وداعاً لبطاقة المترو.. نيويورك تطوي صفحة «التمرير» وتدخل عصر اللمس

في نيويورك، لم يكن «التمرير الخاطئ» مجرد خطأ عابر، بل طقساً يومياً يختبر صبر الملايين، بطاقة المترو، الزرقاء والصفراء، التي علّمت أجيالاً كيف يعبرون البوابات الدوّارة، تستعد لمغادرة المشهد نهائياً، ومع بداية العام الجديد تنتهي حقبة كاملة من تاريخ النقل في المدينة، لتبدأ مرحلة أسرع. لأكثر من ثلاثة عقود، شكّلت بطاقة المترو جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية في نيويورك، سواء لسكانها أو لزوارها. منذ إطلاقها عام 1994 من قبل هيئة النقل في المدينة، لم تكن مجرد وسيلة دفع، بل تجربة مشتركة، من تمرير سريع أكثر من اللازم، أو بطيء، أو بالاتجاه الخطأ، يعقبه اصطدام البوابة بالمستخدم في لحظة محرجة يعرفها الجميع.

اعتبر كثيرون أن إتقان تمرير البطاقة علامة «مواطنة نيويوركية» غير مكتوبة، يقول مايك غلينويك، وهو من سكان المدينة منذ طفولته، إن الخطأ في التمرير كان يشعره وكأنه لم يصبح نيويوركياً حقيقياً بعد.

المفارقة أن غلينويك نفسه بدأ جمع البطاقات منذ كان في السادسة من عمره، ليكوّن لاحقاً مجموعة تقارب مئة بطاقة، بعضها يوثّق لحظات رياضية وثقافية بارزة في تاريخ المدينة.

نظام أومني: المستقبل للمس قرار هيئة النقل وقف بيع بطاقات المترو بدءاً من الأول من يناير كانون الثاني لا يعني اختفاءها فوراً، إذ ستظل البطاقات الموجودة صالحة للاستخدام إلى أن يُعلن عن موعد نهائي لاحق. لكن الرسالة واضحة وهي أن المستقبل لن يكون للتمرير، بل للمس، نظام أومني OMNY، أو «مترو واحد لنيويورك»، يعتمد على الدفع غير التلامسي عبر الهواتف الذكية أو الساعات الذكية أو البطاقات البنكية، وحتى بطاقات أومني المخصصة.

البداية.. من العملات المعدنية إلى البطاقة التحول لم يأتِ من فراغ، قبل بطاقة المترو كانت العملات المعدنية هي وسيلة الدفع الأساسية منذ خمسينيات القرن الماضي، ورغم بساطتها قيّدت النظام وأعاقت مرونته. فتحت بطاقة المترو الباب أمام مفهوم القيمة المخزنة، والاشتراكات الشهرية، والأهم هي الانتقالات المجانية بين الحافلات والقطارات، وهو ما غيّر سلوك التنقل في المدينة وخفّض الكلفة على ملايين المستخدمين.

الجانب الاقتصادي.. توفير وتحفيز اقتصادياً، ترى الهيئة أن الانتقال إلى أومني سيوفّر نحو 20 مليون دولار سنوياً من تكاليف إنتاج البطاقات وصيانة آلات البيع وجمع النقد. كما يمنح الركاب تلقائياً أفضل تسعيرة أسبوعية بعد عدد معيّن من الرحلات، من دون الحاجة إلى حسابات مسبقة أو شراء باقات محددة.

لكن الوجه الآخر للقصة لا يخلو من قلق، الاعتماد المتزايد على الدفع الإلكتروني يثير مخاوف بشأن شمول غير المتعاملين مع البنوك. صحيح أن بطاقات أومني لا تزال متاحة نقداً مقابل دولار واحد، لكن كثيرين يرون أن الابتعاد عن النقد مسألة وقت.

البطاقة كرمز ثقافي بعيداً عن الاقتصاد والتقنية، تبقى بطاقة المترو رمزاً ثقافياً، صُمّمت لتُجمع، لا لتُستخدم فقط، منذ 1994 صدرت مئات الإصدارات التذكارية التي خلدت أحداثاً تاريخية وفنية ورياضية، من سنتنيال غراند سنترال إلى ديفيد بوي وذا نوتوريوس بيغ. تحوّلت البطاقة إلى مادة فنية بحد ذاتها، استخدمها فنانون مثل توماس ماكين في لوحات ومنحوتات عُرضت داخل نيويورك وخارجها.

اليوم، ومع اقتراب النهاية، لا يرفض الجميع التغيير، لكن الحنين حاضر بقوة، يلخّص غلينويك الشعور ببساطة، وهو أن جزءاً من الطفولة يختفي، ولا يريد التخلي عنه قبل أن يُجبر على ذلك. نيويورك تمضي قدماً، لكن آثار «التمرير» ستبقى عالقة في الذاكرة، حتى بعد أن تصبح البوابات لا تطلب سوى لمسة.

(CNN، إليزابيث باتشوالد)


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 4 ساعات
منذ 22 دقيقة
منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ ساعتين
منصة CNN الاقتصادية منذ ساعة
قناة CNBC عربية منذ 7 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 11 ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 19 دقيقة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 3 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 3 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 5 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 6 ساعات