثيين، وحلم قديم بالاستحواذ على "خليج العقبة".
ومع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحول الجنوب اليمني إلى مساحة استراتيجية جديدة في الحسابات الإسرائيلية، بوصفه نقطة ضغط محتملة على النفوذ الإيراني، وفرصة لنسج تحالفات محلية تفتح الباب أمام ترتيبات أمنية وسياسية، قد تمتد لاحقاً إلى مسار التطبيع.
من التصعيد الحوثي إلى إعادة تموضع إسرائيلي بدأت ملامح هذا التحول تتضح مع تصاعد الهجمات الحوثية على إسرائيل بعد "السابع من أكتوبر" عام 2023، حين أطلقت الجماعة مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إيلات، إضافة إلى استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، مما أدى إلى تراجع حركة الملاحة في قناة السويس بنسبة قاربت 50 في المئة، وردت إسرائيل بضربات جوية مكثفة استهدفت موانئ الحديدة ورأس عيسى، موقعة أضراراً كبيرة في البنية التحتية.
إلا أن تقارير أمنية إسرائيلية، ولا سيما التقرير الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أشار إلى أن هذه الضربات لم تنهِ التهديد، خصوصاً مع استمرار الحوثيين في بناء أنفاق وتحصينات لحماية ترسانتهم الصاروخية. وخلص التقرير إلى أن "الجنوب اليمني ليس مجرد قصة محلية، بل طبقة جديدة في الصراع الإقليمي على البحر الأحمر، تحمل فرصاً إذا أُديرت بصورة صحيحة".
الانتقالي: البوابة الإقليمية لإسرائيل يرتبط الدور الإسرائيلي في الجنوب اليمني ارتباطاً وثيقاً بتحالفاته مع الدول الداعمة للمجلس الانتقالي علناً أو خلف الستار، ليس فقط في مواجهة الحوثيين، بل في إطار مشروع أوسع لإعادة رسم الخريطة السياسية لليمن، وكشفت تقارير إعلامية إسرائيلية عن تعهدات من جانب قيادات في "الانتقالي" بالانفتاح على التطبيع مع إسرائيل مقابل دعم سياسي وأمني لمسار الانفصال.
وفي تقرير صادر عن مركز "بيغن سادات" للدراسات الاستراتيجية، أشير إلى أن إحدى دول الإقليم، وربما بمباركة سعودية هادئة، وبالاستناد إلى قوى يمنية معادية للحوثيين، "تبني مواقع استراتيجية جديدة لمواجهة التهديد الشيعي الراديكالي المنطلق من صنعاء"، مضيفاً أنه "لا توجد معلومات مؤكدة عن تعاون مباشر مع إسرائيل، لكن الإمكان لذلك كبير". ويشمل هذا الإمكان إقامة قواعد أو مرافق لوجستية في جزر استراتيجية مثل زقر وبريم وسقطرى، بما يتيح مراقبة الملاحة البحرية وقطع طرق تهريب السلاح الإيراني.
فرصة إسرائيلية يعكس انقلاب المجلس الانتقالي تحولاً في مسار الصراع داخل اليمن، إذ أوجد واقعاً سياسياً وأمنياً جديداً في الجنوب.
ووفق تقديرات مراكز بحثية غربية، أسهم هذا التحول في خلق فراغ قابل للاستثمار إقليمياً، بخاصة مع سيطرة الانتقالي على سواحل استراتيجية مطلة على خليج عدن، مستفيداً من ذريعة الهجمات الحوثية لتكريس حضوره الميداني.
مخاوف يمنية من استدعاء تجربة حرب السودان (اندبندنت عربية)
وفي تحليل للمعهد الملكي للدراسات الدفاعية في بريطانيا، رأى أن "النجاح في تثبيت كيان جنوبي مستقل قد يدفع الحوثيين إلى تصعيد عملياتهم البحرية لتعويض القيود المفروضة على طرق التهريب البرية"، لكنه أشار في المقابل إلى أن تمدد الانتقالي قد يقلص قدرة الحوثيين على الحصول على أسلحة إيرانية متطورة، مما يضغط على الشبكات اللوجستية لطهران، وفقاً لتقديرات إسرائيلية.
