دان غليزبروك* - (كاونتربنش) 20/12/2024
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
أظهر الانهيار الخاطف لحكومة بشار الأسد في سورية في الأسابيع الأخيرة أنه لا أحد تقريبًا -سواء داخل سورية أو خارجها- كان يعتبر هذه دولة تستحق القتال من أجلها. كما بدا واضحًا جدًا أن تركيا (بدعم محتمل من إسرائيل والولايات المتحدة) قد انتهزت الفرصة لاستخدام القوات التي كانت تقوم بتدريبها في إدلب على مدى سنوات لممارسة لعبة سلطة جادة. لطالما سعى الغرب إلى تحويل سورية إلى "دولة فاشلة" على غرار النموذجين العراقي والليبي، وسمح الوضع الجديد لإسرائيل بتدمير الجزء الأكبر من المنشآت العسكرية في البلاد بين عشية وضحاها تقريبًا، وتوسيع احتلالها في الجنوب. هذا ما كانت هذه الأطراف تعمل من أجله جميعًا طوال ثلاثة عشر عامًا. لكن ما هو أقل وضوحًا هو مدى مشاركة روسيا في هذه الخطوة.
التفسير السائد في الأساس هو أن الانعطافة الأخيرة للأحداث وجهت ضربة كبيرة إلى روسيا. كانت سورية هي الحليف العربي القوي الوحيد لروسيا، وموطن قاعدتها البحرية الوحيدة في المياه الدافئة (طرطوس)، بالإضافة إلى قاعدتها الجوية الضخمة (حميميم)، الضرورية لعملياتها في إفريقيا على وجه الخصوص. لذلك كانت "خسارة" سورية ضربة قاصمة لموسكو؛ في ما يفترض أنها كانت نتيجة لوقوع الجيش الروسي في مستنقع أوكرانيا، وبالتالي عدم القدرة على تخصيص الموارد العسكرية اللازمة لإخماد التمرد في سورية.
إلى جانب حقيقة أن إيران و"حزب الله" كانا يتعافيان أيضًا من آثار الهجمات الإسرائيلية، خلق هذا الواقع نافذة فرصة للمتمردين وداعميهم للقيام بخطوتهم. وربما كانت هذه النافذة قصيرة جدًا: كان يمكن أن يعيد "حزب الله" تجميع صفوفه بسرعة؛ وفي حال أوفى ترامب بوعده بفرض اتفاق سلام على أوكرانيا فور توليه السلطة، فقد تكون أعداد كبيرة من القوات الروسية متاحة وتصبح حرة للعمل مرة أخرى في سورية، ربما في غضون شهرين.
من الواضح أن هذا جزء من الصورة. كانت خيارات روسيا محدودة بوضوح. وكانت أي صفقة تبرمها ستتم من موقع ضعف، على الأقل بالقياس إلى وضعها في العام 2018 على سبيل المثال. لكن هذا لا يعني أنه لم يتم إبرام صفقة على الإطلاق. من غير المحتمل بشكل لا يصدق، في رأيي، ألا تكون قد تمت استشارة بوتين بشأن ما حدث في سورية مسبقًا.
أولاً، كان خطر القضاء على قطاعات كبيرة من المتمردين الذين رعتهم تركيا وأعدتهم بعناية، ببساطة من خلال الضربات الجوية الروسية، كبيرًا. وكان كل من أردوغان و"هيئة تحرير الشام" سيسعيان إلى تجنب هذا الاحتمال إذا كان ذلك ممكنًا. وحتى لو كان بوتين يفتقر إلى القدرة على هزيمة انتفاضة التمرد في نهاية المطاف، فمن المؤكد أنهم كانوا سيحاولون إقناعه بعدم المحاولة بدلاً من مجرد التمني والأمل في ألا يفعل.
ثانيًا، على الرغم من أنه من السهل قول ذلك، بعد أن حدث ما حدث، كان هذا الاستيلاء واضحًا في البطاقات مُسبقًا لبعض الوقت. فقد تم دفع جميع المقاتلين من المناطق السابقة التي كانت تسيطر عليها المعارضة واستعادتها القوات الحكومية خلال الحرب، إلى إدلب. وهناك انضم إليهم، في آذار (مارس) 2020، أكثر من 20.000 جندي تركي ، بمن فيهم تشكيلات من القوات الخاصة، والوحدات المدرعة، والمشاة الخفيفة، بما فيها "لواء الكوماندوز الخامس" المتخصص في العمليات شبه العسكرية والحرب الجبلية. ولم يكن هؤلاء هناك للنزهة. على مدى أربع سنوات، وعلى مرأى من الجميع، كانوا يقومون بتدريب وتعزيز قوات المتمردين وتجهيزهم لإعادة إطلاق تمردهم. ومن الواضح أن روسيا كانت على دراية بذلك، ولا بد أنها كانت تخطط للتعامل معه.
بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن روسيا ربما وجدت صعوبة في إرسال أعداد كبيرة من قواتها إلى سورية، فقد كان بإمكانها بالتأكيد تقديم دعم لرواتب جنود الجيش السوري، الأمر الذي كان يمكن أن يقطع شوطًا ما في التخفيف من الانشقاقات الدنيوية بسبب لقمة العيش والسلبية التي شاعت داخل الجيش السوري. وقد اختارت عدم القيام بذلك، على الأرجح لسبب.
هذا لا يعني، بالطبع، أن الأمر برمته كان مؤامرة شارك فيها الكرملين كل الوقت، كما يحاول البعض الآن أن يقترحوا. تدّعي إحدى النظريات أن بوتين، من خلال السماح بسقوط الحكومة السورية، نصَب فخًا ماكرًا للغرب الذي سيصبح مستغرقًا في محاولة تحقيق الاستقرار في سورية لسنوات مقبلة، تمامًا كما كان السوفيات مستغرقين في أفغانستان في الثمانينيات. لكن هذا الاقتراح لا معنى له -لطالما كان تحويل سورية إلى "دولة فاشلة" هو هدف الغرب، والذي دعم من أجل تحقيقه أكثر القوى طائفية وتعصبًا. في نهاية المطاف، كان الغرب قد حقق ذلك في ليبيا من دون أن "يتورط"؛ وكانت قوى الغرب تأمل في تكرار نجاحها في سورية، وقد فعلت ذلك الآن. لكنّ هذه النظرية تبدو تعلُّقًا يائسًا بقشة من أشخاص لا يستطيعون ببساطة تفسير أي حدث على أنه أي شيء آخر سوى خطة عبقرية من "السيد الكبير".
الحقيقة، كما أظن، أكثر تعقيدًا ودقة. وفي ما يلي فرضية عاملة: تم وضع المعايير الأساسية لاستيلاء "هيئة تحرير الشام" على سورية والاتفاق عليها مسبقًا من قبل أردوغان، ونتنياهو، وبوتين وترامب. وأظن أن ترامب عرض على بوتين.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية