كيف ترحل عني وأنت تسكنني؟

بقلم: د. جهان عيسى أبوراشد العمران

معك تبدأ حكايتي ومعك لا تنتهي. إني أكتب هذه السطور وأنا ما زلت عاجزة على أن أناديك بصيغة الماضي، وكيف أستوعب أن زوجي، وتوأم روحي، ورفيق دربي، وأب أبنائي، وحب حياتي قد غاب جسداً، وبقي خياله يمشي معي أينما ذهبت. كنت أظن أن الفراق حدثٌ يقع في نهاية الحكاية، فاكتشفت أنه بداية حكاية أخرى: حكاية امرأة تحاول أن تجمع شتات عمرٍ كامل عاشته مع من أحبّت، لتكتبه كلمةً كلمة، ودمعةً دمعة، خلف كل سطر.

سرنا معاً أول الدرب، من بيروت حيث كنا طلاباً في الجامعة الأمريكية، ثم انتقلنا إلى البحرين لنستقر فيها فترة من الزمن، قبل أن نحمل طموحنا معنا ونغادر إلى الولايات المتحدة مع أطفالنا لنكمل الدراسات العليا، ثم عدنا إلى الوطن الحبيب، لنواصل مشوار حياةٍ كان مليئاً بالعطاء والإنجاز، ومزدحماً بالحلم والعمل والإيمان بالمستقبل.

لم نكن نعلم يومها أن أعظم ما سنبنيه لن يكون شهادة تُعلَّق، ولا منصباً يُذكر، بل حياةٌ كاملة تشاركنا فيها الفرح والحزن، مشينا دروبها يداً بيد، وقلوباً تشابكت حتى ذابت الحدود بينها، فصرنا جسدين بروح واحدة. كانت شراكةً نادرةً في السراء والضراء؛ نتقاسم فيها الضوء حين يشرق، ونتكئ على بعضنا حين تشتدّ العواصف. حبٌّ نما بالثقة، وامتدّ بالوفاء، وباركه الله فجعل منه سكناً للروح، ومودّةً لا تذبل، ورحمةً تبقى ما بقي العمر.

لم تكن بالنسبة إليّ زوجاً فحسب، بل وطناً أطمئن إليه، وبيتاً ألوذ به، وصديقاً أشارك معه همومي الصغيرة قبل قراراتي الكبيرة. عشنا معاً كل وجوه الحياة؛ جميلها وقاسيها. واجهنا الدروب الوعرة، وكنتَ دائماً أنت لي البطل الظافر، الذي لا تهتدي إلى دربه طيور اليأس، ولا ترسو عند مرافئ حياته قوارب الحزن. كبرنا معاً، وتعلمنا معاً، وضحكنا وحزنا معاً، وأكلنا وشربنا معاً، وعرفنا الجميع بـ"ظافر وجهان"، وسافرنا معاً في رحلات جميلة حول العالم، ولكن رحلتي في حياتي معك كانت هي الأجمل. واليوم أشعر أنني طائر مكسور الجناح، وورقة خريف تتقاذفها الرياح، لكنني أؤمن أن الله لا يترك قلباً منكسراً بلا جبر.

لقد ورثت حبّ الناس من أمك السيدة سلوى العمران صفاءً ورحمةً وقلباً مفتوحاً للجميع، وورثت حبّ الوطن من أبيك الأستاذ المرحوم الأستاذ أحمد العمران، مربي الأجيال، صدقاً في الانتماء وأمانةً في المسؤولية. حملت البحرين في قلبك أينما حللت. كنت قلباً بحرينياً بوجه إنساني. كم كنت تشعر بالاعتزاز بأنك بحريني، ولكن تحمل في دمك مزيجاً مدهشاً من دول العالم يعكس شخصيتك ذات الطابع الإنساني الرائع، فأمك من أصول لبنانية وجدتك لأبيك عمانية، وأمها من ميانمار، وجدتك لأمك بريطانية. وشاء القدر أن تتزوج فتاة من أصل فلسطيني، جاءت صغيرة إلى أرض البحرين الطيبة، حيث شهدت ولادتها الحقيقية، واحتضنتها هذه الأرض المعطاء زوجةً وأمّاً وجدة وإنسانة، لتشعر تجاه وطنها البحرين بكل الحب والعرفان والولاء، فجمعت الوطنين في قلب واحد.

وعلى امتداد رحلتنا معاً، عشنا في مناخٍ إنسانيٍ رحب، يسوده التسامح الديني والثقافي، ولا يعرف التمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو العقيدة أو الخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية. وبحكم عملك الدبلوماسي، اتسعت دوائر حياتنا لتضمّ أصدقاء من شتى بقاع العالم، ربطتنا بهم علاقات مودة واحترام وإنسانية صادقة. ومع ذلك، لم يغادرنا يوماً شعور الانتماء العميق لوطننا البحرين؛ وكنا، في الوقت ذاته، نتمسّك بجوهر ديننا الإسلامي الحنيف تمسّك وعيٍ ومحبة، بلا تزمّتٍ ولا تعصب، بل بإيمانٍ منفتح، يرى في الإنسان قيمة عليا، وفي الاختلاف جمالاً يُغني.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن البحرينية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الوطن البحرينية

منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
صحيفة الوطن البحرينية منذ 10 ساعات
صحيفة الأيام البحرينية منذ 16 ساعة
صحيفة الوطن البحرينية منذ 6 ساعات
صحيفة البلاد البحرينية منذ 18 ساعة
صحيفة الوطن البحرينية منذ 9 ساعات
صحيفة الوطن البحرينية منذ 10 ساعات
صحيفة البلاد البحرينية منذ 5 ساعات
صحيفة البلاد البحرينية منذ 13 ساعة