رفعت الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب سقف المواجهة المهنية والقانونية، ملتمسةً من رئيس الاتحاد الدولي للمحامين فرناندو هيرنانديز غوميز التدخل لدى السلطات المغربية من أجل مراجعة مشروع القانون رقم 23-66 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة، بما يضمن وفق تعبيرها مواءمته مع المعايير الدولية المرتبطة باستقلالية المحامين وحصانة الدفاع.
الرسالة، لم تكتفِ بالدعوة إلى التعديل، بل طالبت بوضع الملف في صلب انشغالات الاتحاد الدولي، مع نشر تحذيرات أو بلاغات رسمية تُنبّه إلى أن المهنة في المغرب تتعرض لخطر تشريعي يمس مكتسباتها الدستورية والتاريخية، في خطوة تحمل بُعدًا غير مسبوق نحو تدويل السجال المهني.
وأكد المحامون في رسالتهم أن المشروع الحالي يمثل تراجعًا عن المكاسب التي راكمتها المهنة عبر عقود، محذرين من أن بعض مقتضياته توسّع سلطة الإشراف التنفيذي على التنظيم المهني، بما يتعارض بحسبهم مع المبدأ 24 من مؤتمر الأمم المتحدة لعام 1990 بشأن دور المحامين، الذي يؤكد على حق هيئات الدفاع في تأسيس منظماتها وإدارتها باستقلال تام دون تدخل خارجي.
كما نبهت الجمعية إلى أن النص المقترح يضيّق من حرية ممارسة الدفاع، وقد يفتح الباب أمام متابعات تأديبية أو جنائية للمحامين بسبب قيامهم بمهامهم المهنية، وهو ما اعتبرته خرقًا للمبدأين 16 و18 الخاصين بحصانة الدفاع، اللذين ينصان على عدم جواز مساءلة المحامي أو التضييق عليه بسبب مواقفه أو دفوعاته أثناء ممارسة الدفاع.
الرسالة تطرقت أيضًا إلى ما وصفته بـ التهديد المباشر لحرية التعبير والانتماء داخل المهنة، مشيرة إلى تعارض المشروع مع المبدأ 23 من مؤتمر الأمم المتحدة والمبدأ 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فضلًا عن المادة 14 من العهد نفسه التي تضمن الحق في محاكمة عادلة لا يمكن أن تتحقق دون دفاع مستقل وغير تابع لأي تأثير أو وصاية.
وذهبت الجمعية أبعد في قراءتها، حين ربطت المشروع بما ورد في تقارير المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، التي تؤكد أن إخضاع هيئات الدفاع لوصاية السلطة التنفيذية يخل بمبدأ فصل السلطات، ويشكل تهديدًا هيكليًا لمنظومة العدالة، معتبرةً أن مراجعة النص لم تعد مطلبًا مهنيًا فحسب، بل ضرورة لحماية استقلال القضاء وضمان سيادة القانون.
الوزارة تردّ برواية «تقوية الحصانة»
في المقابل، تؤكد الوزارة الوصية على القطاع أن مشروع القانون يتوخى تقوية حصانة الدفاع ومحاربة انتحال الصفة وضبط الولوج للمهنة، وأنه لا يستهدف استقلالية المحامي، بل يسعى إلى تنظيم المهنة وفق مستجدات السياق القضائي.
ومن بين المقتضيات الأكثر إثارة للجدل، منع المحامين من تنظيم الوقفات الاحتجاجية ورفع الشعارات داخل فضاءات المحاكم أثناء انعقاد الجلسات، وهو ما تعتبره الوزارة إجراءً لضمان السير العادي للمحاكم وعدم التشويش عليها.
كما نص المشروع على إلزامية ارتداء البذلة المهنية عند المثول أمام الهيئات القضائية أو التأديبية وعند ولوج المحكمة أثناء أداء المهام، وذلك وفق منطوق النص لمواجهة انتحال الصفة وتعزيز هيبة المهنة.
وفي ما يتعلق بالولوج، أقرّ المشروع إلزامية الحصول على شهادة الماستر أو دبلوم الدراسات العليا في العلوم القانونية بدل الإجازة، مع تحديد السن بين 22 و40 سنة للمترشحين، واشتراط خلو السجل من العقوبات التأديبية النهائية التي تمس بالشرف أو الأمانة.
ضمانات إجرائية لكن بصلاحيات تنفيذية أوسع
على مستوى الضمانات، ينص المشروع على إشعار هيئة المحامين فور اعتقال أي محام أو وضعه رهن الحراسة النظرية، مع حصر الاستماع للمحامي المعتقل بسبب مهامه في النيابة العامة فقط، وبحضور النقيب أو من ينوب عنه، والتأكيد على تضمين المحضر أسباب تعذر الإشعار إن حدث ذلك.
وفي باب التأديب، يُلزم النص النقيب بـ البت في الشكايات داخل أجل شهر، مع منح الوكيل العام للملك حق المنازعة في قرارات الحفظ أمام مجلس الهيئة، الذي يتعين عليه البت داخل شهرين بعد الاستماع إلى الأطراف.
بين مطلب الاستقلال ورؤية الضبط
وفي ظل هذا الشدّ بين رواية الدفاع المتمسكة باستقلالية المحامي دون قيد، ورؤية السلطة التي تضع أولوية الضبط الإجرائي ومحاربة التجاوزات الشكلية، يتجه النقاش حول المشروع إلى مرحلة اختبار حقيقي لمستقبل مهنة الدفاع في المغرب، بين حدود التنظيم المشروع ومخاطر التقييد غير المتناسب، في ملف مرشح لأن يظل في واجهة السجال الحقوقي والتشريعي خلال المرحلة المقبلة.
هذا المحتوى مقدم من أشطاري 24
