حين تنتهي الحرب ويسقط الديكتاتور وتصل الأمة حد الأزمة، عندها يحين وقت تعلو فيه الأصوات للدعوة إلى دستور جديد. لكن وضع الدستور أمر محفوف بالأخطار إذ لا بد من اتخاذ قرارات صعبة وعظيمة الأثر حول الاتجاه الذي ستتخذه البلاد، وعليه ينبغي توخي الحرص بصفة خاصة عند تصميم العملية.
هذا ما فعلته إدارة العمليات العسكرية في سوريا عند تسلمها السلطة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، إذ أعلن قائدها أحمد الشرع الذي يتولى زمام العملية السياسية في البلاد اليوم، أنه ينوي "كتابة دستور جديد يليق بسوريا الحرة" على حد وصفه، ولكن المدة التي أعلن عنها لكتابة هذا الدستور من ثلاثة إلى أربعة أعوام فاجأت كثيرين الذين عدوا أن تصريحه يشير إلى أن الفئة التي تحكم الآن تريد أن تضع دستوراً بحسب معتقداتها في ظل وجود أساسات تاريخية لعدد من الدساتير السورية ووجود الأرضية التي يبنى على مقتضاها دستور جديد لا يحتاج لكل هذه المدة، وإنما يستطيع المشرعون أن ينجزوه في فترة تراوح ما بين ستة أشهر وسنة.
مدة طويلة... فراغ دستوري
وعلى رغم أن التاريخ يذخر بالأمثلة عن كتابة الدستور في وقت قياسي، مثل دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة لعام 1958، الذي أنجز بطلب من الجنرال ديغول حين كلف المتخصص ميشال ديربيه الإشراف على كتابته والذي بدوره جاء بسبعة أو ثمانية خبراء قانونيين ودستوريين وقضاة معروفين، وفي غضون أسبوع واحد قدموا لديغول مسودة الدستور الذي أجريت عليه تعديلات حتى عام 2008.
أما الدستور الأميركي، فكتب أثناء مؤتمر فيلادلفيا المعروف باسم المؤتمر الدستوري، الذي انعقد بين 25 مايو (أيار) و17 سبتمبر (أيلول) أي في أقل من أربعة أشهر، ووقع عليه في هذا التاريخ على رغم أن الولايات المتحدة كانت خارجة في ذلك الوقت من حرب الاستقلال.
إلا أن لقائد العمليات العسكرية والسياسية في سوريا أحمد الشرع رأياً آخر، فقد قال في أحد لقاءاته، "إن صياغة دستور جديد أو تعديلات دستورية تحتاج إلى وقت طويل من قبل الخبراء، وربما تستغرق سنتين أو ثلاثاً الله أعلم، وربما أربعاً فهناك كثير من التفاصيل التي يجب أن تناقش داخل الدستور، فنحن اليوم في إعادة تأسيس الدولة، وليس تسيير الدولة كما كانت عليه في السابق".
ولم يلقَ هذا التصريح قبولاً لدى عدد كبير من أطياف الشعب السوري وكثير من القانونيين ورجال السياسة، فقد عبر هادي البحرة رئيس "الائتلاف الوطني السوري" عن رفضه كلام الشرع قائلاً، "إن كتابة الدستور لا تستغرق أكثر من ستة أشهر، وفي أسوأ أحوالها سنة، فما يريده الشعب السوري من الدستور واضح وهو فصل متوازن بين السلطات، ويريد سيادة القانون والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، فهناك دساتير كاملة جاهزة وموجودة".
وفي هذا السياق عبر الباحث السياسي خالد النبواني عن رأيه بالقول، "إن كلام الشرع حق، قد يراد به باطل"، ويتابع "الدستور السوري أنجز فيه الكثير، فهناك نقاشات لا يجب أن تبدأ من الصفر، ويجب البناء على ما تم تقديمه، لكن المشكلة أن الحكومة الجديدة تريد وضع دستور جديد يتلاءم مع خلفية أيديولوجية معينة لا تقتضي بفصل السلطات أو بناء دولة المواطنة، من ثم فهي لا تريد البناء على ما تمت مناقشته بصورة مدنية في السابق بل ترفض تلك المرحلة وتضع نفسها وصية على الشعب". ويضع النبواني افتراضاً قائلاً "إذا تم قبول مهلة الأربعة أعوام، فبأي طريقة ستحكم سوريا، فالدستور السابق معطل ولم يتم العودة للدساتير السابقة، لذلك فإن سوريا تعيش في حال فراغ دستوري، وفي حكومة ليس لها شرعية سوى الشرعية الثورية، وبالتالي تبقى منقوصة".
السير على نهج باقي الدول
إن معظم الدساتير في العالم تدعي أنها كتبت بواسطة "نحن الشعب" وقد يعتمد ملايين البشر دستوراً في تصويت وطني، إذ يعهد بالكتابة الفعلية لذلك الدستور إلى هيئة مسؤولة عن وضع الدستور، وتأخذ هذه الهيئة أشكالاً عدة فقد تكون مجموعة معينة أو منتخبة من الأشخاص، وهنا يشير عدد من القانونيين السوريين إلى أن هذه النقطة لحد اللحظة غير واضحة المعالم، فمن هم الذين سيكتبون دستور سوريا الجديد، ومن سيكلفهم وكيف؟ إذ يرون أن هذه اللجنة يجب أن يكون مصدقاً عليها من قبل الشعب.
لكن كل هذه الأسئلة كان سيجاب عليها في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان مقرراً أن ينعقد في الأيام السابقة، إذ كان على بند أعماله، تجميد دستور 2012 بعد الاتفاق على مبادئ دستورية انتقالية مع انبثاق لجنة خبراء عن المؤتمر للعمل على صياغة دستور جديد يعرض لاستفتاء شعبي.
هذا الإجراء الدستوري يشبه حالات كثيرة في عدد من البلدان، ففي دولة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية