في الوقت الذي انتشرت فيه المقاهي الأدبية في السعودية على نحو ملحوظ وكبير خلال السنوات الثلاثة الماضية، إلا أن عددا من القراء والكتّاب، اشتكوا من نوعية الكتب التي تطرحها هذه المقاهي، مشيرين إلى أنها تفتقد إلى الجاذبية وإلى إغراء القارئ بمطالعتها، وهو ما ينسف الهدف من هذه المقاهي التي أريد لها أن تعزز القراءة وتشجع عليها وتجعلها في متناول الجميع.
وجاء إطلاق المقاهي الأدبية في السعودية بهدف جعل الثقافة والأدب جزءًا من الحياة اليومية، وتعزيز الحراك الثقافي وإثرائه، وتشجيع القراءة الواعية وتنمية الذائقة الفنية والأدبية لدى الجمهور، ونشر الأدب السعودي عبر دعم انتشار الكتاب والمؤلف السعودي محليًا وعالميًا، ودمج الفعاليات الأدبية في فضاءات المقاهي العامة، بحيث تكون هذه المقاهي جسرا بين الثقافة والمجتمع.
لكن الممارسة العملية لتلك المقاهي، يطرح كثيرا من الأسئلة على الأخص فيما يتعلق بنوعية الكتب المعروضة فيها، ومدى جاذبيتها للقارئ، والسبيل لتعزيزها، وكيف يمكن للمقاهي وللشريك الأدبي تقديم كتب جاذبة، وعن الأندية الأدبية التي أغلقت وتحولت إلى جمعيات، وهل يمكن تحويل كتبها إلى المقاهي الأدبية بحيث تعزز حضور الكتب الجاذبة للمقاهي؟
وتتباين آراء المهتمين والعاملين بالشأن الأدبي حيال كل هذه الأسئلة، فمنهم من يراها محركة مستجيبة للواقع، ومنهم من يرى أنها جنحت لجعل الكتب بمثابة الديكور دون اهتمام بالمحتوى، ومنهم من يذهب أبعد من ذلك.
استئناس الثقافة
يشير المهتم بالشأن الثقافي والأدبي في منطقة الجوف، الكاتب، الروائي عبدالرحمن الدرعان إلى أن «تجربة الشريك الأدبي انبثقت أساسا من فكرة محاولة استئناس الثقافة وتعميمها، وتخصيب الفضاء العام بما يرقى بالذائقة، وتحفيز المهتمين والمبدعين والذين لديهم إمكانية للإبداع كي يجدوا ضالتهم، وبهذا المعنى فإنه يمكن وصف الشريك الأدبي باعتباره مقهى يقدم القهوة ويستهدف مرتاديه على نحو خاص بما يثير فضولهم للقراءة، ووفقا لهذا الشرط فإن الذين يديرون هذه المقاهي سيتذرعون بأنهم لا يعملون في مكتبات عامة، علاوة على أنهم ينظرون للكتب المعروضة وكأنها ليست أكثر من ديكور».
ويضيف «لردم هذه الهوة فإن الحرص على تقديم نشاطات ثقافية نوعية سوف يسهم في تطوير هذه المقاهي».
ويتابع «غير أننا لن ننتظر منها أكثر مما لا يستطيعه القائمون عليها الذين يديرون مشروعاتهم بمنطق (السوق)».
ويواصل «الحل يتمثل في أن يكون لدى هؤلاء الشركاء أصدقاء متطوعون من المثقفين لرسم الخطط الموسمية للأنشطة، وتقييمها باستمرار، كي لا تتوقف تجربة الشريك الأدبي عند هذا الشكل النمطي الذي لم يعد جديدا ولم يعد جاذبا».
شراكات لملء الفراغ شراكات لملء الفراغ
يعول الدرعان على أن «التحول الذي طال الأندية الأدبية يمكن أن يحيلنا إلى عقد شراكات وتنسيق وتعاون من الشريك الأدبي لعل ذلك يسهم في ملء الفراغ الذي خلفته الأندية الأدبية».
ويحكم بأنه «من الصعب الحكم على جودة الكتب المعروضة نظرا لتفاوتها، غير أن الافتراض ممكن بالتأكيد، وعليه أؤكد أنه ثمة أكثر من سبب لتواضعها، فهي تستهدف فئة من الزبائن لا القراء، كما أنها لا تأبه لتأمين كتب نوعية باعتبار (الزبون) عابرا، وليس باحثا أو قارئا، وبالتالي فهي ربما تكون أكثر شبها بالمجلات والنشرات المعروضة في صالونات الحلاقة لا أكثر».
وينهي «الفعاليات الثقافية التي يقيمها الشريك الأدبي قد تسهم ــ بشكل ما ــ في مراجعة واقتراح العناوين التي تكون في مستوى أفضل مما هي عليه الآن».
منصات نابضة بالحياة
من جانبه، يؤكد الكاتب، الناقد المسرحي يحيى العلكمي أن «المقاهي الثقافية فضاء مفتوح للمعرفة والتفاعل، وهي لم تعد مجرد أماكن للجلوس العابر أو شرب القهوة، بل تحوّل عدد منها إلى منصات ثقافية نابضة بالحياة، تُعرف اليوم بـ«المقاهي الثقافية».
ويكمل «هذا التحول منح المقهى دورًا يتجاوز وظيفته التقليدية، ليصبح فضاءً يجمع بين المعرفة والحوار، ويعيد للثقافة حضورها اليومي في حياة الناس بعيدًا عن القوالب الرسمية المغلقة».
ويبين أن «المقاهي الثقافية قامت على فكرة بسيطة وعميقة في آنٍ واحد: تقريب الثقافة من الجمهور. فهي تفتح أبوابها للقراء والكتّاب والمفكرين والفنانين، وتتيح لهم مساحة حرة لتبادل الأفكار ومناقشة القضايا الفكرية والأدبية والفنية».
وعن الكتب في تلك المقاهي الثقافية، قال «وجود الكتب في هذه المقاهي، سواء عبر أرفف مفتوحة أو معارض مصغّرة أو جلسات توقيع، يمنح القارئ علاقة أكثر حميمية مع الكتاب، ويكسر الحاجز النفسي الذي قد يفرضه المكان الأكاديمي أو المكتبة الصامتة».
وأشار إلى أن «تنوع المناشط في المقاهي الثقافية ما بين أمسيات شعرية، وقراءات قصصية، وحوارات فكرية، وورش كتابة، إلى جانب مناقشات الكتب ونوادي القراءة يسهم في جذب شرائح مختلفة من المجتمع، ويخلق حالة من التفاعل الثقافي الحي، حيث لا يكون المتلقي مجرد مستمع، بل شريكًا في النقاش وصناعة الفكرة. كما أن هذه الأنشطة تتيح للمواهب الجديدة فرصة الظهور، وتمنح الأصوات الشابة منصة للتجريب والتعبير».
دعم صناعة الكتاب
يكمل العلكمي متناولا المقاهي الأدبية وضرورة أن تكون الكتب جاذبة للقارئ، موضحا «الأثر الأهم للمقاهي الثقافية يتمثل في دورها الاجتماعي؛ فهي تعزز ثقافة الحوار، وتشجع على الاختلاف الواعي، وتبني جسورًا بين الأجيال والاهتمامات المتعددة. كما تسهم في تنشيط الحركة الثقافية المحلية، وتدعم صناعة الكتاب من خلال الترويج للقراءة وربطها بأسلوب حياة يومي».
كتب غير مغرية كتب غير مغرية
بدوره، يرى المهتم بالشأن الثقافي والأدبي، مدير عام السياحة والتراث الوطني في منطقة الجوف سابقا حسين بن علي الخليفة أن «رفوف الكتب في المقاهي لم تعد مغرية كثيرا، وذلك للتحول الرقمي، فقد أصبح بين أيدينا رفوف كتب إلكترونية، بل مكتبات متكاملة دون الحاجة للموجود على أرفف المقاهي إلا القلة القليلة».
وعن مساهمة الشريك الأدبي في تغذية المقاهي الأدبية بالكتب.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية


