يفقد قطاع صناديق الائتمان الخاص (Private Credit Funds) جزءاً من ميزته التنافسية، بعد أن عادت البنوك بقوة إلى العمل، وبات قطاع الائتمان الخاص في مواجهة خطر التراجع. خلال سنوات استحوذت مجموعات مثل «آريس مانجمنت» و«بلاكستون» على أصول رائعة بصفقات جيدة، وكانت تحقق عوائد مجزية بفضل قدرتها على تقديم شروط مصممة خصيصاً لكل استثمار.
في السنوات التي تلت جائحة كورونا، أصبح ما يُسمى بالمقرضين المباشرين هم الأقوى في عالم سيطر عليه التمويل بالرافعة المالية، ويعود ذلك جزئياً إلى الخسائر الفادحة التي تكبّدها القطاع المصرفي التقليدي، جراء قروض الاستحواذ، بما في ذلك تلك التي مولت صفقة استحواذ إيلون ماسك على تويتر بقيمة 44 مليار دولار.
وقد أفسح ذلك المجال أمام صناديق الائتمان الخاص لتقديم قروض مباشرة للمقترضين، بسرعة وثقة وشروط مرنة، وإن كان ذلك بأسعار فائدة أعلى.
موّلت جهات الإقراض المباشر، مثل بلاكستون، بعضاً من أكبر عمليات الاستحواذ في تلك الحقبة، مثل صفقة الاستحواذ على زينديسك بقيمة 10 مليارات دولار عام 2022، وفي الوقت نفسه سمحت أسعار الفائدة المتزايدة لهذه الشركات بتقديم وعود بعوائد تتجاوز 10% لمستثمريها، وهو ما لاقى استحسان صناديق التقاعد وشركات التأمين، ما أسهم في تعزيز هذا النمو.
بالطبع لا تزال شركات الائتمان الخاصة العملاقة مستمرة في النمو، فقد نمت أصول هذا القطاع بشكلٍ مطّرد لتصل إلى 2.4 تريليون دولار بنهاية عام 2024، وحققت صناديق الاستثمار المؤسسية المغلقة التقليدية إيرادات بقيمة 113 مليار دولار في النصف الأول من عام 2025 وحده، وفقاً لبيانات شركة بيتشبوك (PitchBook).
وتشهد ما تُسمى بالصناديق الدائمة، مثل صندوق بلاكستون BCRED، نمواً سريعاً، وهي صناديق تجذب الأفراد الأثرياء لأنها تسمح باسترداد الأموال، بقواعد وحدود معينة.
وبحسب تقديرات شركة بيتشبوك، جمعت الصناديق الدائمة (شبه السائلة) 48 مليار دولار خلال الأشهر الستة المنتهية في يونيو 2025، أي ما يعادل نحو 40% من الأموال التي تدفقت إلى الصناديق المؤسسية التقليدية.
وتتوقع شركة الاستشارات، أوليفر وايمان، تضاعف حجم ثروات الأفراد التي سيتم توجيهها لصناديق الائتمان الخاص «أربع مرات» تقريباً بحلول عام 2029، ليصل إلى 1.5 تريليون دولار.
لكن هذه الأموال كلها، ونموذج التمويل المتطور لصناديق الائتمان الخاص، يُثيرون تساؤلاً جديداً؛ فالأموال التي جُمعت تجد صعوبة في الوصول إلى وجهة استثمارية، حيث بلغت السيولة المتاحة للاستثمار نحو 543 مليار دولار بنهاية عام 2024.
عودة البنوك البنوك التي شهدت في السابق حالة من التراجع، تقاوم الآن بقوة، مدفوعةً بانتعاش أسواق الائتمان وتخفيف قواعد رأس المال الأميركية.
في عام 2025 بلغت العلاوة الإضافية للديون ذات التصنيف الائتماني المنخفض أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية.
وهذه العلاوة يحتاج المستثمرون إلى دفعها للحصول على قروض للاستثمار في الأصول الخطرة، بالإضافة إلى التزامهم بسداد أقساط الديون وأسعار الفائدة الرسمية.
كما وصلت مبيعات التزامات القروض المضمونة، وهي الأداة التي تستحوذ على القروض المجمعة من قبل البنوك، إلى مستويات قياسية، وفقاً لبيانات مجموعة بورصة لندن.
وتسبب هذا التحسن والاستقرار في القطاع المصرفي في زيادة الضغوط على صناديق الائتمان الخاص، حيث إن «العلاوة» الإضافية، هي نقطة التميز الرئيسية للاستثمار في الأصول الخطرة، ومع انخفاضها لأدنى مستوياتها، فما الداعي للاستثمار؟
علاوةً على ذلك، تحسّن أقسام التمويل بالرافعة المالية في البنوك قدرتها على هيكلة الصفقات لتلائم كل صفقة على حدة، ما يجذب المقترضين.
على سبيل المثال، في أوروبا، يتزايد تقديم البنوك لقروض يمكن سحبها على دفعات وفق احتياج العميل، ما يُسهّل تمويل عمليات الاستحواذ المتعددة.
من جهة أخرى، يجد مديرو الائتمان الخاص طرقاً جديدة لزيادة نشاطهم، مثل زيادة التركيز على قطاع الذكاء الاصطناعي، أو استهداف الشركات ذات التصنيف الائتماني العالي، أو على العكس استهداف تمويل الشركات الصغيرة، البعيدة عن أسواق السندات والقروض العامة، رغم أنها تجني عوائد أعلى.
تنافس شديد في عالم عمليات الاستحواذ التقليدية، بات الائتمان الخاص مجرد أداة، ضمن أدوات أخرى، بل أصبح بإمكان المقترضين استغلال التنافس بين الطرفين.
ومن الشائع الآن إعادة تمويل القروض التي حصل عليها المستثمرون من صناديق الائتمان الخاص، من أسواق القروض والسندات.
تُظهر بيانات بيتشبوك أن قيمة صفقات إعادة تمويل القروض بلغت نحو 26 مليار دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2025.
وفي مؤشر آخر على التنافس المحموم على توظيف الأموال، أشارت وكالة موديز لخدمات المستثمرين إلى أن صناديق الائتمان الخاصة باتت أكثر استعداداً لتقديم قروض دون شروط مُلزمة، ما يمنحها وجوداً أفضل بين المقترضين المتعثرين، وهو اتجاه سائد في أسواق الدين بشكل عام.
في السنوات القادمة يظهر في الأفق عالم من العوائد المنخفضة والسيولة العالية، ما يقوّض مزايا صناديق الائتمان الخاص، ويضعف فرص نموها.
(رويترز)
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية
