تعمل الحكومة الجزائرية حاليا على تنفيذ أكبر موازنة مالية في تاريخ البلاد وذلك بتخصيص نفقات عمومية بنحو 16.800 مليار دينار (126 مليار دولار)، أي بزيادة قدرها 9.9% عن موازنة 2024.
ويأتي طرح مشروع قانون المالية 2025 في ظل مرحلة تميزت بتحديات ميزانياتية كبيرة، خصوصا تلك المتعلقة بمعالجة آثار جائحة كورونا، وهو ما يطرح التساؤل كيف ستنعكس هذه الموازنة على السياسة الاجتماعية والحفاظ على القدرة الشرائية والحد من تأثير موجات التضخم بالجزائر؟
أكبر موازنة وعرض وزير المالية الجزائري لعزيز فايد مشروع قانون المالية لسنة 2025 (الموازنة العامة) أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، وينتظر أن يتبنى النواب النص بالإجماع بعد المناقشة التي ستستمر لأيام، وأشار إلى ارتفاع نفقات الميزانية من 7,820 مليار دينار جزائري (نحو 54.47 مليار دولار) في 2020 إلى 15,275 مليار دينار (نحو 106.56 مليار دولار) في 2024، مما ساعد في تحقيق نسبة نمو تصل إلى 4.4% وفق تقديرات 2024.
وعن انعكاسات مؤشرات قانون المالية على السياسية الاجتماعية للبلاد، يقول الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي في حديث لمنصة "المشهد"، إن مشروع هذا القانون جاء بإجراءات تهدف لمواصلة دعم الأسعار بهدف تحسين القدرة الشرائية للمواطن والتكفل بالفئات الهشة في المجتمع ورفع منحة البطالة مع تكثيف الجهود لخلق عدد أكبر من مناصب الشغل.
وعدّد الخبير مجموعة من المؤشرات التي من شأنها أن تنعكس على توجه السياسية الاجتماعية للدولة:
مشروع قانون المالية كرس مجددًا مبدأ اجتماعية الدولة خصوصا من خلال المخصصات المالية الكبيرة للتحويلات الاجتماعية ورفع الأجور وبناء السكنات.
التكفل بانشغالات المواطنين خصوصا ما يتعلق بالقضاء النهائي على السكنات الهشة عبر ربوع البلاد مع إدراج المزيد من المشاريع المتعلقة بتوفير وسائل النقل بكل أنواعها في مختلف المحافظات.
دعم أسعار السلع الأساسية والتكفل بالطبقات الهشة بالموازاة مع جهود خلق مناصب الشغل في شتى الميادين.
الزيادة في نفقات المستخدمين بمراجعة شبكة الأجور والنظام التعويضي لموظفي التعليم العالي، والتربية، والصحة والشؤون الدينية، وهي قطاعات لصيقة بالتنمية البشرية، وتشكل المكون الأكبر للطبقة المتوسطة.
المساهمة في ضرورة إيجاد حلول سريعة لبعض الانشغالات المطروحة من طرف المواطنين كملف السيارات.
بالإضافة إلى المؤشرات الحالية، يشكل ارتفاع احتياط النقد الأجنبي خارج الذهب 4 % منتقلًا من 69 مليار دولار نهاية 2023 إلى 72 مليار دولار بنهاية العام الحالي، وهو ما ينعكس على تحسين الاستثمار في المشاريع التنموية المحلية.
دعم القدرة الشرائية في ظل هذه المؤشرات المالية، قررت الحكومة ضخ 600 مليار دينار إضافية (4.5 مليارات دولار) في كتلة الأجور لتغطية أعباء زيادات الرواتب في مجموعة من القطاعات ومناصب العمل الجديدة، بينما يمثل حجمها الإجمالي 5,340 مليار دينار (40 مليار دولار) بنسبة 34% من ميزانية الدولة.
أما بخصوص العجز الإجمالي للخزينة، أوضح وزير المالية الجزائري أن الحكومة تعمل على تقليص العجز من خلال استهداف أفضل للدعم وتنويع مصادر الإيرادات بتوسيع القاعدة الضريبية، عبر إدخال إصلاحات تجعل النظام الضريبي أكثر "عدالة وشمولية"، مع مكافحة التهرب الضريبي وتعزيز التحصيل الضريبي باستخدام الرقمنة.
مواضيع ذات صلة كما كشف الوزير، في إطار تدابير دعم القدرة الشرائية، عن "تكفل الخزينة، بالفوائد خلال فترة التأجيل وتخفيض معدل الفائدة على القروض الممنوحة من البنوك العمومية بنسبة 100%، لإنجاز السكنات مع الطرق والشبكات المختلفة".
تحديات اقتصادية وفي قراءة للأرقام المرصودة، يرى الدكتور عامر هارون أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، أن قانون المالية 2025 يأتي في سياق سياسي واقتصادي دقيق جدا.
ووقف الخبير في حديث لـ"المشهد" على بعض "الاختلالات" بخصوص ارتفاع نفقات التحويل بمبرر الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن واستقرار أسعار مواد ضرورية مثل (الحبوب، الحليب، الطاقة، المياه المحلاة، الزيت، السكر)، مشيرا إلى أن طريقة تنفيذ جزء واسع من تلك النفقات غير ملائمة، لأنها تقوم على دعم الأسعار، وهو منهج أثبت عدم فعاليته بشكل كبير ميدانيًا في السنوات الماضية.
وعليه، يرى الخبير الاقتصادي أن المرحلة الحالية تتطلب الانتقال التدريجي نحو إنشاء آليات تمويل جديدة للمشاريع الاجتماعية والتنموية في البلاد من بينها:
تطوير مداخيل الأملاك التابعة للدولة بصيغ التمويل الإسلامية، خصوصًا تلك المرتبطة بنظام الامتياز في الأراضي الفلاحية.
ضرورة خلق ديناميكية واضحة لتحريك الاستثمار عن طريق الموارد المالية مثل مؤسسات الضمان الاجتماعي، وصناديق التأمين، والحسابات الخاصة للخزينة.
تحسين الإطار المعيشي للمواطنين من خلال تكثيف الجهود على أكثر من صعيد، من بينها الاستجابة للطلب على السكن، والاعتماد على الرقمنة، وزيادة فرص العمل عن طريق جلب المزيد من الاستثمارات.
استحداث الوكالة الوطنية للتوازنات الكبرى لميزانية الدولة والاستشراف والتخطيط، بهدف متابعة كل الميزانيات الفرعية والقطاعية بدقة تأسيسا للشفافية، ودعا إلى التزام الصرامة في تنفيذ الميزانية بالأخص من خلال تفادي إعادة التقييم.
(المشهد - الجزائر)
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد