تتمتع الهند بمزايا استراتيجية عديدة، بما في ذلك موقعها الجغرافي في جنوب آسيا، وقوتها العسكرية المتنامية، وسياستها الخارجية النشطة. ومع ذلك، تواجه نيودلهي تحديات كبيرة، أبرزها الفقر واللامساواة، فضلاً عن القضايا البيئية والأمنية.
وبينما تسعى الهند لتصبح ثالث قوة عظمى عالمية بعد الولايات المتحدة والصين، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهوداً ضخمة ومتعددة الأبعاد، كما أشارت صحيفة الإندبندنت البريطانية.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير قوله إن «الهند ستصعد لتصبح قوة عظمى عالمية بحلول عام 2050، لتحتل المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين». وأضاف بلير أنه من أجل تحقيق هذا الطموح، يجب على الهند الحفاظ على معدلات نمو عالية، وضمان توزيع فوائد التنمية بشكل عادل بين جميع مواطنيها، وهي مهمة ليست باليسيرة.
هذه التطلعات حددها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في خطابه عام 2023، إبان الاحتفال بمرور 100 عام على استقلال بلاده، بقوله «إن الهند ستحقق مكانة متقدمة بحلول عام 2047»، مضيفاً أنها ستكون «ثالث أكبر قوة اقتصادية عظمى».
طموحات اقتصادية
تعد الهند من بين الدول الناشئة التي تشهد نمواً اقتصادياً وتكنولوجياً سريعاً، كما تعد ثاني دولة من حيث تعداد السكان، الذي بلغ حوالي 1.4 مليار نسمة، وهي تقترب كثيراً من أعداد الصينيين. وبهذا الرقم تكون الهند قد أنهت أول تطلع أو عامل نادى به الرؤساء والمختصون الاقتصاديون.
تحتل الهند المرتبة الخامسة من حيث الناتج المحلي الإجمالي، باقتصاد بلغ 3 تريليونات دولار، ويعد النمو الاقتصادي الهندي من بين أعلى المعدلات في العالم، فقد وصل معدل النمو إلى 6%.
وعلى الرغم من تنبؤ المحللين في مورغان ستانلي بأن الهند ستتجاوز اليابان وألمانيا ليصل اقتصادها إلى المركز الثالث بحلول عام 2027، لا تتسق الأرقام مع المؤشرات الاقتصادية بحسب الصحيفة البريطانية، إذ استندت الصحيفة في رأيها إلى معدلات التوظيف والاستهلاك الخاص وأداء الصادرات.
في الأشهر الـ12 التي سبقت أغسطس 2024، بلغ إجمالي تجارة السلع في الهند 1.1 تريليون دولار أميركي، وهو المستوى نفسه الذي كانت عليه قبل عامين.
ومع ذلك، سيكون من الصعب على الهند أن تطالب بوضع القوة العظمى ما دامت مصنفة دولة متوسطة الدخل من الدرجة الدنيا، استناداً إلى دخل الفرد الذي يبلغ نحو 2400 دولار. فيما يقدر البنك الدولي أن الأمر سيستغرق 75 عاماً أخرى ليصل متوسط الدخل في الهند إلى ربع متوسط الدخل في الولايات المتحدة.
تحديات اجتماعية وبيئية
تواجه الهند مجموعة من التحديات الاجتماعية التي قد تعرقل طموحاتها في تحقيق مكانة القوة العظمى.
التعليم والصحة والخدمات المقدمة
لا تزال الهند بحاجة إلى تطور وبرامج واتفاقيات تتواكب مع التعداد السكاني الكبير الذي يشهد تضخماً سريعاً.
الفقر واللامساواة
يعاني نحو 220 مليون شخص في الهند من الفقر، وفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024. أما اللامساواة في الهند، فتتعلق بشكل رئيسي بقطاع الصحة والتعليم.
وعلى الصعيدين الاقتصادي والسياسي، كشف تقرير عدم المساواة العالمي لعام 2024 أن العصر الذهبي الحالي للمليارديرات الهنود قد أسفر عن زيادة هائلة في عدم المساواة في الدخل، ما جعل الهند واحدة من أكثر الدول التي تعاني من الفجوات الاقتصادية على مستوى العالم، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة والبرازيل وجنوب إفريقيا.
التحديات البيئية
تواجه الهند أزمة تلوث هواء متزايدة وتداعيات الاحترار العالمي. ووفقاً لتقرير عن المدن الأكثر تلوثاً على مستوى العالم، أعدته مجموعة (IQ Air)، وهي مجموعة مراقبة جودة الهواء ومقرها سويسرا، تبين أن 9 من المدن العشر الأكثر تلوثاً في العالم تقع في الهند، وصُنفت دلهي على أنها أكثر العواصم تلوثاً في العالم لعام 2023.
وبحسب تقرير للأمم المتحدة، تعد الهند ثالث أكبر متسبب في انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، لكنها تعهدت بالوصول إلى اقتصاد قائم على صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2070، وهو تاريخ يسبق عقدين من التاريخ الذي حددته غالبية الدول الغربية الصناعية.
تعمل الهند أيضاً على تعزيز قوتها العسكرية لمواجهة التحديات الأمنية، مثل النزاع المستمر مع باكستان. لذا، تعمل نيودلهي على استثمارات ضخمة في التكنولوجيا العسكرية والبحث والتطوير لتعزيز قدرتها الدفاعية، وفق التقرير.
على الصعيد الدبلوماسي، تعد الهند عضواً في مجموعة بريكس التي تضم دولاً ناشئة أخرى مثل الصين والبرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا والإمارات والسعودية ومصر وغيرها. كما تسعى إلى تعزيز علاقاتها الدولية من خلال عضويتها في منظمات مثل منظمة شانغهاي للتعاون ومجموعة العشرين.
وفيما أظهرت الهند في قيادتها لمجموعة العشرين أنها تسعى إلى تعزيز مكانتها كقوة كبرى، فإنها «لا تزال بعيدة» عن تقديم المساعدات أو الاستثمارات الخارجية أو التجارة التي قد تجعلها في مصاف القوى العظمى، وفق التقرير.
وعلى الرغم من هذه التطلعات، فإن الصين والولايات المتحدة تظل على رأس هرم القوى العالمية. وبهذا، فإن الهند بحاجة إلى مزيد من الوقت والجهود الجادة لتتمكن من بناء علاقات تجارية خارجية قوية وتوسيع دورها في الساحة الدولية.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس