خط «غرين ستريم» بين ليبيا وإيطاليا.. هل يحقق قفزة في تصدير الغاز؟

بين طموح ليبي بالتحول إلى بوابة غاز لأوروبا، وواقع تشغيلي لا يتجاوز 20% من الطاقة التصديرية، يقف خط «غرين ستريم» الواصل بين ليبيا وإيطاليا عند مفترق حاسم. خط أُنجز منذ أكثر من عقدين ليكون جسراً استراتيجياً للغاز نحو السوق الأوروبية، لكنه اليوم يثير تساؤلات عميقة حول قدرة ليبيا، سياسياً واقتصادياً، على تحويل بنيتها التحتية الجاهزة إلى نفوذ طاقي فعلي في واحدة من أكثر أسواق الطاقة تنافسية.

مسؤول نفطي ليبي سابق وخبير اقتصاد تحدثا لـ«إرم بزنس»، يرون أن هذا الخط الذي بدأ في 2004 عبر خط أنابيب تحت سطح البحر للغاز الطبيعي من ليبيا إلى إيطاليا، يمكن أن يحقق قفزة في معدلاته الحالية ليكون رقماً في صناعة نقل الغاز لأوروبا وليس روما فقط، شريطة إبرام شراكات اقتصادية عبر تنافسية مالية وقانونية، وإنهاء الانقسام السياسي بالبلاد.

وكان وزير النفط والغاز الليبي خليفة عبد الصادق كشف في تصريحات هذا الشهر أن خط نقل الغاز غرين ستريم الممتد لإيطاليا يعمل حالياً بأقل من 20% من قدرته التصديرية، رغم ما تمتلكه ليبيا من إمكانات كبيرة وبنية تحتية جاهزة، لافتا إلى أن ليبيا تنظر إلى السوق الأوروبية باعتبارها السوق الأقرب والأكثر وعدا.

وأكد أن بلاده تمتلك واحداً من أكبر مخزونات الغاز في المنطقة، إذ تُقدَّر المصادر التقليدية بنحو 70 تريليون قدم مكعب، بينما تجاوزت تقديرات المصادر غير التقليدية تريليون قدم مكعب، وربما تصل إلى 200 تريليون قدم مكعب.

وتعتمد ليبيا على حوالي 98% من احتياجاتها للطاقة من النفط والغاز، فيما تقدر احتياطياتهما شبه الرسمية، بنحو 48.8 مليار برميل نفط و 1.4 تريليون متر مكعب من الغاز، بينما يمثل النفط القوة الدافعة للاقتصاد الليبي حيث يشكل قرابة 96% من الصادرات، وما يصل إلى نحو 98% من إيرادات خزينة الدولة.

عجز بالنقد الأجنبي وتراجع إيرادات النفط.. إلى أين يتجه اقتصاد ليبيا؟

حوافز استثمارية

ويرى رئيس منتدى بنغازي للتطوير الاقتصادي والتنمية المحلل الاقتصادي، خالد بوزعكوك، في حديث لـ«إرم بزنس»، إمكانية تحقيق قفزة في تصدير الغار عبر الخط «غرين ستريم» بين ليبيا وإيطاليا، وذلك عبر تقديم حوافز استثمارية تنافسية مالية وقانونية لجذب شركات النفط العالمية.

ويعتقد أن هذه الحوافز ستساهم في رفع كفاءة المنشآت وتحديث وتطوير الآبار القديمة وخطوط النقل مما يرفع من إنتاجية الآبار والحقول خاصة خط «غرين ستريم» الاستراتيجي الذي يمهد ليبيا لجني أكبر مكاسب من أوروبا حين يحقق قفزة مستقبلية.

لكن أهم تحد، يراه بوزعكوك، في طريق تحقيق قفزة في إنتاج خط غرين ستريم هو كيفية تحقيق حالة الاستقرار السياسي والمؤسسي والأمني وإيجاد حكومة منتخبة واحدة مما يعزز من جهود توحيد الجيش الوطني الليبي وينهي سيطرة المليشيات على مواقع إنتاج الغاز وموانئ التصدير.

ونبه المحلل الاقتصادي، خالد بوزعكوك، إلى أن تلك المواقع شهدت حالات متعددة من الإغلاق السنوات الأخيرة، مما استدعى معه قيام المؤسسة الليبية للنفط بفرض حالة القوة القاهرة على الحقول والموانيء النفطية ويترتب عليه إيقاف إمدادات الغاز الى إيطاليا مرات سابقة، وتعطيل خط غرين ستريم الاسترتيجي.

وجراء صراعات مسلحة واضطرابات سياسية تكبد قطاع الطاقة خسائر مليارية لأكثر من عقد من الزمن بسبب إغلاقات بين الحين والآخر كبّدت القطاع خسائر تصل إلى نحو 100 مليار دولار منذ عام 2011، وفق إحصاءات رسمية.

جانب من ميناء البريقة النفطي على بعد 270 كيلومتراً غرب مدينة بنغازي شرقي ليبيا يوم 24 سبتمبر 2020

مسار استراتيجي معطل

ولسنوات ماضية بمسار ذلك الخط، يعود المستشار السابق بوزارة النفط والخبير بقطاع الطاقة الدكتور أحمد الغابر، في حديث لـ«إرم بزنس»، قائلاً: «هذا الخط صمم في بدايته لنقل قرابة 800 مليون قدم مكعب من الغاز الجاف في اليوم إلى إيطاليا يتم إنتاجها من أحد الحقول البحرية يضاف إليه بعض الغاز المنتج من حقل غاز آخر يقع جنوب مدينة غدامس في غرب ليبيا».

وفي بداية الإنتاج والتصدير في سنة 2004 كان الإنتاج الكلي اليومي من الغاز يكفي لملء طاقة الخط حسب المتفق عليه مع توفير كميات أخرى كافية للاستهلاك المحلي الليبي لتوليد الكهرباء، حسب العقد المبرم بين مؤسسة النفط الليبية وشركة إيني الإيطالية، وفق «الغابر».

ومع تزايد حاجة السوق الليبي، بسبب ارتفاع حاجة محطات توليد الكهرباء من الغاز، تزايد معدل الغاز الموجه للسوق المحلي مما قلص كثيرا من معدل الغاز المصدر إلى إيطاليا عبر خط «غرين ستريم» إلى حوالي ربع المعدل الأساسي، وفقا لـ«الغابر».

وتعاني ليبيا، منذ 2011، من عجز بالكهرباء، جراء عدة أسباب، بينها أزمات عدم الصيانة والأعطال التي تواجه 10 محطات كبرى في البلاد، وكذلك أعمال تخريبية وسط صراع حكومتين شرق وغرب البلا وعجز يصل إلى 1000 ميغاواط شتاءً، وأكثر من 2500 ميغاواط صيفاً، رغم إنتاج للطاقة الكهربائية، بين 5.5 و8 آلاف ميغاواط يومياً، مما دفع لخروج احتجاجات متكررة منذ 2020.

ويبلغ إنتاج الغاز الطبيعي اليومي في ليبيا 220 ألفاً و638 برميلاً مكافئاً يومياً، تصدّر ليبيا 24% من إنتاجها من الغاز الطبيعي، والباقي يوزع 49% للاستخدام المحلي، و11% للتشغيل و16% للحرق، وفق إعلام ليبي.

مسؤول بمصرف ليبيا: طباعة 60 مليار دينار حل مؤقت لأزمة السيولة

عراقيل محتملة

ومنذ سنوات، تعمل كل من مؤسسة النفط الليبية وشركة «إيني» على تطوير حقلين للغاز قريبين من العمليات الحالية لدعم الإنتاج لسد الاحتياج المحلي وكذلك لتوفير الغاز المطلوب للتصدير عبر الخط، وفق «الغابر»، الذي أشار إلى أن هذا المشروع يواجه الكثير من التعطيل بسبب تفاقم حالة البلاد السياسية والأمنية وتعقيد إجراءات التمويل والتنفيذ.

وأوضح المسؤول الليبي النفطي السابق أحمد الغابر أن هذه التحديات القانونية والسياسية واللوجستية تقف عثرة أمام تطوير مواقع إنتاج الغاز اللازم لتلبية احتياجات السوق المحلي الليبي وكذلك لسد احتياج التصدير لاسيما عبر الخط الممتد لإيطاليا.

ويعتقد الغابر أن الحديث عن توفر طاقة إضافية في هذا الخط للمشاركة في أي مشروع تصدير غاز من أفريقيا إلى أوروبا يعتبر مجرد تخطيط نظري ومشروط لأنه يعتمد كثيراً على مدى تنفيذ مشاريع زيادة إنتاج الغاز في ليبيا من الحقول المكتشفة والتي قد بجري اكتشافها في المستقبل.

ويخلص إلى أن صناعة الغاز في ليبيا ورغم مقدراتها الكبيرة والقادرة على أن تكون مصدر فعال لتوفير قدر كبير من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي إلا أن وضع هذه المقدرات الغازية الطموحة على الإنتاج تجابه عراقيل وصعوبات سياسية ولوجستية.

وأكد المسؤول الليبي السابق أنه يجب على كل الأطراف المعنية ليبية ودولية العمل بجد وصبر لوضع هذه الحقول الغازية على الإنتاج لسد الاستهلاك المحلي الليبي وكذلك للتصدير حسب المتاح عبر خط غرين ستربم كما هو مخطط له.

خطوات طموحة

ورغم تلك التحديات، تمتلك ليبيا رؤية طموحة، فحسب وزير النفط الليبي، فإن موقع ليبيا الاستراتيجي بين أفريقيا وأوروبا يتيح لها أن تكون مركزاً إقليمياً لتجميع الغاز الأفريقي وتصديره نحو الاتحاد الأوروبي ولاسيما عبر هذا الخط الحالي.

وأشار عبد الصادق إلى أن أوروبا تستورد غالبية احتياجاتها عبر الغاز المسال، في حين يبقى الغاز المنقول عبر الأنابيب أقل تكلفة بكثير، وهو ما يجعل ليبيا، بحسب قوله، مرشحة لأداء دور محوري في توفير بدائل ميسرة وآمنة لتصدير الغاز إلى أوروبا.

وطرحت ليبيا 22 منطقة للتنقيب عن النفط وللتطوير في أول جولة من نوعها منذ أكثر من 17 عاماً بعد أن شهدت البلاد صراعات مسلحة واضطرابات سياسية منذ فترة طويلة.

وفي نوفمبر الماضي، قالت المؤسسة الليبية إن هذه المشاريع المتمثلة في طرح 22 قطعة للاستكشاف، منها 11 بحرية وأخرى برية، ستزيد من احتياطي ليبيا من النفط الخام والغاز، الذي يساعد في زيادة الإنتاج، ما يشكل ضماناً لمستقبل اقتصادي آمن لليبيين.


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

منذ 11 ساعة
منذ ساعة
منصة CNN الاقتصادية منذ 20 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعة
قناة CNBC عربية منذ 11 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 13 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 11 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 6 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 17 ساعة
منصة CNN الاقتصادية منذ 8 ساعات