تفاعلت عدد من العواصم الأوروبية بسرعة مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والمستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أوائل المهنئين، حتى قبل الإعلان الرسمي عن فوز الملياردير الجمهوري. غير أن خلف الكواليس والعبارات البروتوكولية، ساد شعور بالصدمة والذهول في معظم العواصم. فقد سارع ماكرون للتواصل مع شولتس واتفقا على ضرورة العمل سوياً "من أجل أوروبا أكثر اتحاداً وقوة وذات سيادة"، في مؤشر على المخاوف من رئيس أمريكي لا يمكن التنبؤ بقراراته. من وجهة نظر أوروبية محضة قد يبدو دونالد ترامب شخصية غير سوية تفتقد للاستقرار، وتحيط بها الفضائح، وتزدري قيم الديموقراطية، ويتلاعب بالحقائق على طريقة الاعلانات التجارية والشعارات التي تستهوي أنصاره من قبل "أمريكا أولاً"، بإعطاء الأولوية للاقتصاد والأمن القومي.
مواصفات قد تبدو للأوروبيين سطحية ومتعجرفة وأحيانا متهورة. المفارقة هي أنها كذلك بالفعل، ولكنها تحوي أيضا جزء من وصفة نجاح ترامب. غير أن ما ينتظر الأوروبيين هذه المرة قد يكون مختلفا عما حدث في ولايته الأولى وفق صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية (السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) التي كتبت معلقة: "عندما تولى ترامب المنصب في ولايته الأولى، كان دون خطة واضحة ومحاطاً بمسؤولين من ذوي الخبرة كانوا يحدون من جماح تحركاته. أما هذه المرة، فهو يعرف تماماً ما الذي يريد فعله وهو مدعوم بمؤيدين مخلصين. هذا يحمل مخاطر هائلة على الاقتصاد العالمي، وعلى حلفاء أمريكا، وعلى النظام الدولي الذي نشأ بعد عام 1945 وربما يفضي ذلك إلى كارثة (..) فوز ترامب مؤشر أيضاً على شعور عام بعدم الرضا والإرهاق من الأجندة التقدمية لليسار، وإلى أن الناخبين بدأوا يتساءلون عن الهدف الحقيقي للديمقراطية عندما لا تكون قادرة على الوفاء بتطلعاتهم. ينبغي على المسؤولين السياسيين في أوروبا أن يأخذوا هذه المشاعر بعين الاعتبار عندما يواجهون اليمين الشعبوي".
ترامب والناتو وتحديات العلاقات عبر الأطلسي To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video
الاقتصاد وحلف الناتو ـ أي مستقبل العلاقات الأطلسية؟ إذا نفذ ترامب وعوده الانتخابية المتشددة، فإن الضرر لن يقتصر على الاقتصاد الأوروبي فحسب، بل سيشمل حلف شمال الأطلسي "الناتو". في أسوأ الأحوال، قد يتعرض ازدهار أوروبا وأمنها لخطر حقيقي. رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خاطبت ترامب بعد فوزه وكتبت "دعونا نعمل معاً من أجل شراكة عبر الأطلسي تستمر في خدمة مصالح مواطنينا (..) ملايين فرص العمل ومليارات من التجارة والاستثمارات على جانبي الأطلسي تعتمد على ديناميكية واستقرار علاقاتنا الاقتصادية".
هذه العبارات تذكر بولاية ترامب الأولى التي كادت تدمر العلاقات الأطلسية. فوز ترامب يفتح أمام الحلفاء الغربيين مرحلة من عدم اليقين، فقد تعرض الناتو لضربة قوية في ظل رئاسة ترامب بين2017 و2021 حين انتقد الجمهوري الحلفاء بسبب ما قال إنه إنفاق غير كاف على الدفاع والامن. وذهب ترامب في فبراير/ شباط الماضي لدرجة القول إنه سيشجع روسيا "على فعل ما تريده بأي دولة في الناتو" لا تدفع المزيد على الدفاع المشترك.
موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى كتب حتى قبل فوز ترامب معلقاً (30 تشرين الأول/أكتوبر 2024): "لم يشعر ترامب أبداً بالأوروبيين كحلفاء له"، وفق ما رواه جان-كلود يونكر في تشرين الأول/أكتوبر 2020، "بل كان يعتبرهم شخصيات مظلمة لا ترغب في الخير لأمريكا". وكان يونكر، بصفته رئيساً للمفوضية الأوروبية، من بين القلائل من السياسيين الأوروبيين الذين كانوا لا يزالون قادرين على التفاهم بشكل ما مع الرئيس صانع الصفقات. ونقل الموقع الألماني عن يونكر قوله "كان يُردد دائماً أنه (ترامب)، حتى في الاجتماعات، أن الاتحاد الأوروبي هو اختراع هدفه تقليص النفوذ الأمريكي في العالم".
العلاقات الألمانية الأمريكية في مهب الريح؟ لن يتردد دونالد ترامب في ممارسة الضغوط على الحليفة ألمانيا في عدد من الملفات من بينها حثها على زيادة ميزانيتها الدفاعية وتحقيق توازن أكبر في التجارة بين البلدين. هذا النهج يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوترات مع برلين التي تفضل استراتيجية أكثر هدوءاً وتوازناً في سياستها الخارجية، بالحفاظ على التعاون مع واشنطن دون الإضرار بالعلاقة مع شركائها الأوروبيين.
وفي مجال السياسة المناخية، يظل الموقف الأمريكي تحت قيادة ترامب أقل توافقاً مع السياسات البيئية التي تنتهجها ألمانيا والاتحاد الأوروبي، حيث انسحب ترامب سابقاً من اتفاقية باريس للمناخ، وهو ما يثير مجدداً تساؤلات حول مدى استعداد ألمانيا لمواصلة التعاون مع واشنطن في قضايا مثل الحد من التغيرات المناخية.
اقتصادياً، ستكون ألمانيا بحاجة إلى التكيف مع تحديات جديدة قد تطرأ نتيجة لسياسات ترامب الحمائية. في ظل سياسة "أمريكا أولاً"، قد تسعى الإدارة الأمريكية إلى تقليص حجم التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، مما يفرض على ألمانيا إعادة التفكير في استراتيجياتها التجارية وتنويع علاقاتها الاقتصادية على الساحة العالمية.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "تاغس أنسايغر" السويسرية الصادرة باللغة الألمانية (السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024): "على الرغم من أن برلين لا تعتقد أن ترامب سيغلق مظلة الحماية النووية عن ألمانيا وأوروبا في السنوات القادمة، إلا أن الجميع يتوقعون أن يطلب منها دفع المزيد من أجل أمنها أكثر.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من قناة DW العربية