وعلى رغم ما يراه بعض صناع القرار في تل أبيب من مكاسب استراتيجية، لا يخلو هذا المسار من أخطار كبيرة، فمع وقف إطلاق النار في غزة، يحذر خبراء من عودة التصعيد الإسرائيلي الحوثي، باعتبار أن الجماعة ترى نفسها جزءاً من "محور المقاومة". وفي "تشاتام هاوس"، قال الباحث إيتاي بارليف إن "إسرائيل ستواصل حملة طويلة الأمد ضد الحوثيين لمنع تحولهم إلى تهديد استراتيجي من الجيل التالي"، بينما حذر الباحث اليمني فارع المسلمي من أن "الضربات الإسرائيلية لا تضعف الحوثيين بقدر ما تدمر شرايين الغذاء والمساعدات الباقية لليمنيين".
وأدت هذه الضربات إلى تدمير موانئ تشكل نحو 70 في المئة من واردات اليمن، مما فاقم أزمة إنسانية حادة في بلد يعاني أصلاً الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
الانتقالي في الرؤية الإسرائيلية من منظور استراتيجي إسرائيلي، يمثل صعود المجلس الانتقالي تحولاً نوعياً في موازين القوى داخل اليمن. ووفق تحليل لمركز "مايند إسرائيل" في تل أبيب، فإن سيطرة الانتقالي على السواحل الجنوبية والشرقية، خصوصاً حضرموت والمهرة، أسهمت في تقليص قدرة الحوثيين على تهريب الأسلحة الإيرانية براً. وتعد إسرائيل وجود كيان جنوبي معادٍ للحوثيين "مكسباً تكتيكياً" يحد من التهديدات الصاروخية والمسيّرة الموجهة نحو إيلات وقناة السويس.
وعلى المستويين الاستخباراتي والعسكري، أرست "اتفاقات أبراهام" منذ عام 2020 إطاراً لتنسيق أوسع، جعل من جنوب اليمن ساحة متقدمة للمراقبة. ومن خلال الشراكة الدفاعية مع حلفائها في الإقليم، تستفيد إسرائيل من منصات تبادل معلومات مثل "منصة الكرة البلورية"، إضافة إلى أنظمة رادار وإنذار مبكر نشرت في جزر استراتيجية، من بينها عبد الكوري في سقطرى وجزيرة ميون، وتمنح هذه المنشآت إسرائيل قدرة متقدمة على تتبع التحركات الإيرانية والحوثية في بحر العرب وخليج عدن.
سياسياً، تدرك إسرائيل سعي المجلس الانتقالي إلى نيل اعتراف دولي بدولته المنشودة، مما يفسر تصريحات رئيسه عيدروس الزبيدي حول إمكان الانضمام إلى "اتفاقات أبراهام". ويرى المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن هذا الانفتاح يمنح إسرائيل فرصة لتعزيز حضورها البحري بصورة غير مباشرة، عبر كيان "شبه دولة" موالٍ لحلفائها الإقليميين، مع بقاء الأخطار المتمثلة في تصعيد الحوثيين وتعقيد العلاقات مع الرياض وواشنطن.
لكن رئيس التحرير السابق لصحيفة "الشّرق الأوسط" والمدير العام السابق لقناة العربيّة عبدالرحمن الراشد، يرى أن رغبات "الانتقالي" ستواجه مثل "الحوثي" صلابة الرياض، إن هو حاول الإصرار على فرض المقاربة عليها، إذ إن تاريخ البلاد يؤكد بحسب قوله أنه "لا توجد دولة واحدة ذات تأثير دائم وحاسم في اليمن، موحداً كان أو مجزأً، سوى السعودية، ومعها بدرجة ثانية سلطنة عمان بحكم الجوار والحدود مع الجنوب، فالجغرافيا هي الحقيقة الوحيدة في السياسة".
ورجح ضمن مقالة له في "الشرق الأوسط" اللندنية أن قوى قد تحضر إقليمية أو دولية في لحظات الأزمات، لكن "ديمومة التأثير تبقى رهناً بالحتمية الجغرافية، وهو ما تدركه القوى اليمنية شمالاً وجنوباً، إذ أثبت التاريخ، منذ ستينيات القرن الماضي والتدخل المصري وصولاً إلى اليوم، أن أي مشروع سياسي في اليمن لا يمكن أن ينجح أو يستمر من دون.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية
