تستمر أسعار السلع الأساسية في التأثر بشكل كبير بالعوامل الجيوسياسية والاقتصادية في عام 2024، ما كان له تأثير ملموس على أسواق النفط والذهب والغاز والنحاس.
ومع بدء عام 2025، توقع تقرير نشره موقع صحيفة «ذا تايمز»، باستمرار تأثر أسعار السلع بعدد من العوامل، بما في ذلك احتمال فرض رسوم جمركية جديدة في ظل رئاسة ترامب، وسرعة خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، وصحة الاقتصاد الصيني، أكبر مستهلك للنفط والمعادن الصناعية في العالم.
في ظل وجود العديد من حالات عدم اليقين في الأفق، يواصل المشاركون في السوق مراقبة هذه التطورات من كثب، حيث يتطلعون إلى تحديد الاتجاهات المستقبلية لأسعار السلع الأساسية في الأشهر المقبلة.
النفط
شهدت أسعار النفط تقلبات كبيرة طوال عام 2024، حيث ارتفعت الأسعار فوق 90 دولاراً للبرميل في ظل القلق من اضطرابات الإمدادات؛ بسبب النزاعات في الشرق الأوسط.
وفي نهاية العام، قررت "أوبك+" تأجيل خططها لفك القيود على الإنتاج، حيث تم تأجيل إعادة 2.2 مليون برميل يومياً من سبتمبر 2024 إلى أبريل 2025، مع تمديد الجدول الزمني لهذه الزيادة من 12 إلى 18 شهراً.
وعلى الرغم من هذه الجهود من قبل دول "أوبك+"، بقيادة السعودية وروسيا، لتهدئة السوق، من المتوقع أن يعوض المنتجون من خارج "أوبك"، وخاصة الولايات المتحدة، زيادة الإنتاج؛ مما سيحد من أي زيادة كبيرة في أسعار النفط حتى مع تعافي الطلب ببطء.
وأشار التقرير إلى أن التوقعات المستقبلية لأسعار النفط تعتمد بشكل كبير على تعافي الاقتصاد الصيني، الذي لم يسجل أداءً قوياً في السنوات الأخيرة نتيجة لتراجع القطاع العقاري وضعف الاستهلاك المحلي. ورغم أن السياسات التحفيزية في الصين قد توفر بعض الدعم لسوق النفط، إلا أن المحللين يواصلون توخي الحذر في تقديراتهم.
وتتوقع شركة (Argus)، المتخصصة بتحليل البيانات حول أسواق الطاقة والسلع الأساسية، أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 79.9 دولاراً للبرميل في 2025، وهو مماثل لمتوسط سعر العام الماضي. من ناحية أخرى، يتبنى «بنك أوف أميركا» رؤية أكثر تحفظاً، حيث يتوقع أن يصل سعر النفط إلى 65 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام؛ بسبب تراجع الطلب على الوقود في الصين والتحول المستمر نحو السيارات الكهربائية.
علاوة على ذلك، قد تؤدي عودة ترامب إلى سياسة «الضغط الأقصى» ضد إيران، بما في ذلك فرض عقوبات على صادرات النفط الإيراني والفنزويلي، إلى زيادة أسعار النفط. ويشير المحللون إلى أن التوترات الجيوسياسية من هذا النوع قد تم أخذها بالفعل في الاعتبار من قبل الأسواق عند تحديد الأسعار الحالية. ومع ذلك، فإن أي تصعيد إضافي في هذه التوترات قد يدفع الأسعار نحو الارتفاع بشكل أكبر.
الذهب
سجلت أسعار الذهب مستويات شبه قياسية في 2024، نتيجة للمخاوف من التصعيد في أوكرانيا والقلق من تزايد التوترات في الشرق الأوسط. ومع تدفق المستثمرين نحو الذهب كملاذ آمن، ارتفعت الأسعار لتقترب من 2800 دولار للأونصة.
ومع ذلك، أكد التقرير أن أسعار الذهب لم تتأثر فقط بالعوامل الجيوسياسية؛ إذ لعب تخفيض أسعار الفائدة التدريجي من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أيضاً دوراً مهماً. فبشكل عام، يدعم انخفاض أسعار الفائدة جاذبية الذهب، حيث يقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ به.
ومن المحتمل أن تحدد وتيرة خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية وأيضاً البيئة التضخمية في 2025 اتجاه أسعار الذهب. وتتوقع شركة الاستشارات المالية «بانمور ليبروم» (Panmure Liberum) أن يبلغ متوسط سعر الذهب 2450 دولاراً للأونصة في 2025، وهو ما يبقى أعلى من مستويات النصف الأول من 2024 لكنه أقل من الذروة التي سجلت في أكتوبر 2024. في المقابل، يتبنى «بنك أوف أميركا» رؤية أكثر تفاؤلاً، حيث يتوقع أن يصل السعر إلى 2750 دولاراً للأونصة بحلول نهاية العام، مع استمرار تأثير خفض أسعار الفائدة.
مع ذلك، أشار التقرير إلى أن ديناميكيات شراء الذهب من قبل البنوك المركزية سيكون لها أيضاً تأثير على السوق. ففي حين أن البنوك المركزية في الأسواق الناشئة قد عززت مشترياتها من الذهب في 2024، يتوقع بعض المحللين أن تقوم هذه البنوك بتقليص مشترياتها على المدى القصير، مع التركيز على حماية عملاتها في مواجهة الدولار الأقوى. كما أوضح فرانسيسكو بلانش من «بنك أوف أميركا»، أن البنوك المركزية في الدول النامية قد تعتبر الذهب أداة ملاذ آمن، لكنها قد تعيد تخصيص مواردها في الوقت الحالي.
الغاز
أنهت أسعار الغاز في أوروبا عام 2024 بارتفاع طفيف بعد أزمة الطاقة التي نشأت في 2022، حيث سجل العقد الآجل للغاز الطبيعي (TTF) الهولندي زيادة في نهاية العام. وكان من أبرز العوامل التي أسهمت في هذا الارتفاع إنهاء اتفاقية عبور الغاز بين روسيا وأوكرانيا، التي كانت تُعد من الطرق الحيوية لنقل الغاز إلى بعض المناطق الأوروبية.
ونظراً لأن مستويات التخزين في أوروبا ما تزال عند أدنى مستوياتها منذ عام 2021؛ يحذر المحللون من أن الأشهر الصيفية القادمة قد تشهد ضغوطاً إضافية لملء المخزونات من جديد.
وتتوقع شركة (Argus) أن يبلغ سعر الغاز الأوروبي 46.24 يورو لكل ميغاواط ساعة في يناير 2025، مع انخفاض طفيف إلى 40.22 يورو بنهاية العام. ومع ذلك، من المرجح أن تبقى السوق متوازنة بشكل دقيق، مع زيادة المنافسة على الغاز الطبيعي المسال، خصوصاً إذا كان الشتاء أبرد من المعتاد.
كما يتوقع «بنك أوف أميركا» أن يبلغ متوسط سعر الغاز 40 يورو لكل ميغاواط ساعة في 2025، مع إمكانية حدوث ارتفاع إلى 70 يورو لكل ميغاواط ساعة إذا تفوق الطلب على العرض.
النحاس
شهد النحاس، الذي يعتبر من المعادن الأساسية للتحول في الطاقة وتطوير البنية التحتية، انخفاضاً حاداً في سعره من ذروة تجاوزت 11,000 دولار للطن في منتصف 2024 إلى حوالي 8,800 دولار بنهاية العام.
وفقاً للتقرير، يتفق المحللون على أن انتعاش أسعار النحاس في 2025 سيعتمد بشكل كبير على تعافي الاقتصاد الصيني. وعلى الرغم من أن جهود بكين لتحفيز النمو، خاصة في قطاعات مثل القطارات عالية السرعة، الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، من المتوقع أن تعزز الطلب على النحاس، إلا أن استمرار الركود في القطاع العقاري قد يواصل الضغط على الأسعار.
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يشهد النحاس زيادة طفيفة في الطلب في 2025، ولكن من غير المرجح أن تكون هذه الزيادة كافية لدفع الأسعار إلى مستويات ما قبل الأزمة. كما تشير توقعات «بانمور ليبروم» إلى أن النحاس سيتداول عند حوالي 8,900 دولار للطن في منتصف 2025، وهو ما يعكس تقديرات أقل من السابق. في المقابل، يتوقع «بنك أوف أميركا» أن يشهد النحاس انتعاشاً طفيفاً ليصل إلى أقل من 9,500 دولار للطن بنهاية العام.
كما أكد التقرير أن التحديات الاقتصادية العالمية المستمرة، مثل فائض الإنتاج في قطاع التصنيع في الصين وارتفاع معدلات الفائدة، ستؤثر على أسعار النحاس. ويحذر المحللون من أن اندلاع حرب تجارية، خاصة في حال تجديد رئاسة ترامب، قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الصناعي العالمي الذي يعاني بالفعل من الركود.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس