ديميتري بريجع يكتب: المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الروسية- الأفريقية في القاهرة

شهدت القاهرة يومى ١٩ و٢٠ ديسمبر (كانون الأول) ٢٠٢٥ انعقاد المؤتمر الوزارى الثانى لمنتدى الشراكة الروسية- الأفريقية، بمشاركة رفيعة المستوى من أكثر من ٥٠ دولة أفريقية، وحضور واسع على المستوى الوزارى، إلى جانب عدد من رؤساء المنظمات الإقليمية. يأتى تنظيم هذا الحدث الكبير فى مصر استكمالًا للزخم الذى أرساه المؤتمر الوزارى الأول للمنتدى الذى عُقد فى مدينة سوتشى الروسية فى نوفمبر (تشرين الثانى) ٢٠٢٤، ويهدف إلى تعزيز التعاون والشراكة بين إفريقيا وروسيا فى مختلف المجالات. ركزت النسخة الثانية من المؤتمر الوزارى على دفع أوجه التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى، فضلًا عن دعم الاستقرار والسلم والأمن فى القارة الأفريقية، وتحقيق التنمية المستدامة. وناقش المؤتمر سُبل تطوير التعاون المشترك فى مجالات حيوية، مثل التجارة والاستثمار والطاقة والبنية التحتية، إلى جانب القضايا ذات الاهتمام المشترك المرتبطة بالأمن والاستقرار فى إفريقيا، بما يسهم فى دعم جهود السلم والتنمية، وتعزيز شراكة أفريقية- روسية مستدامة تحقق المصالح المشتركة للجميع. وعلى هامش المؤتمر، نُظِّمَ حدثان جانبيان أحدهما تناول دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية فى تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية، والآخر بحث آفاق التعاون الثلاثى، وسبل تحقيق التنمية الشاملة.

أهداف المنتدى وأولويات المؤتمر

يهدف منتدى الشراكة الروسية- الأفريقية، الذى انطلق أول مرة عام ٢٠١٩، وقد شهد ذلك العام انعقاد أول قمة روسية- أفريقية فى سوتشى برئاسة مشتركة بين الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى والرئيس الروسى فلاديمير بوتين أرست حجر الأساس لهذا المنتدى، إلى تعزيز التعاون الروسى الشامل مع دول إفريقيا بجميع أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية والإنسانية. فى نسخته الوزارية الثانية المنعقدة بالقاهرة، سعى المنتدى إلى البناء على ما تحقق فى القمة الروسية- الأفريقية الأولى (سوتشى ٢٠١٩) والثانية (سانت بطرسبورغ ٢٠٢٣) التى شهدت اعتماد خطة عمل مشتركة للشراكة للأعوام من ٢٠٢٣ إلى ٢٠٢٦، وكذلك على مخرجات الاجتماع الوزارى الأول عام ٢٠٢٤؛ من أجل دفع التعاون الثنائى والإقليمى نحو مستويات جديدة. وأشارت مصر إلى أن الشراكة الروسية- الأفريقية منذ إطلاقها تمثل إحدى قصص النجاح فى التعاون الدولى بين شركاء تجمعهم قواسم مشتركة، لا سيما فى عالم يشهد تحولات متسارعة، وتراجعًا فى فاعلية الآليات التقليدية. تركز جدول أعمال المؤتمر على مجموعة من الأولويات والمحاور الرئيسة، جاء فى مقدمتها تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى بين روسيا ودول إفريقيا. وقد شهد حجم التبادل التجارى بين الطرفين تناميًا مطردًا فى السنوات الأخيرة، حيث تجاوز ٢٤ مليار دولار عام ٢٠٢٣ صعودًا من نحو ١٨ مليار دولار فى ٢٠٢٢، لكنه لا يزال دون الإمكانات المتاحة مقارنة بشركاء دوليين آخرين، مما يفسر التركيز على تنميته خلال المؤتمر. كما أولى المشاركون اهتمامًا خاصًا لدعم جهود الاستقرار والسلم والأمن فى القارة؛ إيمانًا بأن الأمن والتنمية عنصران متلازمان يُعزز كل منهما الآخر. ومن القضايا التى حظيت بالنقاش كذلك: سبل تطوير البنية التحتية، وتعزيز التعاون فى مجالات الطاقة، وتبادل الخبرات والتكنولوجيا، فضلًا عن دفع التكامل الإقليمى عبر اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية. كما لم تغفل أجندة المنتدى الجوانب العلمية والثقافية والإنسانية، حيث تم تأكيد أهمية تعزيز التبادل الثقافى والعلمى والتعليمى بين روسيا وإفريقيا، بما فى ذلك زيادة المنح الدراسية للطلاب الأفارقة فى الجامعات الروسية، وتوسيع برامج التوءمة بين المؤسسات البحثية والتكنولوجية؛ لما لذلك من دور فى بناء جسور التواصل، وتعميق الفهم المتبادل بين الشعوب. وعلى هامش المؤتمر، عُقدت ورشتا عمل جانبيتان لتعميق النقاش فى بعض المجالات، تناولت الأولى دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية فى تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية وبناء القدرات، فيما ركزت الثانية على التعاون الثلاثى بوصفه آلية لتحقيق التنمية الشاملة

فى القارة.

مشاركة رفيعة المستوى وتعاون ثلاثي

اتسم مؤتمر القاهرة بحضور إفريقى رفيع المستوى يعكس الاهتمام الكبير بتعزيز الشراكة مع روسيا، فقد شاركت فى أعماله وفود رسمية من أكثر من خمسين دولة أفريقية يمثلها وزراء الخارجية وعدد من الوزراء المعنيين بمجالات التعاون المطروحة، مما وفر منصة جامعة لمناقشة أولويات القارة مع أحد الشركاء الدوليين الرئيسين. وعلى مدار يومى المؤتمر، انعقدت جلسات عمل مكثفة تناولت مختلف محاور التعاون الاقتصادى والأمنى والتنموى، وشهدت مداخلات من رؤساء الوفود الأفريقية استعرضوا خلالها تجارب بلدانهم وأولوياتها فى إطار هذه الشراكة. كما شهدت أروقة المؤتمر لقاءات ثنائية جانبية بين عدد من الوزراء ورؤساء الوفود ونظرائهم الروس، بُحثت خلالها مجالات تعاون محددة بين دولهم وروسيا، بما من شأنه الدفع قدمًا بالعلاقات الثنائية ضمن الإطار الأوسع للشراكة الروسية- الأفريقية، علمًا بأن هذه هى المرة الأولى التى ينعقد فيها المنتدى الوزارى للشراكة على أرض أفريقية بعد أن استضافت روسيا النسخة الأولى، وهو ما يعكس حرص إفريقيا على أن تكون طرفًا فاعلًا ومضيافًا فى هذه الشراكة المتنامية. إلى جانب التمثيل الوطنى، شارك أيضًا فى المؤتمر رؤساء مفوضية الاتحاد الإفريقى والتجمعات الإقليمية الأفريقية (مثل الكوميسا، وإيكواس، ومجموعة شرق إفريقيا، وسادك) وممثلوها؛ تأكيدًا للتكامل بين البعد القارى والجهود الإقليمية فى بلورة رؤية موحدة للتعاون مع روسيا. ترأس الجلسة العامة للمؤتمر وزير الخارجية المصرى الدكتور بدر عبد العاطى بصفته رئيس وفد الدولة المضيفة، إلى جانب نظيره الروسى سيرغى لافروف، ووزير خارجية أنغولا تيتى أنطونيو، الذى تتولى بلاده الرئاسة الحالية للاتحاد الإفريقى. عكس وجود هذه الشخصيات الرفيعة حجم الالتزام الإفريقى والروسى بالمضى قدمًا فى تعزيز الحوار السياسى والتعاون العملى بين الجانبين. وفى كلمته أمام المؤتمر، أكد وزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف حرص بلاده على أن تكون شريكًا موثوقًا به للتنمية فى إفريقيا، مستعرضًا مجالات التعاون الحالية والمستقبلية بين روسيا والدول الأفريقية فى قطاعات متنوعة، ومشددًا على دعم موسكو للمبادرات الأفريقية فى إرساء السلام، وتحقيق التنمية. أشاد وزير خارجية أنغولا، تيتى أنطونيو، الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، بروح الشراكة التى تسود المنتدى، مؤكدًا أن إفريقيا تأتى إلى طاولة الحوار برؤية موحدة وأولويات واضحة، وأنها تجد فى روسيا شريكًا مصغيًا يتجاوب مع شواغلها وطموحاتها. وقد أكد جميع المشاركين أهمية هذه المنصة المشتركة فى تحقيق التفاهم المتبادل، وبناء الثقة، وتنسيق المواقف حيال القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. كما ناقش المشاركون أفكارًا عن التعاون الثلاثى الذى يجمع إفريقيا وروسيا وشركاء دوليين آخرين لتنفيذ مشروعات تنموية فى الدول الأفريقية، بما يسهم فى حشد الموارد والخبرات لصالح تحقيق التنمية المستدامة.

رؤية مصر للتنمية والاستقرار فى إفريقيا

على هامش المؤتمر الوزارى الثانى، استقبل الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى يوم ٢٠ ديسمبر (كانون الأول) ٢٠٢٥ الوزراء ورؤساء الوفود الأفريقية المشاركين وممثلى مفوضية الاتحاد الإفريقى والتجمعات الإقليمية. أعرب السيد الرئيس خلال اللقاء عن سعادته بهذا الجمع الإفريقي- الروسى على أرض مصر، مؤكدًا تطلعه إلى مستقبل أفضل لشعوب القارة الأفريقية فى ظل شراكات بنّاءة تحقق المنفعة المتبادلة. وأشار الرئيس السيسى إلى ما تزخر به إفريقيا من موارد طبيعية وبشرية ضخمة تؤهلها لاحتلال المكانة التى تستحقها عالميًّا، لكنه شدد فى الوقت نفسه على أن القارة لا تزال تواجه تحديات معروفة، وأن الأهم هو كيفية الإدارة الناجحة والفعالة لتلك الموارد وتنفيذ الخطط التنموية اللازمة لتجاوز العقبات، وضرب مثالًا بامتلاك بعض الدول الأفريقية ثروة حيوانية ضخمة، مما يستدعى بناء صناعة متطورة للحوم لتحقيق الاكتفاء الذاتى على مستوى القارة، والتصدير إلى الخارج. كما نوه بأن كميات الأمطار والمياه فى إفريقيا تفوق احتياجاتها الفعلية، شريطة حسن إدارتها، واستخدامها بكفاءة. وأكد الرئيس أن غياب الاستقرار والأمن يمثل العائق الأكبر أمام جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المنشودة؛ ومن ثم دعا إلى بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق الأمن والاستقرار فى ربوع القارة، محذرًا من أن استمرار الاضطرابات والصراعات يزيد أخطار الاستثمار، ويثنى رؤوس الأموال عن القدوم. وتمنى الرئيس السيسى فى حواره مع الحضور أن تنعم جميع الدول والشعوب الأفريقية بالاستقرار والتنمية والازدهار، وشدد على أن تحقيق استقرار أى دولة أفريقية ينبغى ألا يكون على حساب مصالح دولة أخرى، بل من خلال التعاون والتكامل الإقليمى. واستعرض السيد الرئيس بعض جهود مصر فى دعم التنمية الأفريقية، مشيرًا إلى أنه خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى عام ٢٠١٩ طالبت القاهرة بضرورة توفير بنية أساسية مناسبة للدول الأفريقية كركيزة للتنمية. وقد حرص فى لقاءاته مع قادة الدول الأوروبية والغربية فى المحافل الدولية على تأكيد أهمية دعم مشروعات البنية التحتية فى إفريقيا لتقليص الفجوة التنموية. وفى سياق متصل، تطرق الرئيس السيسى إلى مسألة العلاقات مع إثيوبيا، مؤكدًا أن مصر ليس لديها أى موقف عدائى تجاه الأشقاء هناك، وإنما تطالب فقط بعدم المساس بحقوقها التاريخية فى مياه النيل، وجدد الدعوة إلى التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن سد النهضة الإثيوبى بما يضمن مصالح جميع الأطراف، وأوضح أن سياسة مصر ثابتة قائمة على عدم التدخل فى شؤون الدول، وعدم زعزعة استقرارها، فبالرغم من الخلاف القائم بشأن سد النهضة، لم تلجأ مصر قط إلى توجيه أى تهديد أو تصعيد ضد إثيوبيا؛ إيمانًا منها بأن الخلافات يمكن حلها عن طريق الحوار والحلول السياسية البنّاءة. كما جدد الرئيس تأكيد أن امتلاك بنية أساسية قوية وشبكات ربط إقليمية فى إفريقيا هو مفتاح تحقيق الاستقرار، وتقليص النزاعات، ودفع عجلة التقدم، فوجود طرق ومشروعات كهرباء ومواصلات حديثة يمنح الشعوب الأمل بمستقبل أفضل، على عكس الحلول العسكرية التى لا تخلق سوى أزمات جديدة. وقد أثنى الوزراء الأفارقة المشاركون على هذه الرؤية المصرية، معربين فى كلماتهم خلال المؤتمر عن تقديرهم لدور مصر المحورى فى دعم قضايا السلم فى أفريقيا والشرق الأوسط، وفى مساندة جهود التنمية بالقارة، وأكدوا تطلعهم إلى مواصلة مصر تقديم دعمها وخبراتها لدول إفريقيا لتحقيق التنمية والرخاء، مشيدين بالمشروعات التنموية الرائدة التى تنفذها مصر وشركاتها فى أنحاء إفريقيا. كما أشاد المتحدثون بما تقدمه روسيا من دعم مستمر لدول إفريقيا، سواء فى بناء القدرات من خلال المنح الدراسية والتدريبية، أو فى تقديم المساعدات التقنية والإنسانية، معربين عن تطلعهم إلى استمرار وتعزيز هذا الدعم فى إطار الشراكة الإستراتيجية المشتركة.

المحاور الخمسة للتنمية وفق الرؤية المصرية

فى الكلمة الرسمية التى ألقاها وزير الخارجية المصرى د. بدر عبد العاطى -نيابةً عن الرئيس السيسي- خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، سلّط الضوء على رؤية مصر المتكاملة للتنمية فى إفريقيا، التى ترتكز على خمسة محاور رئيسة:

دعم تنفيذ الممرات الإستراتيجية والمناطق اللوجستية: التركيز على تطوير مشروعات الربط القارى والبنية التحتية العابرة للحدود، مثل شبكات الطرق والسكك الحديدية، والمناطق الاقتصادية، بما يسهل حركة البضائع والأفراد بين الدول الأفريقية.

تعزيز التعاون فى مجال الطاقة والربط الكهربائى: العمل على مشروعات مشتركة لتوليد الطاقة التقليدية والمتجددة، وربط شبكات الكهرباء بين دول.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة المصري اليوم

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة المصري اليوم

منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
منذ 10 ساعات
موقع صدى البلد منذ 12 ساعة
صحيفة الوطن المصرية منذ 19 ساعة
بوابة الأهرام منذ 3 ساعات
مصراوي منذ ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 20 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 8 ساعات
صحيفة الوطن المصرية منذ 7 ساعات
صحيفة الوطن المصرية منذ 7 ساعات