«مصحات علاج الإدمان غير المرخصة» شبكة خفية تتاجر بآلام المرضى.. كيف تحوَّلت إلى سجون خاصة؟.. عاجل

في شارع جانبي هادئ، لا تحمل البناية أي لافتة طبية، لكن الجيران يعرفون جيدًا ما يحدث بالداخل. سيارات تأتي ليلًا، شباب يدخلون مكبلين، وصراخ يتسلل أحيانًا من النوافذ المغلقة. هذا ليس سجنًا، بل "مصحة علاج إدمان" تعمل دون ترخيص، في واحدة من عشرات البؤر المشابهة المنتشرة في عدة محافظات.

سوق سوداء لعلاج الإدمان تحول علاج الإدمان خلال السنوات الأخيرة إلى سوق موازية، خارج إطار الدولة، تُقدَّر أرباحها بملايين الجنيهات سنويًا. تستغل هذه المصحات 3 عوامل رئيسية: و هي وصمة الإدمان التي تدفع الأسر للبحث عن علاج سري، و قلة الأماكن الحكومية المجانية أو منخفضة التكلفة، وضعف وعي الأسر بشروط الترخيص الطبي.

يقول مصدر طبي مطلع إن بعض المصحات غير المرخصة تتقاضى ما بين 10 إلى 25 ألف جنيه شهريًا للمريض، دون تقديم أي خدمة علاجية حقيقية.

من يدير هذه المصحات؟ كشفت "بوابة الأهرام" أن أغلب المصحات غير المرخصة و يديرها متعافون سابقون بلا تأهيل علمي. أو سماسرة يعملون بالعمولة مع صفحات إلكترونية وأحيانًا أشخاص خارجين على القانون يستخدمون المصحة كغطاء.

ولا يوجد طبيب مقيم، وفي أحسن الأحوال يزور المكان طبيب "بالقطعة" دون تسجيل رسمي أو إشراف حقيقي.

رحلة المريض.. من باب البيت إلى غرفة الحبس تبدأ القصة عادة بمكالمة هاتفية. وعود براقة "سحب السموم في 7 أيام- بدون ألم سرية تامة". ثم تأتي سيارة خاصة، أحيانًا بالقوة، ليُقتاد المريض إلى مكان مجهول. منذ اللحظة الأولى: يُصادر هاتفه، يُمنع من التواصل مع أسرته، يُحبس في غرفة مغلقة تحت مسمى "التأهيل".

تعذيب مقنّع باسم العلاج بحسب شهادات متعددة، تعتمد هذه المصحات على: الضرب المبرح " لضبط السلوك، التقييد لفترات طويلة، الحرمان من النوم والطعام، إجبار المرضى على تنظيف المكان أو خدمة آخرين".

يقول أحد الناجين: "كانوا يقولون: الألم ده علاج.. لو صرخت يزيد الضرب".

ولا تُستخدم أدوية طبية معتمدة لسحب السموم، ما يعرض المرضى لمضاعفات خطيرة مثل التشنجات، الهلوسة، أو توقف عضلة القلب.

مصحات الإدمان غير المرخصة

حالات وفاة تُطوى في صمت سجّل التحقيق شهادات غير رسمية عن وفيات داخل مصحات غير مرخصة، يتم التعامل معها بإحدى الطرق: إبلاغ الأسرة أن الوفاة " قضاء وقدر" نقل الجثمان إلى مستشفى حكومي بعد الوفاة. الضغط على الأهل لعدم تحرير محضر مقابل تسوية مالية.

غياب الإبلاغ الرسمي يجعل الأرقام الحقيقية غير معروفة، ويحول الضحايا إلى مجرد أرقام غير مُسجَّلة.

أين الدولة؟ بحسب القانون، لا يجوز إنشاء مصحة علاج إدمان إلا بترخيص من وزارة الصحة، وتحت إشراف طبيب نفسي متخصص، فريق تمريض مؤهل، برنامج علاجي معتمد.

لكن الواقع يكشف قلة حملات التفتيش المفاجئة، سهولة التحايل عبر تغيير أسماء الأماكن، بطء غلق المصحات المخالفة، التي تعاود العمل بأسماء جديدة.

و يعترف مسئول سابق بأن بعض المصحات تُغلق "على الورق" فقط.

مصحات الإدمان غير المرخصة

أسر بين الخوف والندم أغلب الأسر لا تبلغ عن الانتهاكات، خوفًا من الفضيحة المجتمعية و عودة المريض للانتكاس، و التعقيدات القانونية.

تقول والدة أحد الضحايا: "سلمته لهم عشان يتعالج رجع لي إنسان محطم".

خبراء يحذرون.. الخطر يتضاعف و في هذا الصدد، يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن ظاهرة مصحات علاج الإدمان غير المرخصة بدأت في الظهور في مصر منذ نحو خمسة عشر إلى عشرين عامًا، بالتزامن مع ازدياد الحديث عن علاج الإدمان وارتفاع تكلفة العلاج النظامي، خاصة في أوائل التسعينيات. ففي تلك الفترة كانت بعض المصحات المرخصة تتقاضى ما بين 100 إلى 120 ألف جنيه شهريًا، وهو مبلغ ضخم جدًا بمقاييس ذلك الزمن.

