مؤتمر روسيا إفريقيا: عندما حسمت موسكو الجدل وأسقطت أوهام الكيانات الوهمية

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

جاء البيان الختامي لمؤتمر روسيا إفريقيا ليضع حدًا لمحاولات متكررة لإقحام قضايا انفصالية في فضاءات دولية لا تعترف إلا بالدول ذات السيادة الكاملة. ففي وقت كانت فيه جبهة البوليساريو تروّج، عبر منصات افتراضية وإعلام موازٍ، لإمكانية اختراق هذا الموعد الدولي، جاء الموقف الروسي واضحًا وصارمًا: لا مكان إلا للدول الإفريقية المعترف بها دوليًا.

هذا الموقف لم يكن تفصيلاً بروتوكوليًا، بل رسالة سياسية دقيقة تعكس تحولًا متزايدًا في طريقة تعاطي القوى الدولية مع النزاعات الإقليمية، وخاصة تلك المرتبطة بكيانات غير معترف بها من قبل الأمم المتحدة. فقد شدد البيان الختامي للمؤتمر على أن المشاركة اقتصرت حصريًا على الدول الإفريقية ذات السيادة، المعترف بها أمميًا وإقليميًا، في احترام صريح لمبدأ السيادة الوطنية وعدم المساس بالثقة بين الشركاء.

رفض روسي حاسم وضغوط جزائرية فاشلة

ووفق مصادر متطابقة، فإن الجانب الروسي رفض طلبًا تقدمت به الجزائر لإشراك ما يسمى جبهة البوليساريو في فعاليات المؤتمر، رغم الضغوط الدبلوماسية التي مورست في هذا الاتجاه. ويُعد هذا الرفض بمثابة صفعة دبلوماسية واضحة لكل الأطراف التي ما تزال تراهن على تسويق كيان يفتقد إلى أي أساس قانوني أو اعتراف دولي حقيقي.

الموقف الروسي هنا لا يمكن فصله عن رؤية موسكو للعلاقات الدولية القائمة على التعامل مع الدول، لا مع الحركات أو الكيانات التي لا تتوفر على مقومات الدولة. فروسيا، التي تتبنى خطابًا مباشرًا وغير قابل للتأويل، بعثت برسالة مفادها أن المنتديات الدولية ليست فضاءات للمناورة السياسية أو تصفية الحسابات الإقليمية.

الصحراء المغربية خارج دائرة الجدل

ضمن هذا السياق، يكتسب الموقف الروسي دلالة خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. فاستبعاد البوليساريو، ورفض إدراجها ضمن أي إطار رسمي للمؤتمر، يعكس ضمنيًا الاعتراف بحقيقة أن هذا الكيان لا يشكل طرفًا دوليًا ذا صفة قانونية. وهو ما ينسجم مع الدينامية الدولية المتزايدة التي باتت تتعامل مع الملف من زاوية السيادة المغربية والحلول الواقعية، وفي مقدمتها مبادرة الحكم الذاتي.

اللافت أن هذا الموقف لم يكن معزولًا أو استثنائيًا، بل جاء منسجمًا مع مواقف سابقة في عواصم وازنة، سواء في موسكو أو القاهرة أو عواصم إفريقية أخرى، حيث باتت الأطروحة الانفصالية خارج الحسابات السياسية الجدية.

تحول في ميزان الخطاب الدولي

إن ما جرى في مؤتمر روسيا إفريقيا يعكس تحولًا واضحًا في ميزان الخطاب الدولي، حيث لم تعد الشعارات الثورية أو الخطابات الانفصالية تجد آذانًا صاغية في المحافل الكبرى. فالعالم اليوم يبحث عن الاستقرار، الشراكات الاقتصادية، واحترام سيادة الدول، لا عن إعادة إنتاج نزاعات مصطنعة تجاوزها الزمن.

في المقابل، يبدو أن البوليساريو وحلفاءها ما زالوا أسرى خطاب قديم، يراهن على الضجيج الإعلامي بدل الشرعية الدولية، وعلى المنصات الافتراضية بدل المؤسسات الرسمية. غير أن الواقع، كما أثبته مؤتمر روسيا إفريقيا، بات أكثر وضوحًا: لا اعتراف، لا حضور، ولا مكان لكيانات غير شرعية في النظام الدولي المعاصر.

خلاصة

ببيان مختصر لكنه حاسم، أسقطت موسكو آخر الأوهام المتبقية لدى دعاة الانفصال، وأكدت أن زمن التلاعب بالمفاهيم القانونية قد ولى. الصحراء مغربية في منطق السيادة، والبوليساريو خارج معادلة العلاقات الدولية، لا في موسكو، ولا في غيرها من العواصم التي باتت تنظر إلى المستقبل بعين الواقعية لا الأوهام.


هذا المحتوى مقدم من جريدة أكادير24

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة أكادير24

منذ 8 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 14 ساعة
هسبريس منذ 15 ساعة
هسبريس منذ 8 ساعات
هسبريس منذ 13 ساعة
هسبريس منذ 6 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات
آش نيوز منذ 16 ساعة
هسبريس منذ 7 ساعات