هل المرض النفسي حقيقي أم يمكن التظاهر به وكيف يمكن تشخيصه؟ في كتاب جديد لطبيب بريطاني

في عام 1973، نشر عالم النفس الأمريكي ديفيد روزنهان نتائج تجربة جريئة أثارت جدلاً واسعًا؛ فقد رتب مواعيد لثمانية "مرضى وهميين" في مؤسسات الطب النفسي، حيث اشتكوا للأطباء من سماع أصوات تخاطبهم، وجميعهم تم قبولهم في المستشفى، وتم تشخيصهم إما بالفصام أو الاضطراب النفسي الهوسي الاكتئابي، وما أن توقفوا عن التظاهر بأي "أعراض"، حتى بدأوا يقولون إنهم يشعرون بتحسن، وخرج أولهم بعد سبعة أيام، وآخرهم بعد 52 يومًا.

وعندما علم الأطباء بهذه النتائج، صعب عليهم تصديق أنهم قد يقعون في نفس الخطأ، فابتكر "روزنهان" تجربة أخرى؛ حيث أخبرهم أنه خلال الأشهر الثلاثة التالية، سيحضر أحد المرضى الوهميين بشكل متخفي، وفي النهاية سيُطلب من الطاقم تحديد من كان يتظاهر، ومن بين 193 مريضًا تم قبولهم، اعتُبر 20% منهم مثيرين للريبة وقد يكونوا من المتظاهرين بالمرض، عندها كشف "روزنهان" أن الأمر برمته كان خدعة أخرى؛ حيث أنه لم يُرسل أي مرضى وهميين إلى المستشفى على الإطلاق، ما يعني أن الأطباء لم يكتفوا فقط بعدم قدرة التعرف على الأشخاص الأصحاء بينهم، بل لم يتمكنوا حتى من تحديد المرضى العقليين الفعليين.

أثارت هذه التجربة خيال الجمهور وأشعلت التساؤلات؛ هل الأطباء النفسيون مجرد نصابين؟ هل المرض النفسي حقيقي أساسًا؟ وبعد عامين، أضاف فيلم "طار فوق عش المجانين" طعنة جديدة لسمعة الطب النفسي، ما دفع المؤسسة الطبية إلى تشديد معايير التشخيص، ومحاولة حصر الأعراض المختلفة ضمن أطر أكثر ضيقًا، وقد آل هذا إلى إعادة تنظيم صارمة في المجال جعلت مهنة الطب النفسي أكثر "طبيّة" مما كانت عليه لعقود.

وتعد هذه الحكاية مثالًا ممتازًا على التقلبات الأيديولوجية التي رصدها أستاذ الطب النفسي البريطاني، إدوارد بولمور، في كتابه الجديد بعنوان «العقل المنقسم: طريقة جديدة للتفكير في الصحة النفسية» الذي استهله بتجربة "روزنهان" حيث قال إن أكثر ما يثير الدهشة هو أن ورقة "روزنهان" البحثية كانت في الواقع مختلقة إلى حد كبير؛ إذ خلص تحقيق صحفي أجرته الصحفية الأمريكية، سوزانا كاهالان، عام 2019 إلى أن معظم المرضى الوهميين لم يوجدوا فعليًا، وذكر أحد زملاء "روزنهان" أنه كان "مبالغًا وكذابًا".

وسواء كان قد كذب أم لا، فقد كشف "روزنهان" عن فجوة أساسية في مجال الطب النفسي منذ نشأته تقريبًا، وأرجع "بولمور" هذه الفجوة إلى الانقسام الوهمي بين الجسم والعقل، الذي أسماه "الانشقاق الأصلي"، والموهب لنا من الفيلسوف الفرنسي، رينيه ديكارت، وقبله القديس الروماني بولس، هذا الانقسام يوهم بأن أفكارنا ومعاناتنا النفسية تقع في مجال منفصل عن الجسد؛ فالأمراض إما "عضوية" مثل الكوليرا أو الزهايمر، أو "وظيفية" مثل الاكتئاب أو الفصام، وكأنها تنشأ في جسم سليم تمامًا.

عمليًا، هذا الانقسام يبعد الطب النفسي عن بقية مجالات الطب، مما يؤدي إلى إهمال الصحة الجسدية للمرضى النفسيين، كما يخلق انقسامًا داخليًا في الطب النفسي نفسه بين ما يُسمى بـ"القبيلة بلا عقل"، التي ترى أن البيولوجيا تفسر كل شيء، و"القبيلة بلا دماغ"، التي تتجاهل علوم الأعصاب وتبحث عن التفسير في التربية وطريقة علاقة الشخص بالعالم.

وكشف المؤلف أن الصورة الناشئة اليوم تجمع بين البيولوجيا والخبرة الشخصية بطريقة كانت حتمية منذ البداية، إذ لم يكن هناك فصل حقيقي بينهما؛ فجميعنا على دراية بطبيب الأعصاب النمساوي الأشهر، سيجموند فرويد الراعي الروحي للقبيلة "بلا دماغ"، رغم أن مؤسس التحليل النفسي بدأ حياته كعالم تشريح عصبي، وكان يرى أن التطورات البيولوجية قد تحل يومًا ما محل "كل.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة الشروق

منذ 3 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 41 دقيقة
منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 3 ساعات
صحيفة الوطن المصرية منذ ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 8 ساعات
موقع صدى البلد منذ 6 ساعات
صحيفة الوطن المصرية منذ 11 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 13 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 10 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ ساعتين