دخل الأردن عام 2025، وقد وضعت رؤية التحديث الاقتصادية ملامح طريق جديد تُقاس فيه الإنجازات بالأرقام، إذ شهدت المملكة خلال العام الحالي قرارات مفصلية، وشراكات موسّعة مع القطاع الخاص، وتسارعا لافتا في تنفيذ المشاريع، في مشهد اقتصادي يتحرك بإيقاع واحد نحو العام 2033.
ومع نهاية العام، بدا الطريق ممهّدًا للانتقال إلى المرحلة الثانية من الرؤية (2026 2029)، التي يُتوقع أن تشهد توسعا في المشاريع الكبرى، وتسارعا في وتيرة الإصلاحات، وتعزيزا لدور القطاع الخاص، تمهيدا لتحقيق أهداف رؤية 2033.
ومن كانون الثاني وحتى كانون الأول 2025، تحركت عجلة الاقتصاد الأردني في اتجاهٍ جديد، تجسّد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي الهادفة إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي وخلق مليون فرصة عمل بحلول عام 2033.
رؤية تحديث اقتصادي "محدّثة"
في شباط 2025، أقرّ مجلس الوزراء البرنامج التنفيذي المُعدّل لرؤية التحديث الاقتصادي، متضمّنا تطويرا لمنهجية العمل من خلال اعتماد مؤشرات أداء دقيقة لكل وزارة، وإعادة هيكلة وحدة متابعة الأداء الحكومي لرفع كفاءة المتابعة والرقابة، إضافة إلى إلزام المؤسسات الحكومية بإصدار تقارير ربع سنوية تُظهر مستوى التقدم المحرز بوضوح وشفافية. وشكّل هذا التعديل نقطة تحول في إدارة الرؤية بعدما أصبح التنفيذ محكوما بقياسات قابلة للتتبّع.
وفي تموز 2025، انتقلت الحكومة إلى مرحلة أكثر عمقًا من الشراكة مع القطاع الخاص، حيث أطلقت سلسلة من ورشات العمل التخصصية بمشاركة الغرف التجارية والصناعية والمستثمرين والخبراء، بهدف إعداد البرنامج التنفيذي الثاني (2026 2029). وجرى خلال هذه الورش مراجعة الأداء للفترة 2023 2025 وتحديد أولويات المرحلة المقبلة بناءً على احتياجات السوق وتوجهات النمو.
وأكدت مخرجات هذه الورش، أن التخطيط للمرحلة الجديدة سيعتمد على برامج أكثر نضجًا وواقعية، تركّز على تحفيز الاستثمار وتبسيط الإجراءات وإزالة المعيقات التشريعية، بما يجعل الرؤية أكثر قابلية للتنفيذ ويعزز دور القطاع الخاص في قيادة النمو الاقتصادي.
جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين، أكدا، في أكثر من مناسبة على أهمية الاستمرارية والتكامل بين برنامج المرحلة الأولى والثانية للرؤية، لضمان أن ما بُني في الأعوام الثلاثة الماضية يشكّل قاعدة صلبة لما سيُبنى عليه مستقبلًا.
وضمن البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي (2023 2025)، قطعت الحكومة شوطًا مهمًا في تحقيق الأولويات الاقتصادية والتنموية. فقد أنجزت حتى نهاية الربع الثالث من 2025 حوالي 197 أولوية من أصل 641 مدرجة في البرنامج (أي نحو 36.4% من مجموع الأولويات)، في حين يجري تنفيذ 55.6% من الأولويات الأخرى ضمن الجداول الزمنية المحددة.
ولم تتجاوز نسبة الأولويات المتأخرة عن الجدول 7% فقط، ما يدل على ارتفاع نسبة الإنجاز والتزام الحكومة بتنفيذ التعهدات. وفي محور الاستثمار تحديدا تم إنجاز 15 أولوية (مع استمرار 12 أولوية أخرى قيد التنفيذ)، كما اكتملت 60 أولوية ضمن محور الصناعات عالية القيمة الذي يشمل تطوير الصناعة والتجارة.
وإلى جانب ذلك، أقرت الحكومة موازنات رأسمالية لضمان تنفيذ الرؤية، حيث خصصت نحو 734 مليون دينار لمشاريع البرنامج التنفيذي لعام 2024 (349 مليونا من الموازنة العامة و135 مليونا من موازنات الوحدات الحكومية و250 مليونًا من المنح)، مما يعكس الأولوية المالية لدعم النمو الاقتصادي والتحديث.
وأسفر هذا الاستثمار عن تحسن مستمر للمؤشرات الاقتصادية بشهادة الحكومة، التي أكدت في أواخر 2025 استمرار ارتفاع أرقام الصادرات والتجارة والسوق المالي، إلى جانب نمو السياحة، بما يرسّخ مسار التعافي الاقتصادي التدريجي.
قطاع الاقتصاد وتنمية الاستثمار
شهد الاقتصاد الأردني في عام 2025 تحسّنا ملحوظا برغم التحديات الإقليمية، متوافقا مع مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.8% في الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة مع 2.5% في العام الماضي.
وجاء هذا النمو نتيجة نمو معظم القطاعات؛ إذ حقق قطاع الزراعة نموًا بمعدل 8% تقريبًا، وقطاع الصناعات التحويلية نحو 5%، إضافة لتحسّن في قطاعات الكهرباء والمياه والنقل والخدمات. إذ أسهمت السياسات الحكومية المتوازنة في تعزيز هذا الأداء، حيث استطاع الاقتصاد الأردني الصمود أمام الضغوط وتحقيق نمو مدعوم بالإجراءات المالية والنقدية التي حافظت على استقرار التضخم وشجّعت النشاط الاقتصادي.
وعلى صعيد المؤشرات الكلية، ارتفعت الصادرات الوطنية بنحو 7.6% لنهاية تشرين الأول في أحدث إحصائية لعام 2025، كما ازدادت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الثلاثة أرباع الأولى من العام الحالي، حيث بلغت قيمته 1.525 مليار دولار، مسجلة زيادة قدرها 27.7% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024.
وارتفع عدد الشركات الجديدة المسجلة بنسبة 49% في الإحدى عشرة شهرا الأولى، مما يشير إلى تحسّن بيئة الأعمال. وحققت بورصة عمّان قفزة تاريخية بتجاوز مؤشرها حاجز 3000 نقطة لأول مرة منذ 15 عاما، تزامنا مع ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية فيها إلى نحو 6 مليارات دولار منذ بداية العام. كذلك حافظ البنك المركزي على احتياطيات أجنبية مريحة تجاوزت الـ 24 مليار دولار، مما دعم استقرار الدينار.
كما شهد قطاع الاستثمار واحدة من أقوى دفعات النمو هذا العام؛ فقد سجّل 9,253 مستثمرًا شركات جديدة عبر المنصة الموحدة، وجرى التواصل مع 313 مستثمرا محتملاً، وإدراج 11 فرصة استثمارية، وتنظيم 25 فعالية ترويجية، كما اكتملت دراسات الجدوى الخاصة بمشاريع ذات أثر كبير، مثل المدينة الترفيهية، وخفض فاقد المياه، وتطوير السوق المركزي.
أعلنت دائرة الإحصاءات العامة أن معدل البطالة الكلي للسكان (أردنيين وغير أردنيين) بلغ 16.2% خلال الربع الثالث من عام 2025 بانخفاض مقداره 0.1 نقطة مئوية عن الربع الثالث من عام 2024، والذي بلغ آنذاك 16.3%، وبانخفاض مقداره 0.3 نقطة مئوية عن الربع الثاني من عام 2025. وارتفع عدد مشتركي الضمان الاجتماعي لأول مرة بين الأردنيين إلى 96 ألف مشترك لنهاية تشرين الثاني.
ارتفعت الإيرادات المحلية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي 2025 قرابة 380 مليون دينار، لتصل إلى ما قيمته 7.663 مليار دينار، مقارنة مع ما قيمته 7.283 مليار دينار خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وبلغ حجم التداول العقاري في الأردن خلال الأحد عشر شهراً الأولى من العام الحالي 6.454 مليار دينار، بارتفاع بلغت نسبته 4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما ارتفعت قيمة الإيرادات بنسبة 4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتسجل 247 مليون دينار.
قطاع السياحة وتنمية المواقع السياحية
حقق قطاع السياحة الأردني قفزات نوعية خلال 2025، مستعيدًا زخمه بقوة. ارتفع الدخل السياحي بنسبة 6.5% لنهاية تشرين الأول الماضي ليبلغ 6.5 مليار دولار، كما سجلت أعداد الزوار نموًا ملحوظًا بنسبة 14.1% خلال الفترة الذاتية، وفي المقابل، ارتفع الإنفاق على السياحة في الخارج خلال الشهور العشرة الأولى من العام بنسبة 5% ليبلغ 1,741.2 مليون دولار.
