في هذا الشهر من كل عام، يتقاطع احتفالان ذوا دلالة خاصة: اليوم العالمي للغة العربية، وذكرى رحيل الشاعر الفيلسوف الفارسي عمر الخيام. ولعلّ هذا التزامن يمنحنا فرصة نادرة للوقوف أمام واحد من أعظم النصوص الشعرية التي عبرت اللغات والثقافات، وأثارت من الجدل والتأويل ما لم يثره ديوان آخر: «رباعيات الخيام».
لي مع هذه الرباعيات حكاية شخصية تعود إلى سنوات الدراسة الجامعية في مدينة مومباي الهندية، حين قُدّر لي أن أشارك في إعادة طباعة وإصدار ديوان شاعر البحرين وأديبها الكبير الأستاذ إبراهيم العريض لترجمته العربية للرباعيات. كانت تلك التجربة مدخلًا معرفيًا وإنسانيًا عميقًا إلى عالم الخيام، لا بوصفه شاعر خمر ولذة كما يُختزل أحيانًا، بل مفكرًا قلقًا، مشدودًا بين العلم والإيمان، واليقين والشك، والحياة والفناء.
في نهاية العام 1971، وخلال زيارة قصيرة للبحرين، التقيت إبراهيم العريض أكثر من مرة، وأبدى رغبته في أن تُطبع نسخته التالية من «رباعيات الخيام» في الهند، مستخدمة الخط الفارسي. وبعد عودتي إلى مومباي، توالت المراسلات بيننا بشأن تفاصيل الطباعة، وهي مراسلات وثّق جانبًا منها الباحث والمؤرخ الدكتور منصور سرحان في كتابه «مراسلات إبراهيم العريض الأدبية؛ 1943 - 1996». وبالفعل، أُنجزت المهمة في نهاية العام 1972، وشُحنت النسخ إلى البحرين، في تجربة ما تزال حاضرة في الذاكرة بوصفها لحظة ثقافية خالصة.
عَرفَت «رباعيات الخيام» طريقها إلى العالمية مبكرًا، وكان الفضل الأكبر في ذلك يعود إلى ترجمة المستشرق الإنجليزي (إدوارد فيتزجيرالد)، التي فتحت أبواب الشرق على مصراعيها أمام القارئ الأوروبي، وأسهمت في تنشيط حركة الاستشراق والاهتمام بالفلسفة والشعر الفارسيين. والمفارقة أن الخيام عُرف في الغرب قبل أن يُعرف عربيًا على نطاق واسع.
وعلى امتداد القرن العشرين، تسابق كبار الشعراء العرب إلى ترجمة الرباعيات، حتى تجاوز عدد الترجمات الخمسين، بين من ترجم عن الفارسية مباشرة، ومن استند إلى الوسيط الإنجليزي. من بين هؤلاء: أحمد الصافي النجفي، ووديع البستاني، ومحمد السباعي، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم العريض وغيرهم. وتُعد ترجمة وديع البستاني من أوائل المحاولات العربية، وقدّم لها المنفلوطي بالعام 1911، مستلهمًا ترجمة فيتزجيرالد.
غير أن كثيرًا من النقاد يرون أن الترجمة الأبرز والأكثر تأثيرًا كانت من نصيب الشاعر المصري.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة البلاد البحرينية
