في وقتٍ تتكثف فيه التصريحات حول مستقبل شمال شرق سوريا ومسار اتفاق 10 مارس، عاد الجدل إلى الواجهة مجددا مع بروز تباين واضح بين خطاب قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، الذي يؤكد التزامه بالاتفاق مع الحكومة السورية ويتحدث عن تفاهمات "نظرية" لدمج قواته ضمن مؤسسات الدولة، وبين مواقف رسمية سورية تشدد على غياب أي خطوات تنفيذية حقيقية على الأرض.
وبينما تطرح "قسد" رؤيتها لمرحلة جديدة ما بعد عام 2025، تؤكد دمشق أن ما يعلن لا يتجاوز إطار التصريحات الإعلامية، في ظل استمرار وجود مؤسسات عسكرية وأمنية خارج إطار الدولة، وغياب جداول زمنية وآليات واضحة لترجمة التفاهمات إلى واقع ملموس، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول مصير الاتفاق وحدود الالتزام به.فقدان الثقةفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي حسام طالب في حديثه إلى منصة "المشهد" إن "ما نشهده اليوم بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية يعكس فقدانًا كاملًا لعامل الثقة. لا توجد أي مؤشرات على وجود ثقة، حتى بمستوى منخفض، بين الطرفين؛ فالحكومة السورية لا تثق بـ"قسد"، والأخيرة بالمقابل لا تثق بالحكومة. وهذا الوضع يفتح المجال نحو احتمالات تصعيد، غالبًا ما يكون عسكريًا".ويضيف طالب أن "عامل الثقة يحتاج إلى خطوات عملية نحو تنفيذ اتفاق 10 مارس، خطوة بخطوة. وحتى الآن، لم تقدم "قسد" أي مبادرات ملموسة، والحكومة السورية تنتظر أن تبادر "قسد" للوفاء بالتزاماتها في الاتفاق. في ظل هذا الجمود، تتعمق حالة الانقسام في سوريا، سواء على المستوى الاجتماعي أو حتى الجغرافي".
وبحسب طالب فإن "فقدان الثقة هذا يزيد من تأثير العوامل الإقليمية في سوريا، سواء من خلال إسرائيل التي تترقب ما سيجري في شرق الفرات لاستغلاله، أو تركيا التي تسعى إلى حل عسكري لإنهاء وجود "قسد"، بدل التوصل إلى اتفاق مع الحكومة".
لذلك، من الضروري برأي طالب أن "يُحكّم العقل من قبل جميع الأطراف، حكوميًا و"قسد"، للوصول إلى اتفاق يبعد التدخلات الخارجية، ويضمن وحدة الأراضي السورية وتماسك المجتمع بكل أطيافه. هذه هي الطريقة المثلى لبناء علاقة متينة بين الحكومة السورية و"قسد"، وتطبيق الاتفاق بطريقة تعزز وحدة الدولة والمجتمع".
في المقابل، يقول مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل في حديث لمنصة "المشهد" إن "المشكلة تكمن في تعاطي الحكومة السورية، التي قوضت اتفاق العاشر من مارس بعد 3 أيام فقط. فالاتفاق وُقع في 10 مارس، بينما صدر الإعلان الدستوري في 13 مارس، الذي لم يُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى البند الأول المتعلق بسوريا بشكل عام، ولا إلى البند الثاني الذي يضمن الحقوق الدستورية الكاملة للمجتمع الكردي، ولا إلى وقف خطاب الكراهية".
ويشرح نواف أنه "ربما كان البند الوحيد الذي تم تنفيذه جزئيًا هو وقف إطلاق النار، لكنه لم يشمل جميع الأراضي السورية. يمكن تطبيق جميع بنود الاتفاق بسهولة إذا وُجدت الإرادة، لكنها تتحول إلى إشكالية في حال عدم جدية الحكومة. ولو كانت الحكومة صادقة، كان بالإمكان تعديل الإعلان الدستوري للإشارة إلى البند الثاني في الاتفاق، بما يضمن إدماج المجتمع الكردي في الدستور السوري القادم، وتحديد شكل نظام الحكم الحالي والمستقبلي في سوريا".أبرز بنود اتفاق 10 مارس:
ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وفي مختلف مؤسسات الدولة، على أساس الكفاءة، دون تمييز ديني أو عرقي.
التأكيد على أن المجتمع الكردي مكون أصيل من مكونات الدولة السورية، مع ضمان حقه الكامل في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
إقرار وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء الأراضي السورية.
دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
ضمان عودة جميع المهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، وتأمين حمايتهم من قبل الدولة السورية.
دعم الدولة السورية في جهودها لمكافحة فلول الأسد وكل التهديدات التي تمس أمنها ووحدتها.
رفض جميع دعوات التقسيم وخطابات الكراهية ومحاولات التحريض وبث الفتنة بين مكونات المجتمع السوري كافة.
تكليف اللجان التنفيذية المختصة بمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق، على أن يتم ذلك قبل نهاية العام الجاري.دور تركي
تلعب تركيا دورًا مؤثرًا في مجريات المفاوضات بين الحكومة السورية و"قسد"، حيث تراقب عن كثب أي تطورات قد تؤثر على نفوذها في شمال وشرق سوريا. وتعمل أنقرة من خلال التنسيق مع المسؤولين السوريين، لا سيما وزير الخارجية أسعد الشيباني.
يعتقد خليل أن "هذه المواقف ليس تناقضًا، بل تأكيد لموقف وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني، الذي ينسق مع الجانب التركي في كل تفاصيل المفاوضات السورية-السورية. في كل لقاء يُعقد في دمشق، يتجه وزير الخارجية التركي بعده إلى تركيا، وكلما تقدمت الأمور، يأتي وزير الخارجية التركي إلى سوريا".ويضيف خليل "في جميع زياراتها الـ4 لدمشق، لم تكن المصادفة حاضرة، فكلما جاء الوزير التركي، تبدأ المجموعات الموالية لتركيا، بما فيها المسلحون المرتبطون بها مثل "جيش الوطني السوري"، بشن هجمات على قوات سوريا الديمقراطية، وكان آخرها الهجوم على قوات الأمن الداخلي في حلب".
وحول رد الخارجية السورية على تصريحات مظلوم عبدي يقول خليل: "يُنظر إلى هذا البيان على أنه محاولة لإفشال المساعي الرامية إلى حل الأمور، وبدء تنفيذ ولو جزء من اتفاق العاشر من مارس. وأعتقد أن هذا يشكل تحديًا للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، حول ما إذا كان سيتصدى لوزير الخارجية ومن معه من الرافضين لتطبيق الاتفاق، أم سيبقى متفرجًا، وتبدأ الآلة الحكومية في توجيه الاتهامات، بما يتناغم مع بيان وزارة الخارجية بقيادة أسعد الشيباني".
وفيما يتعلق بمستقبل الاتفاق، يشير خليل إلى أنه "نحن ننتظر الغد أولًا لنرى ما إذا كانت زيارة قائد قسد ستتم أم لا. وفي حال تمت، سنتابع مسار التفاوض، ومن خلاله سيظهر وزن الرئيس السوري وفريقه في القيادة، وكذلك الموقف والطرف الآخر الذي يسعى لإفشال الاتفاق، بما في ذلك أسعد الشباني والداعمين له في تركيا".الجدير بالذكر أن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان كان قد قال إن بلاده لا تريد اللجوء إلى العمل العسكري مجددا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في سوريا، لكنه حذر من أن صبر الأطراف المعنية بدأ ينفد بسبب ما وصفه بالتأخير في تنفيذ اتفاق للاندماج.(المشهد )۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