مصحات الإدمان غير المرخصة

من التعافي إلى "البيزنس" ويضيف أن بعض المدمنين الذين سبق لهم العلاج، أو من لم يتعالجوا أصلًا، تصوروا أن علاج الإدمان مجرد أدوية تُصرف، فقرروا إنشاء مصحات بأنفسهم. اعتقدوا أن الخبرة الشخصية تكفي، وأن إعطاء المريض دواء للنوم أو مضاد اكتئاب يعني انتهاء المشكلة، وهو تصور خاطئ تمامًا.

الإدمان مرض.. وليس وصفة دواء يشدد الدكتور فرويز، على أن الإدمان مرض عضوي ونفسي، قد يكون مزمنًا أو مرتدًا، وقد يصل إلى حد القتل. علاجه لا يقتصر على الدواء، بل يعتمد على برامج علاجية متكاملة، مثل برامج "الخطوات الاثنتي عشرة"، التي تهدف إلى إعادة بناء شخصية المريض وتغيير نمط حياته. نصف العلاج على الأقل أن يكون المريض راغبًا في التعافي، وهو ما لا يحدث إطلاقًا في هذه المصحات.

الخطف بدل العلاج يوضح أن المصحات غير المرخصة تعتمد على إرسال أشخاص أحيانًا بلطجية لخطف المريض من منزله بموافقة أسرته، دون أي إعداد نفسي أو طبي. ولهذا نجد كثيرًا من المرضى يعيشون في حالة رعب دائم، وبعضهم يحتفظ بسكين أو مقص تحت الوسادة، خوفًا من تكرار التجربة.

جرائم خرجت من خلف الأسوار ويحذر الدكتور فرويز من أن هذه الممارسات أدت إلى جرائم بشعة، حيث شهدنا حالات قتل داخل الأسرة نفسها، نتيجة الضغوط والعنف الذي تعرض له المريض داخل تلك الأماكن. كما سجلت حوادث اعتداءات مسلحة على بعض المصحات، منها واقعة مؤكدة في الإسماعيلية.

لا أطباء.. ولا علاج يؤكد أن أغلب هذه المصحات لا يوجد بها أي طبيب متخصص. وفي بعض الأحيان يتم الاستعانة بطبيب شاب يمر مرة واحدة أسبوعيًا، يكتب أدوية عامة مثل منومات أو مضادات اكتئاب ثم يرحل. هذا لا يمت للعلاج الحقيقي بصلة، خاصة مع الحالات الخطيرة.

مصحات الإدمان غير المرخصة

المخدرات المستحدثة.. قنبلة موقوتة يشير الدكتور فرويز إلى خطورة المخدرات المستحدثة، التي تؤدي في 4 إلى 5% من الحالات إلى الإصابة بأمراض عقلية شديدة، مثل الهلاوس السمعية والبصرية والضلالات واضطرابات التفكير. هذه الحالات تحتاج إلى مستشفيات نفسية متخصصة، وليس أماكن عشوائية لا تفهم طبيعة المرض.

أوضاع غير آدمية داخل المصحات يكشف استشاري الطب النفسي، أن أوضاع المرضى داخل هذه المصحات بالغة السوء: أماكن ضيقة، أعداد كبيرة، غذاء سيئ، غياب كامل للبرامج العلاجية، واعتماد شبه كامل على أدوية النوم. ويشبه الوضع بـ"سجن قطاع خاص"، وليس منشأة علاجية.

العنف والوفيات ويؤكد أن وفاة مريض داخل أي مستشفى أمر وارد طبيًا، لكن الفارق أن هناك أسبابًا واضحة ومحاولات إنقاذ. أما في المصحات غير المرخصة، فكثير من الوفيات تكون نتيجة الضرب والتعذيب وسوء المعاملة، وهي جرائم مكتملة الأركان.

أزمة التراخيص..الباب الخلفي للفوضى ينتقد الدكتور فرويز تعقيد إجراءات ترخيص المستشفيات النفسية؛ حيث تُفرض اشتراطات مكلفة للغاية، كأنها مستشفى جراحات كبرى، مما يدفع كثيرين للتراجع عن إنشاء مؤسسات محترمة. النتيجة أن السوق يُترك للمصحات غير الشرعية لتعمل بلا منافس.

الهروب الجغرافي للمصحات يوضح أن هذه المصحات كانت في البداية تتركز في مدينة نصر، ثم انتقلت إلى المقطم، فالتجمع، فالعبور، ثم 6 أكتوبر وحدائق أكتوبر، وحاليًا انتشرت في محافظات مثل المنيا والشرقية والإسماعيلية والسويس، وعلى طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، داخل فيلات وكومباوندات بعيدة عن الرقابة.

الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي

رقابة صارمة يختتم الدكتور جمال فرويز حديثه بالتأكيد على أن مواجهة هذه الكارثة تتطلب تدخلًا حاسمًا من الدولة، وتسهيلًا حقيقيًا.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بوابة الأهرام

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بوابة الأهرام

منذ 9 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ ساعة
منذ 6 ساعات
منذ 11 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 5 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 4 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 12 ساعة
بوابة أخبار اليوم منذ ساعتين
صحيفة المصري اليوم منذ 11 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 4 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 5 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 10 ساعات