قبل أن تُشيَّد البيوت وتُرسَم الطرق، كان الماء هو القرار الأول للحياة في حتّا. من بين صخور الجبال القاسية، شقّ «فلج حتّا» طريقه بصمت، ليصنع استقراراً ويؤسس لحكاية طويلة من التعايش بين الإنسان والطبيعة.
والفَلَجُ في اللغة: النَّهْرُ الصغير. والجمع: فُلُوجٌ.
فهو لم يكن مجرد مجرى ماء، بل وعدٌ بالبقاء، ونبض يومي رسم ملامح القرية، وحدّد إيقاع الزراعة، وجمع الناس حول قيمة واحدة: إن الحياة تبدأ من قطرة.
التقت «الخليج» عدداً من زوار «فلج حتّا» الذين أعربوا عن إعجابهم العميق بهذا المعلم التراثي الفريد، مؤكدين أن المكان ليس مجرد موقع سياحي، بل تجربة إنسانية تأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن، وسط الطبيعة الجبلية الخلّابة، في عمق جبال حتّا، حيث تبدو التضاريس صلبة وقاسية، ينساب الفلج بهدوء، ليحكي قصة أقدم من المكان نفسه. إنه ليس مجرد مجرى ماء، بل شريان حياة صنع الاستقرار وألهم الإنسان كيفية التعايش مع الجبال، من دون أن يكسرها، وحوّل القسوة الطبيعية إلى خضرة واستدامة.
استقطاب الزوار
يقول حميد علي: «مدينة حتّا أصبحت واحدة من أهم المدن الإماراتية، من حيث استقطاب الزوار المحليين والسياح من الخارج، إذ تحوّلت إلى ملاذ للاستجمام ووجهة مثالية لعشاق التأمل والهدوء، والوديان والطبيعة التي تمزج بين الجبال والخضرة. والأفلاج العذبة، ومن بينها أفلاج «الداوودية»، وهي التي جعلت هذه الطبيعة مستدامة، وأشهرها فلج «الشريعة»، مقصد الباحثين عن أسرار التاريخ، حيث يجلب المياه من بطون جبال حتّا، لتصبّ في الأراضي الزراعية المسطحة».
ويضيف: «ترجع تقنيات بناء الأفلاج الداوودية إلى آلاف السنين، ولا يزال «فلج الشريعة» يحتفظ بأسراره، إذ تستمر البحوث لفهم هندسته وتصميمه والبيئة التي أُنشئ فيها، والكشف عن تفاصيله المثيرة للباحثين. ويتكوّن بناؤه من ثمانية ثقوب تمتد من سطح الأرض إلى بطن الفلج، لتوفير التهوية، ويُستخدم بعضها للصيانة والوصول إلى المقاطع المختلفة».
روح القرية
ويستعيد أحمد محمد البدواوي، أحد كبار السن من أهالي حتّا، ذكرياته مع الفلج قائلاً: «الماء كان روح القرية. وكل شيء في الحياة اليومية كان مرتبطاً به، من الزراعة إلى مواعيد العمل وحتى العلاقات بين الناس. ونظام توزيع المياه لم يكن عشوائياً، بل كان قائماً على العدل والدقة، وهو ما زرع في نفوس الأهالي احترام النظام قبل القوانين. هذا الدور الحيوي لا يزال حاضراً في ذاكرة المزارعين حتى اليوم».
الهُوية الثقافية
أبو سالم يقول إن تأثير الفلج لا يقتصر على الزراعة فقط، بل يمتد ليشكل جزءاً من الهوية الثقافية للمنطقة.
مريم الكندي، المهتمة بالتراث، تصف فلج حتّا بأنه درس مفتوح في الذكاء الإنساني. وقدرة الأجداد على شق قنوات الماء في الجبال، من دون أدوات حديثة تعكس عمق فهمهم للطبيعة، وهو تراث يجب أن يُروى للأجيال الجديدة، لا أن يُختصر في صور عابرة.
المقاصد التراثية
ويرى زايد عادل، أن جهود الدولة في الحفاظ على هذه المقاصد التراثية تؤكد حرصها على صون ماضي الأجداد وإنجازاتهم. وفلج حتّا شُق أساساً لتلبية احتياجات الناس الزراعية في بيئة جبلية صعبة، وهو الغرض الأساسي من وجوده حتى الزوار يشعرون بروح المكان.
ويصف محمد الشحّي، أحد زوار حتّا من دبي، سيره بمحاذاة الفلج بأنه «رحلة داخل تاريخ.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الخليج الإماراتية