وهذه الزيادة مردها نجاح حملات التعافي السياحي وفتح أسواق جديدة؛ فقد ارتفعت عائدات السياحة من الجنسيات الآسيوية والأوروبية بأكثر من 31%، ومن الأميركتين بنحو 17%، إضافة لنمو السياحة العربية بأكثر من 3.5% عن العام السابق.
ويُذكر أن حصة كبيرة من الإنفاق السياحي جاءت من السياح العرب، الذين أنفقوا حوالي 2.22 مليار دينار خلال أول 10 أشهر من العام حسب البيانات الرسمية، إذ أدى هذا الانتعاش إلى مساهمة السياحة بفعالية في النمو الاقتصادي، وساعد في توفير فرص عمل بقطاعي الضيافة والخدمات.
ركزت حكومة حسان على الارتقاء بالمنتج السياحي وتطوير المواقع لجذب المزيد من الزوار. فعلى سبيل المثال، وجّه رئيس الوزراء خلال جولات ميدانية في إقليم البترا بضرورة تنويع المنتجات السياحية والخدمات في المدينة الوردية لاستعادة زخمها السياحي. وشدد على رفع جودة البنية التحتية وإثراء تجربة السائح في البترا، وربطها بمسارات سياحية في المناطق المجاورة (كقلعة الشوبك ومحمية ضانا) لتعظيم الفائدة على المجتمعات المحلية. كما أعلن رئيس الوزراء عن تسريع تأهيل فندق تاريخي مغلق في البترا (كراون بلازا) بهدف إعادة تشغيله مطلع 2026 بالتزامن مع عودة الحركة السياحية القوية للمنطقة.
وفي العقبة، أطلقت الحكومة حزمة مشاريع سياحية وتنموية؛ حيث جرى رصد نحو 30 مليون دينار لتنفيذ مشاريع في القطاع السياحي عام 2025 تشمل توسعة مطار الملك حسين الدولي في العقبة لاستيعاب المزيد من الرحلات، بالإضافة إلى مشاريع لزيادة جاذبية العقبة سياحيًا ستُفتتح في 2026. وكذلك المضي في تطوير المعابر الحدودية (مثل معبر الدرة) لتسهيل حركة السياح، إذ يُتوقع إنجاز توسعته بحلول 2027.
من جهة أخرى، عكست بيانات رؤية التحديث الاقتصادي تركيزًا على جعل الأردن وجهة عالمية في السياحة. فهذا المحرك (ضمن محركات النمو الثمانية) شهد إنجاز 12 أولوية مكتملة حتى الربع الثالث من 2025، مع استمرار العمل على 26 أولوية أخرى في إطار رفع تنافسية القطاع.
ونتيجة لهذه الجهود، تجاوزت نسبة الإنجاز في المبادرات ذات العلاقة بالسياحة عالية القيمة 70% بنهاية المرحلة الأولى من الرؤية. وتؤكد هذه المعطيات أن الأردن نجح في تعزيز مكانته كوجهة سياحية إقليمية مميزة، سواء عبر السياحة الترفيهية أو العلاجية. إذ تحتل المملكة المرتبة الأولى عربيًا في السياحة العلاجية باستقطابها حوالي 250 ألف مريض عربي وأجنبي سنويًا للاستشفاء في مستشفياتها المتميزة، ما يضيف بعدًا مهمًا لعوائد القطاع السياحي ويسهم في ترسيخ صورة الأردن الحقيقية كبلد مضياف وآمن وذا خدمات عالية الجودة.
قطاع الصحة وجودة الخدمات الطبية
أحرزت حكومة جعفر حسان إنجازات واضحة في تحسين البنية التحتية الصحية ورفع سوية الخدمات الطبية خلال 2025. فعلى المستوى التنفيذي، جاءت التدخلات الحكومية السريعة لمعالجة تعثّر بعض المشاريع الصحية المزمنة. ومن أبرز الأمثلة افتتاح التوسعة الجديدة لمستشفى الأميرة إيمان الحكومي في دير علا/معدّي (بلقاء) منتصف 2025، وذلك "بعد تأخير دام 4 سنوات"، حيث وجّه رئيس الوزراء بإنجاز المشروع خلال 7 أشهر فقط من زيارته الميدانية الأولى.
وبالفعل، جرى إنشاء مبنى حديث بمساحة 1200 م² يضم عيادات خارجية ووحدة غسيل كلى، افتُتح بحضور رئيس الوزراء ووزير الصحة، وأكد حسان أثناء جولته أهمية إدامة تشغيل المستشفى بأفضل كفاءة لخدمة أهالي اللواء، ووجّه فورًا بالبدء بالمرحلة الثانية لتحديث المبنى القديم واستكمالها خلال أقل من عام.
في موازاة ذلك، عملت الحكومة على توسعة وتحسين مستشفيات أخرى ضمن المحافظات. فمع نهاية 2025 كانت أعمال البناء والتجهيز في مستشفى الأميرة بسمة الجديد في إربد قد شارفت على الانتهاء، وتم توجيه الجهات المعنية لتأهيل الطرق المؤدية للمستشفى قبل افتتاحه لضمان سهولة وصول المواطنين.
وفي مستشفى الزرقاء الحكومي، أدخلت وزارة الصحة خلال العام خدمات نوعية جديدة أبرزها وحدة قسطرة قلبية وإنشاء قسم لجراحة القلب لأول مرة في المستشفى. كما افتتحت الوزارة وحدات وأقسامًا متخصصة في مستشفيات أخرى، مثل وحدة الرنين المغناطيسي وتوسعة وحدة غسيل الكلى في مستشفى النديم بمأدبا والتي بدأ تشغيلها خلال 2025.
وعلى مستوى الرعاية الصحية الأولية، شهد العام افتتاح مراكز صحية شاملة جديدة لتوسيع التغطية الصحية: منها مركز صحي ذيبان الشامل (في مادبا)، ومركز صحي القادسية الشامل (في الطفيلة)، بالإضافة إلى تعزيز خدمات العلاج الطبيعي في مراكز قائمة (مثل مركز الفيصلية الشامل) لخدمة مرضى إعادة التأهيل.
على صعيد التحول الرقمي الصحي وهو إحدى مبادرات رؤية التحديث الاقتصادي ضمن محور نوعية الحياة حققت وزارة الصحة خطوات مهمة عام 2025. فقد تمّ حَوْسبة 228 مركزًا صحيًا و29 مستشفى حكوميًا (إضافة إلى 5 مرافق صحية أخرى) بنظم معلومات حديثة لربط ملفات المرضى وتسهيل الخدمة.
وتستهدف الوزارة استكمال حوسبة مستشفيين آخرين و120 مركز صحي إضافي ضمن الخطط التنفيذية بحلول نهاية المرحلة الأولى من الرؤية. كما أطلقت الوزارة هذا العام 58 خدمة إلكترونية متطورة لتسهيل معاملات القطاع الصحي، أبرزها نظام إلكتروني لإصدار تصاريح مزاولة المهن الصحية بشكل فوري. ويجري أيضًا أتمتة خدمات صحية إضافية ضمن نظام متكامل سيُفعّل قريبًا لربط مختلف المؤسسات الصحية إلكترونيًا.
وإلى جانب ذلك، نفذت وزارة الصحة مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة مشروعا رائدا هو "المستشفى الافتراضي" بهدف تقديم خدمات العناية المركزة وغسيل الكلى والأشعة عن بُعد؛ ويتم حاليًا تجهيز البنية التحتية في مستشفى السلط القديم ليكون مقرًا لهذا المستشفى الافتراضي. ويُعد هذا المشروع نقلة نوعية في إيصال الخدمات التخصصية للمناطق النائية عبر تقنيات الطب عن بعد، ما ينسجم مع مستهدفات الرؤية في التحول الرقمي ورفع جودة الحياة.
أما على مستوى الرؤية الاستراتيجية 2022 2033، حققت وزارة الصحة 70% من مستهدفات خطتها ضمن رؤية التحديث الاقتصادي حتى نهاية 2025، وتُواصل الوزارة العمل على مبادرات الرؤية في مجالات عدة تشمل تعزيز الأمن الدوائي (تم افتتاح مستودع المخزون الطبي الاستراتيجي في الزرقاء لتأمين مخزون وطني من الأدوية والمستلزمات في الأزمات)، وتطوير الصناعات الدوائية (حيث بلغت صادرات الأدوية الأردنية أكثر من 650.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من قناة المملكة
