من يتابع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تُجاه سورية يرى أنه دأب على تكرار دعواته لنظيره السوري بشار الأسد لزيارة بلاده أو عقد اجتماع مشترك بينهما يُنهي القطيعة، ويفتح فصلاً جديداً في العلاقات التركية السورية.
من يسمع كلام الرئيس إردوغان يظن أن الرجل يسعى بصدق لحل كل الخلافات العالقة بين البلدين بما فيها موضوعات الانسحاب واللاجئين ومحاربة الإرهاب .
ولكن من يسمع كلام وزير دفاعه يشار غولر يدرك النوايا الحقيقية من هذه الدعوات المتكررة، إذ أكد غولر أن بلاده لا تملك أي نيات للانسحاب من سوريا، وأن على الأسد أن ينظر إلى عرض إردوغان كفرصة!
أما الرئيس الأسد فرد على دعوات إردوغان المتكررة بالقول: "إذا كان اللقاء يؤدي إلى نتائج ومن ضمنها الانسحاب من الأراضي السورية فنحن جاهزون، لكن هذا لا يعني أن نذهب من دون قواعد"، متسائلاً عما إذا كان اللقاء من شأنه حل المشكلات العالقة بين الطرفين وإعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي، موجهاً سؤاله للأتراك: لماذا خرجت العلاقات عن مسارها الطبيعي منذ 13 عامًا؟
هذه أبعاد دعوات إردوغان للأسد لكن بعضهم يرى أن دعوات إردوغان للأسد تحمل أبعاداً عدة:
الأول: بُعد إقليمي ومصيري ليس بالنسبة لسوريا وتركيا فقط وإنما للمنطقة برمتها بعدما تكررت التصريحات الإسرائيلية ضد دول المنطقة ومنها تركيا، حتى إن وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر وفي محاولة منه للنيل من تركيا وسوريا معاً وربما العراق وإيران قال إن "تواصل إسرائيل مع الأكراد في المنطقة له تاريخ طويل، وإن "الأمة الكردية" واحدة من أكبر الأمم التي لا تتمتع باستقلال سياسي".
كلام ساعر هذا يعني أن إسرائيل ستتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة من خلال الأكراد وأنها عندما تقول إنهم لا يتمتعون باستقلال سياسي يعني أنها تُشجعهم وتساعدهم على الانفصال عن دولهم وتكوين دولة قومية خاصة بهم تقتطع أجزاءً من دول المنطقة ومنها تركيا.
الثاني: بُعد أمني حيث ترى أنقرة أن حزب العمال الكردستاني استغل الأحداث في سوريا ليتوسع جنوباً عبر قوات سوريا الديمقراطية التي تؤمن بأفكار أوجلان، ولم تخف تركيا ذلك فقد دعا مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير أحمد يلديز، الدول الأعضاء بمجلس الأمن إلى تصنيف تنظيم "قسد" ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية التي تنشط في سوريا، وذلك باعتباره ذراعاً لتنظيم "بي كي كي" المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
وهنا نلاحظ الازدواجية في الخطاب التركي فهي لا تريد أن تنسحب من أراضٍ احتلتها ولا تعترف أنها تقوم برعاية وحماية منظمات إرهابية كهيئة تحرير الشام "النصرة" سابقاً، وهي مصنفة منظمة إرهابية في الأمم المتحدة وحتى في تركيا.
الثالث: بعد اقتصادي، يذهب البعض الآخر للقول: إن إردوغان يريد أن يُصلح خطأً ارتكبه بحق سوريا منذ العام 2011، حيث كانت العلاقات مع سوريا في أعلى مستوياتها وكانت الصادرات التركية تعبر سوريا باتجاه دول الخليج العربي، في حين يواجه الاقتصاد التركي اليوم وضعاً حرجاً لا يمكن أن يتحسن إلا إذا أعادت تركيا علاقاتها مع سوريا وفتحت الطرق الدولية وانتعشت صادرتها إلى دول الخليج العربي وعادت طريقاً للترانزيت بين أوروبا والخليج، ويدلون على ذلك بالتراجع المستمر لليرة التركية التي وصلت إلى أدنى مستوياتها 35 ليرة مقابل الدولار الواحد.
الرابع والملح والذي يضغط على إردوغان داخلياً، فهو قضية اللاجئين السوريين في تركيا وبحسب "جمعية اللاجئين التركية" وصل عدد اللاجئين السوريين في تركيا إلى نحو 3.2 ملايين لاجىء مدرجين تحت بند "الحماية المؤقتة" في تركيا ما يشكل ضغطاً انتخابياً مستمراً على إردوغان وحزبه .
والسؤال: من شجع هؤلاء للذهاب إلى تركيا؟ أليس إردوغان نفسه هو من فتح باب الهجرة للسوريين وغيرهم إلى أوربا عبر تركيا عام 2015، ومن ثم عمد إلى إغلاقه بعد قبضه الثمن من الاتحاد الأوربي؟
أليس إردوغان هو من اتبع سياسة الباب المفتوح ما جعل الكثير من السوريين يغادرون بلادهم إلى تركيا دون أن تكون مناطقهم تعاني من حروب أو إرهاب!
الخلاصة: إن إردوغان مصيب في دعوة الأسد للقائه وحل المشاكل العالقة بين البلدين، لكنه لم يدرك بعد أن الثمن سيكون الاعتراف بالخطأ والانسحاب من الأراضي السورية وبغير ذلك لن تعود المياه إلى مجاريها بين البلدين.
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد