مع تعقد وتسارع الأحداث السياسية وتفاقم الحروب وتعاظم التطرف واختلاط مفهوم الإرهاب بالثورة، وغروب طاقة الحلم لدى كثير من شعوب بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بدا المثقف اليساري كما اليميني كما الإسلامي كما الليبرالي في حال من التشتت، كمن ضيّع البوصلة التي كان يستهدي بها منذ مطلع خمسينيات وحتى نهاية سبعينيات القرن الـ20.
في حال الضياع السياسي والفكري والجمالي والاجتماعي هذه، بدت حال المثقف العربي شبيهة إلى حد كبير بحال لاعب كرة قدم مبتهج بتسجيل هدف وهو في وضعية التسلل، ومع ذلك يريد أن يقنع الجمهور على المدرجات بزهو "التسجيل"، مع أن حكم المباراة صفر معلناً أن الهدف غير محسوب وغير مجاز، هكذا هي حال المثقف العربي يسجل أهدافه السياسية الوهمية ويحقق فتوحاته الخرافية وهو في وضعية التسلل التاريخي والسياسي.
المثقف اليساري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو ما بقي من هذه الكائن الحالم، يقف اليوم حائراً أمام ما يجري من حوله من انقلابات وحروب نارية أو اقتصادية أو تكنولوجية ومن هجرات غير شرعية قسرية أو طوعية، فالنظريات "المقدسة" التي كان يستند إليها هوت وتآكلت، لذلك اختفى صوته وما عدنا نلتقط نبراته إلا في اللحظة التي تطوى فيها مرحلة معينة بقضها وقضيضها وتبزغ ملامح مرحلة جديدة، إذ تراه يستيقظ ليعلن انتصاره للمنتصر، وولاءه للحاكم الجديد الذي قد يعلن عن بعض المواقف ضد التيارات الراديكالية الإسلامية وضد "داعش" ومشتقاته السياسية والتنظيمية والأيديولوجية، ويبدأ التصفيق اليساري بحرارة، وبمجرد أن "يسخن" الحاكم كرسيه يشرع في التراجع عن مضامين خطبه السابقة لاستمالة التيارات المتطرفة، فيعود المثقف اليساري لغرفة الملابس وتنتهي اللعبة، في انتظار وافد جديد ومرحلة جديدة.
وفي مجتمعاتنا لا يختلف شأن المثقف الإسلامي من ناحية المواقف عن المثقف اليساري، فالمثقف الإسلامي يبدو في قمة التشدد والمواقف الراديكالية حين يكون في المعارضة، فلا يتحدث إلا بالفتوحات وسفك الدماء وتخليص المسلمين من الظلم والقهر والاستعمار الوطني أو الأجنبي، وتأخذ فلسطين موقعاً مركزياً في خطبه النارية، فهو من سيعيدها إلى أهلها كاملة غير منقوصة، مستعملاً في ذلك كل أنواع لغة التهديد والوعيد الدينية والعرقية، وبمجرد أن يصل فصيله السياسي إلى السلطة، مهما كانت درجة السلطة التي يحصل عليها، حتى ترى هذا المثقف بدأ بتغيير مواقفه والتراجع عن مبادئه، فأميركا التي كانت البارحة هي الطاعون ليست الطاعون وإسرائيل التي كان سيرميها في البحر تصبح شريكاً وجارة يجب كسب ودها، ولا يبقى من رأسمال الأعداء سوى المرأة أو العلماني أو الشيوعي أو المسلم صاحب المذهب الآخر المختلف.
أما المثقف الليبرالي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهو كلاعب كرة القدم في غرفة الملابس لا هو متيقن من أنه سيلعب المباراة أو سيكون على مقعد الاحتياط، فها هو يرتدي العباءة الإسلامية ويسبق الجميع إلى صلاة الجمعة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية