مع بدء تداول العملة السورية الجديدة بعد إزالة الأصفار، أكد مصرف سورية المركزي أن الخطوة لا تمس القيمة الحقيقية لليرة، بل تمثل مدخلاً فنياً لإعادة ضبط السياسة النقدية وبناء إطار فعلي لإدارة الكتلة النقدية، بعد سنوات من التشوهات وفقدان السيطرة.
وفي مقابلة حصرية مع «إرم بزنس»، أوضح حاكم مصرف سورية المركزي عبدالقادر حصرية أن الليرة السورية بصيغتها الجديدة مغطاة بالذهب والقطع الأجنبي بنسبة تفوق 100%، كاشفاً في الوقت نفسه عن توجه لاستخدام أدوات نقدية أكثر فاعلية، من بينها تحريك أسعار الفائدة وفق احتياجات السوق، ضمن إطار نقدي يجري بناؤه حالياً.
حذف الأصفار: تغيير اسمي لا يمس القيمة الحقيقية
شدد حصرية على أن ما جرى هو «تغيير في القيمة الاسمية للعملة فقط»، و«ليس إعادة هيكلة اقتصادية أو نقدية بحد ذاتها»، موضحاً أن الهدف الأساسي هو تبسيط التعاملات اليومية، وضبط الكتلة النقدية، ومعرفة حجم النقد المتداول فعلياً في الاقتصاد.
وأكد أن عملية الاستبدال لا تعني زيادة في الكتلة النقدية، بل إن «من لا يملك عملة قديمة ليبدلها، لا يحصل على عملة جديدة»، ما يعني أن الكتلة النقدية تبقى هي ذاتها، لكن بأدوات أوضح وقابلة للإدارة.
لماذا كان الاستبدال ضرورياً؟
بحسب حاكم المركزي، جاءت الخطوة مدفوعة بعدة اعتبارات، في مقدمتها فقدان السيطرة على حجم النقد المتداول، في ظل وجود نحو 14 مليار قطعة نقدية لا يُعرف بدقة كم منها لا يزال ضمن الدورة الاقتصادية.
كما أشار إلى أن الكتلة النقدية السابقة كانت مخترقة ومشوّهة من حيث الجودة والأمان، ما استدعى إصدار عملة جديدة بمواصفات فنية وأمنية أعلى، تسمح بحماية الليرة من التزوير واستعادة الثقة بها كوسيلة تبادل.
عملة جديدة ومزايا أمنية أعلى
وكشف حصرية أن المصرف المركزي اتجه إلى الورق القطني عالي الجودة بدل البوليمير، بعد دراسات فنية متعددة، مؤكداً أن المزايا الأمنية الجديدة مدمجة داخل عجينة الورق نفسها، إلى جانب الألوان المختارة، ما يجعل التزوير أكثر صعوبة.
وأضاف أن الإصدار الحالي يشمل ست فئات نقدية، مع إمكانية إضافة فئات أخرى لاحقاً عند الحاجة، ضمن ما حدده المرسوم رقم 293.
هل يعيد حذف الأصفار ثقة الأسواق بالليرة السورية؟
الليرة مغطاة بالذهب.. والاقتصاد هو الغطاء الحقيقي
في نقطة مفصلية، أكد حاكم المركزي أن الليرة السورية اليوم مغطاة بنسبة تقارب 103% وفق المفهوم الكلاسيكي، أي بالذهب والقطع الأجنبي، مشدداً على أن هذا الغطاء لم يُمس.
وأضاف أن الذهب الموجود لدى المصرف المركزي هو ذهب الأجيال، لا يُستخدم للتمويل، بل لحماية العملة والسيادة النقدية، معتبراً أن الغطاء الحقيقي لأي عملة يبقى قوة الاقتصاد نفسه، من حيث الإنتاج والصادرات والطلب الحقيقي على السلع والخدمات.
سياسة نقدية فعلية بعد سنوات من الغياب
أقرّ حصرية بأن سورية عاشت عملياً مرحلة غياب للسياسة النقدية، معتبراً أن هذا الغياب كان أحد أسباب التخريب الاقتصادي. وكشف أن المصرف يعمل حالياً على بناء إطار نقدي متكامل (Monetary Framework)، يبدأ بضبط الكتلة النقدية وينتقل إلى استخدام أدوات نقدية نشطة.
وأوضح أن أسعار الفائدة ستُدار بمرونة، ولن تبقى ثابتة، بل سيتم تحريكها بحسب أهداف الاستقرار النقدي، ومستويات التضخم، وحاجة السوق للسيولة، في إشارة واضحة إلى أن رفع أسعار الفائدة خيار مطروح ضمن أدوات المرحلة المقبلة.
التضخم ليس من حذف الأصفار
رفض حاكم المركزي الربط بين استبدال العملة وارتفاع التضخم، موضحاً أن حذف الأصفار بحد ذاته لا يخلق تضخماً، باستثناء أثر نفسي محدود يجري التعامل معه عبر التواصل المباشر مع المواطنين.
وشرح أن التضخم السابق كان نتيجة الطباعة دون غطاء والتمويل بالعجز، إضافة إلى تقييد الاستيراد، ما خلق نقصًا مصطنعًا في السلع ورفع الأسعار حتى مع استقرار نسبي في سعر الصرف.
وأكد حصرية أن الاستيراد بات مفتوحاً، وأن الأسعار بدأت ترتبط تدريجياً بكلفها الحقيقية، بالتوازي مع انضباط مالي صارم تم الاتفاق عليه مع وزارة المالية، مع تأكيد واضح بعدم اللجوء إلى التمويل بالعجز في المرحلة المقبلة.
كما كشف عن تشكيل فرق ميدانية لمراقبة أسعار نحو 400 سلعة، بدل الاعتماد على بيانات غير دقيقة كما كان يحدث سابقاً، بهدف بناء قاعدة بيانات حقيقية لإدارة التضخم.
الليرة الجديدة.. كيف تعزز تعافي الاقتصاد السوري؟
سوق مفتوحة بدل طباعة العملة
وفي تحول جوهري، أعلن حاكم المركزي عن تشكيل لجنة مشتركة مع وزارة المالية وهيئة الأوراق والأسواق المالية لتطوير سوق مفتوحة لأذونات الخزينة والسندات، بحيث يتم تمويل احتياجات الدولة عبر السوق المالية، لا عبر المصرف المركزي.
وشدد على أن العودة إلى الطباعة كأداة تمويل «ستقود إلى النتائج نفسها»، مؤكداً أن تغيير الأدوات شرط أساسي لتغيير النتائج.
استعادة الثقة أولًا
واختتم حصرية بالتأكيد أن نجاح أي سياسة نقدية يبقى مرهوناً باستعادة الثقة، سواء لدى المواطن أو القطاع المصرفي، مشيراً إلى أن فقدان الثقة سابقًا دفع السيولة إلى الخروج من البنوك بدل البقاء داخل النظام المالي.
وأكد أن عملية الاستبدال ستتم عبر أكثر من ألف مركز ونحو 5500 صندوق، مع فترة 90 يوماً قابلة للتمديد، وتحت إشراف جهات رقابية متعددة، لضمان الشفافية وسلامة التنفيذ.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس
