"كوكب الشرق" و"صوت مصر" أم كلثوم، كانت فتاة قروية بسيطة، لكنها أصبحت رمزاً ثقافياً لأمة بأكملها، وصُنفت ضمن أعظم الأصوات في التاريخ.. فكيف كانت مسيرتها؟ وما أبرز المحطات التي غيّرت حياتها؟

"نعمة الدنيا" هكذا وصف أديب نوبل نجيب محفوظ ببساطة وفي إيجاز مُدهش أم كلثوم، التي كتبت عنها الباحثة المتخصصة في الموسيقى فرجينيا دانييلسون كتابا عنوانه "صوت مصر، أم كلثوم والأغنية العربية والمجتمع المصري في القرن العشرين" تقول فيه :"إنها المُطربة الأكثر إنجازا وتكاملا في العالم العربي في القرن العشرين، فقد تمتعت ببراعة جوان ساذرلاند وإيلا فيتزغيرالد في الغناء، وشخصية إليانور روزفلت في الحياة العامة، وتأثير ألفيس بريسلي على الجمهور".

هكذا، كانت أم كلثوم في نظر الكثيرين "صوت مصر ووجهها"، ولقد أظهرت منذ طفولتها موهبة استثنائية في الغناء، مما مهد الطريق لمسيرة فنية امتدت لعقود منذ عام 1910 تقريباً، عندما بدأت الغناء مع والدها في حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة في القرى والمدن في دلتا مصر، وحتى مرضها الأخير في عام 1972.

قصص مقترحة نهاية

فعلى مدى أربعين عاماً تقريباً ظلت حفلاتها الشهرية التي كانت تقام في ليلة الخميس تُذاع على الهواء مباشرة، حتى بلغ عدد جمهورها الإذاعي الملايين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

لقد كانت رمزًا ثقافيًا لأمتها، وقد عُرفت بأسلوبها الغنائي الفريد وحسها الشخصي في الأناقة، وكانت تعتبر نموذجًا معاصرًا للفن العربي، كما لعبت دورًا في السياسة المصرية، حيث قامت بجولات في العالم العربي بعد حرب 1967 وتبرعت بعائدات حفلاتها للحكومة المصرية.

وفي العام الماضي، احتلت أم كلثوم، المركز 61 في قائمة أعظم 200 مطرب في التاريخ، والتي أعدتها مجلة رولينغ ستون الأمريكية المتخصصة في الموسيقى، وكانت المطربة العربية الوحيدة في القائمة، ووفقا لتقرير المجلة فإن كوكب الشرق ليس لها نظير في الغرب، إذ تعتبر روح العالم العربي، وصاحبة تأثير امتد لما هو أبعد من الغناء.

ووصفت المجلة صوت أم كلثوم بأنه رنان، يعبر بسهولة عن المشاعر والعواطف، رغم تنوع الموضوعات التي تتناولها أغانيها. وذكرت أن المغنية بيونسيه استخدمت أغنية أم كلثوم "إنت عمري" في تصميم جولتها الفنية في عام 2016. وقد تمت الاختيارات بناء على الأصالة والتأثير وعمق منتجات الفنان واتساع تراثه الموسيقي.

وكانت صحيفة لوموند الفرنسية قد اختارت في عام 1999، بناء على استطلاع أجرته الصحيفة لاختيار روائع القرن العشرين الفنية والأدبية، أغنيتها "الأطلال" من بين أفضل 100 عمل فني وأدبي شكلت ذاكرة القرن العشرين. وفي الأطلال وهي من شعر إبراهيم ناجي وألحان رياض السنباطي، تحلق أم كلثوم في فضاء المعاني والكلمات، ثم تغوص في بحار اللحن، لتخطف قلوب السامعين والعشاق بشباك صوتها.

البدايات عُرفت أم كلثوم بالعديد من الألقاب مثل كوكب الشرق، وشمس الأصيل، وصاحبة العصمة، وقيثارة الشرق، وثومة، والست، وسيدة الغناء العربي، ولا خلاف حول ألقابها العديدة، ولكن يختلف البعض حول اسمها الحقيقي.

فقد تحدثت العديد من المصادر عن أن اسمها الحقيقي هو فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي إلا أن الكاتب الصحفي المصري محمود عوض روى في كتابه "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" قصة التسمية.

وقال عوض في كتابه إنه عندما وضعت الأم فاطمة المليجي مولودتها في بيتها الريفي الصغير بقرية طماي الزهايرة في مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية بمصر، حملت القابلة المولودة وخرجت بها إلى والدها وهي تصرخ: "مبروك فاطمة ولدت"، دون الإشارة إلى أنها أنجبت طفلة، خشية أن يُصدم الأب الشيخ إبراهيم البلتاجي.

