تفاعلت مع محيطها العام واشتبكت معه بنفسها فى الثالث من فبراير عام 1975، غفت أم كلثوم غفوتها الأخيرة وتوقف صوتها عن الصدح، وغابت بغيبتها الليالى القاهرية التى جعلت من العاصمة المصرية مركزًا لفن الغناء العربى، وبرغم مرور كل تلك السنوات الطويلة على وفاتها وتبدل كل شىء فى عالمنا العربى، وتغيرت الأمزجة والثقافات ومعايير الفن والجمال فى البيئة العربية، بقى صوتها حاضرًا براقًا، يسطع مع كل شمسٍ وينير مع كل قمرٍ، وبقت سيرتها الإنسانية والفنية محط تساؤل وتحليل ونقد لتلك الظاهرة الفريدة التى أكدت ببقائها تجاوزها لكل الأجيال والأزمان، وبرغم تعدد الدراسات والكتب والأعمال الفنية التى تناولت تلك السيرة، فى محاولة من الجميع لفهم الظاهرة وتفكيك ملامحها الأسطورية.
برغم تعدد ما كتب عنها وما سيكتب مستقبلاً، يبقى السؤال دائمًا عن جديد ما يكتب عنها، خصوصا أن معظم ما كتب كان يقوم -بالأساس- على المراجع الكلاسيكية التى تناولت سيرتها، وما دونه رواة سيرتها الأولون، أو -على الأقل- إعادة بناء تلك السيرة المتداولة وتحليلها والنظر إليها من زوايا مختلفة، لذا، عندما شرعت فى كتابة كتابى الأول: «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى» (الصادر عن دار تنمية، أغسطس 2022) عمدت إلى اقتطاع جزء صغير من سيرتها، وسعيت إلى تأسيس سردية تقوم على المصادر الأولية التى شكلت الملامح العامة لسنوات المجهود الحربى، وتتبع كل كتب فى الصحف وراج بين المصريين والعرب آنذاك، لعلى أستطيع تكوين صورة مخالفة قدر الإمكان عن سيرتها الشائعة، ووضع القارئ داخل المرحلة التاريخية، تاركًا له حرية الرؤية، ومساحة كافية لتقيم الوقائع وفقًا لفهمه للأحداث.
ورغم أن الكتاب جاء شكله النهائى فى قالب يشبه اليوميات التى أرخت لسيرة السيدة فى تلك السنوات المفصلية، بعد أن اعتمدت على أرشيف المجلات الفنية والصحف اليومية، ومراجعة كل الوثائق والرسائل المحفوظة فى متحفها بالقاهرة، محاولاً تكوين مشهدية واسعة عن أيام أم كلثوم فى رحلاتها الخارجية وجولاتها الداخلية منذ إطلاقها لحملتها الشهيرة «الفن من أجل المجهود الحربي» فى بدايات شهر يوليو 1967، ظل الكتاب فى مجمله لا يطرح فقط ظاهرة أم كلثوم من منظور تاريخى، من حيث الوقائع التاريخية والتبرعات المالية والأحداث الساخنة التى غيرت وجه مصر بعد النكسة، لكن يوثق أيضًا تلك السنوات الغنية من الناحية الفنية، ويجمع ما غنته أم كلثوم من نتاج فنى وصوتى كان له أبلغ الأثر فى حفظ صورتها المرئية والمسموعة.
فالكتاب لا يعتمد فقط على إطاره العام الخاص بتسجيل وقائع الجولات العربية من الناحية التاريخية، ولكنى كنت أطمح أيضًا إلى تقديم أرشفة فنية دقيقة لتلك الحفلات المهمة التى قدمتها أم كلثوم فى العالم العربى وباريس، وتوثيق وتدقيق تلك التسجيلات المسموعة والمرئية التى وصلت إلينا، وحفظت لكل أغنية أو قصيدة شهيرة، نسخة أو اثنتين وربما أكثر بصوت السيدة أم كلثوم، وتوثيق تلك التفاعلية الجماهرية مع غنائها، التى أسهمت فى جعل كل نسخة من أغانى الست مختلفة عن نظريتها، وهى الخاصية الأساسية التى جعلت غناء أم كلثوم متفردًا ولا يقارن بغيره.
ففى السياق الذى سعت إليه السيدة أم كلثوم فى جولاتها الخارجية والداخلية، شاء القدر أن يحفظ لنا مجموعة من التسجيلات العظيمة التى قدمتها الست فى نهاية عمرها الفني، وحفظت لنا الوسائط المتعددة سواء كانت مسموعة أم مرئية، مجموعة كبيرة من المقاطع المصورة لجولاتها فى المنطقة العربية، ليس فقط وهى تغنى على المسرح، لكن أيضًا لتجولها فى شوارع وميادين العواصم العربية، التى عشقت صوت أم كلثوم على مدار عقود ولم يحالفها الحظ أن تراها.
لذا حاولت قدر الإمكان توثيق تلك المقاطع المصورة والمسموعة، وتتبع تلك التسجيلات ومحاولة ضبط طول مدتها المذاعة، والمقارنة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بوابة الأهرام