وكان البلتاجي يجلس على الأرض يقرأ كتابًا عن أولاد النبي، وعيناه في تلك اللحظة على اسم إحدى بنات النبي، وقبل أن يسمع إذا ما كان قد رُزق بذكر أم أنثى صاح قائلًا: "نسميها باسم بنت النبي، نسميها أم كلثوم".

وفيما تقول أغلب المصادر إن أم كلثوم وُلدت في 31 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1898، إلا أن بعض المصادر تشير إلى أنها وُلدت في عام 1904.

وكان والد أم كلثوم إمام قرية يؤدي الأناشيد الدينية التقليدية في الأعراس والأعياد لتغطية نفقاتهم. وتعلمت ابنته الغناء منه، وعندما لاحظ قوة صوتها، بدأ يأخذها معه، وهي ترتدي زي صبي لتجنب ازدراء عرض ابنة صغيرة على المسرح.

وكان المجتمع المصري في شباب أم كلثوم يعتبر الغناء، حتى ولو كان من النوع الديني، مهنة سيئة السمعة، خاصة بالنسبة للإناث.

وصنعت أم كلثوم اسمًا لها في الغناء في مدن وقرى الدلتا المصرية، وعندما كانت مراهقة، أصبحت نجمة العائلة.

الانتقال للقاهرة أهمل YouTube مشاركة

تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات المحتوى غير متاح

YouTube اطلع على المزيد في بي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية. في وقتٍ ما من عام 1923، انتقلت العائلة إلى القاهرة، التي كانت مركزًا رئيسيًا لعالم الترفيه المربح والإنتاج الإعلامي الناشئ في الشرق الأوسط، حيث بدأت أم كلثوم في تطوير أدائها الفني بمساعدة مجموعة من الملحنين المميزين، مثل الشيخ أبو العلا محمد وداوود حسني.

وفي هذه الفترة، بدأت تكتسب شهرة واسعة بفضل صوتها العذب وأدائها المتقن. ولم يكن صوت أم كلثوم وحده هو الذي ميزها، بل أيضًا ذكاؤها الفني وقدرتها على اختيار الأعمال التي تتماشى مع ذوق الجمهور.

وبحلول منتصف العشرينيات من القرن الماضي، كانت قد قدمت تسجيلاتها الأولى واختطّت لنفسها أسلوبًا موسيقيًا أكثر صقلًا وتطورًا، فأصبحت أعلى المغنيين أجرًا؛ حيث دفعت شركة أوديون لأم كلثوم 50 جنيهًا عن كل أسطوانة، في وقتٍ لم يكن سلامة حجازي يحصل على أكثر من 20 جنيهًا للأسطوانة، وكان محمد عبدالوهاب يحصل على 10 جنيهات فقط.

وفي عام 1926، غيرت أم كلثوم من مظهرها وتخلّت عن العباءة والعقال وارتدت الأزياء الحديثة، وكونت فرقة من العازفين على رأسهم محمد القصبجي.

ويقول المؤرخ حسين فوزي إن القاهرة كانت حينئذٍ مدينة عالمية تُقدَّم فيها المسرحيات الفرنسية والأوبرا العالمية. وقد واجهت أم كلثوم هذه الثقافة الدولية بأسلوب غنائي مصري عربي متطور، كان مزيجًا من العناصر العربية والغربية، التي تمثلت في الكلمات والموسيقى العربية ممزوجة ببعض الآلات الغربية مثل الكمان.

وقد تم توثيق هذه السنوات المبكرة في مسيرة أم كلثوم الفنية في سلسلة من 8 أسطوانات أصدرها نادي الأسطوانة العربي في فرنسا. وقد أدرج إلفيس كوستيلو، المغني وكاتب الأغاني البريطاني، هذه المجموعة ضمن "ألبوماته الـ 500 الأساسية لحياة سعيدة"، التي أصدرها في مجلة فانيتي فير في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2000.

ومع تأسيس الإذاعة المصرية عام 1934، انطلقت مسيرتها المهنية، حيث شرعت في تقديم أغانيها عبر الإذاعة. وفي عام 1936، قدمت أول فيلم سينمائي لها بعنوان "وداد"، الذي لعبت فيه الدور الرئيسي، وكان هذا الفيلم هو الأول من بين 6 أفلام عملت فيها.

يُذكر أن هناك روايات تشير إلى أن نادي الوداد المغربي اتخذ اسمه تيمّنًا بالفيلم المصري.

وفي عام 1937، رتّبت بذكاء لبث حفلاتها الشهرية عبر الإذاعة على الهواء مباشرة، وكان الجميع تقريبًا يتابعون بثها. ومع تزايد قوة المحطة، زاد عدد جمهورها، ومع ظهور الترانزستور، وصلت إلى أصغر القرى المصرية.

وبحلول ذلك الوقت، كانت قد انتقلت من أداء الأناشيد الدينية إلى غناء الألحان الشعبية، غالبًا باللهجة العامية وبصحبة فرقة تقليدية صغيرة. وأصبحت معروفة بأدائها للأغاني العاطفية التي كتبها أبرز الشعراء وكتاب الأغاني آنذاك.

صوت قوي وذكاء كانت أم كلثوم في أوج تألقها خلال الأربعينيات من القرن الماضي، حيث قدّمت أغاني الحب العامية، كما غنّت شعرًا أنيقًا ومتطورًا باللغة العربية الفصحى، محمّلًا بالصور التاريخية والدينية. وكان الكثير من أعمالها في هذا الوقت من ألحان زكريا أحمد، مثل أغنية "أنا في انتظارك".

تمتعت أم كلثوم بصوتٍ فاخرٍ من نوع كونترالتو قوي جدًا (أكثر الأصوات النسائية عمقًا وندرة)، والذي يصل إلى منتصف منطقة الميزو سوبرانو (الصوت متوسط النبرة للمرأة)، ويوجد في هذه المنطقة الصوتية 16 نغمة موسيقية.

وقد ساعد تدريبها على الإنشاد الديني وتلاوة القرآن في وقتٍ مبكرٍ من حياتها في تشكيل أسلوبها الفريد.

كما أنها تميّزت بقدرات هائلة على تغيير طبيعة الأداء الغنائي حسب الحاجة، فتصرخ حزنًا أو تهتف فرحًا، أو تتأوه ألمًا أو تغضب. وقد تضطر إلى الابتعاد عن الميكروفون، ويصاحب ذلك مشاعر جسدية قوية ورصينة وصادقة، وهي تهز منديلها الممسك بأصابعها التي لا تكفّ عن الاحتكاك ببعضها البعض.

لقد كانت أحبال أم كلثوم الصوتية قادرة على الاهتزاز حتى 14 ألف مرة في الثانية، وهو ما تطلّب منها الوقوف مبتعدة قليلًا عن الميكروفون.

وأدى صوتها القوي وقدرتها على التكرار المتنوّع لسطر واحد من النص إلى جذب الجماهير إلى مشاعر ومعاني الكلمات الشعرية. لقد كانت تقف أمام جمهورها وتكرّر العبارات والمقاطع بناءً على طلبهم، وكانت قادرة على الارتجال حتى أن الناس كانوا يقولون إنها لم تغنِ سطرًا واحدًا بالطريقة نفسها مرتين قط. وبفضل إتقانها البارع للعديد من الألوان والزخارف الصوتية، كانت تُطيل مقطوعاتها الموسيقية التي تستغرق عشرين دقيقة إلى عروض تستغرق ساعتين.

وقال الناقد ويل هيرمس إن صوت أم كلثوم لا مثيل له في عالم الغناء، وقد مثّل روح العالم العربي لعقود، باعتباره الصوت الوحيد والفريد في العالم.

ولعل الباحث في صوت أم كلثوم يجد فيه الكثير من السمات الفنية التي تُبرر ظاهريًا المكانة الرفيعة التي تتمتع بها "الست"، ولكن هذه المواصفات ليست وحدها المسؤولة عن تشكيل هذه الظاهرة، بل هناك عوامل تتعلق بشخصيتها وذكائها كان لها تأثير كبير فيما وصلت إليه.

فقد تميزت مسيرة أم كلثوم بتعاونها مع أبرز شعراء وملحني عصرها، مما ساهم في إنتاج مجموعة من الأعمال التي أصبحت من أعمدة التراث الموسيقي العربي. فقد عملت مع أحمد شوقي في أغنيات خالدة مثل "سلوا كؤوس الطلا"، كما تعاونت مع الملحن رياض السنباطي، الذي شكّل معها ثنائيًا استثنائيًا أخرج العديد من الروائع، مثل "الأطلال" و"رباعيات الخيام". ولاحقًا، انضمت إلى هذه القائمة أسماء كبيرة مثل محمد عبدالوهاب في أغنيات شهيرة كـ"أنت عمري".

وتقول فيرجينيا دانييلسون، الباحثة في مجال الموسيقى، إنه من العدل تشبيه موسيقى أم كلثوم بالبلوز من حيث الطريقة التي مزجت بها بين الإنشاد الديني وقصائد الحب الكلاسيكية والأغاني بالعامية المصرية. كما تضمنت أيضًا الطرب، وهي صفة فريدة من نوعها للموسيقى العربية، والتي يمكن ترجمتها على أفضل وجه إلى كلمة "نشوة".

وأوضحت دانييلسون أنها عندما أجرت مقابلات مع أشخاص حول الاستماع إلى.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بي بي سي عربي

منذ 4 ساعات
منذ 38 دقيقة
منذ 11 ساعة
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 6 ساعات
بي بي سي عربي منذ 20 ساعة
قناة العربية منذ 8 ساعات
قناة العربية منذ 5 ساعات
قناة العربية منذ ساعة
قناة العربية منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 3 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 8 ساعات
قناة العربية منذ 19 ساعة