تسجيل داني أولمو.. نقطة أخرى في بحر مشاكل برشلونة

في الصيف الماضي، وبعد تقديمه أداء لافتا، ساهم في تتويج إسبانيا ببطولة اليورو، تواترت التقارير والأنباء عن وضع اسم داني أولمو، على طاولة سوق انتقالات فريق برشلونة الإسباني، ورغم بعض الانتقادات، المتعقلة بعدم وجود حاجة تكتيكية حقيقية له في خطة برشلونة، والغموض المحيط وقتها بما سيغيره مدرب الفريق الجديد، الألماني هانزي فليك، في طريقة لعب الفريق، فقد نجح النادي في إبرام الصفقة، رغم معاناته المألوفة مع مشاكله المالية، التي حولت كل عشاق النادي (بتعبير ساخر من محلل كروي معروف) إلى خبراء في الاقتصاد، مع تكرار مصطلحات "الرافعات الاقتصادية" و"بيع الأصول" و"قواعد اللعب المالي النظيف" وغيرها..

قدم اللاعب منذ انضمامه للفريق أداء مميزا حاز إعجاب الجماهير، خصوصا في القسم الأول من الموسم الذي شهدت انتصارات وتألقا لبرشلونة في مواجهة أندية من العيار الثقيل، كبايرن ميونخ الألماني وريال مدريد الغريم الأزلي، وهكذا نسي الجميع تفصيلا هامشيا، لم يتوقع أحد تحوله إلى معضلة في خضم موسم متخم بالمباريات والتحديات على مختلف الأصعدة المحلية والأوروبية، إذ لم ينجح النادي في تسجيل اللاعب رسميا في لوائح الاتحاد الإسباني، إلا بعد الاستفادة من فسحة الإصابة الطويلة التي تعرض لها لاعب آخر، هو الدنماركي أندرياس كريستنسن، وذلك لأن برشلونة لم ينجح وقتها في تسوية وضعيته الخاصة بقواعد اللعب المالي النظيف، إلى أن عاد الدنماركي من إصابته، فطفت المشكلة إلى السطح من جديد، وصار أولمو (ولاعب آخر هو باو فيكتور) محرومين قانونيا من اللعب.

ضمانات مالية طالبت رابطة الدوري الإسباني النادي بتقديم ضمانات مالية إضافية لإعادة تسجيل اللاعب ضمن قائمة الفريق. وبسبب القواعد المذكورة السابقة، التي تُلزم الأندية بالحفاظ على توازن معين بين الإنفاق والإيرادات، كان المطلوب هو تقليل كتلة فاتورة الرواتب قبل إعادة تسجيل أولمو، مما وضع الإدارة في موقف معقد، لصعوبة تنفيذ ذلك وسط الموسم، حيث يتوجب على الأغلب بيع لاعبين لتوفير السيولة، وهو ما تحجم عنه معظم الفرق الكبرى في فترة الانتقالات الشتوية، حيث تكون بأقصى حاجة إلى أعمدة الفريق، فيما لن يساهم حتى بيع بعض اللاعبين الهامشين في تخفيف الأعباء المالية وبالتالي حل المشكلة.

عبّر الجمهور عن استيائه الشديد من استمرار هذه الأزمات (لأن أزمة أولمو ليست الأولى ومن الواضح أنها لن تكون الأخيرة على المدى القصير) وقد أصبحت عامل عرقلة لاستقرار الفريق، فلطالما كان نادي برشلونة رمزًا للعراقة الرياضية والقوة الاقتصادية تجسيدا لشعاره الشهير "أكثر من مجرد ناد"، لكن الأزمات الأخيرة تركت آثارًا سلبية عميقة شوهت صورة النادي، ما أثار إحباط الجماهير التي انتظرت من إدارة النادي العمل على استقرار الوضع الاقتصادي بدلاً من افتعال المزيد من المشاكل، أضف إلى ذلك أن هذه الأزمات المالية صارت مصدر قلق سيجعل العديد من اللاعبين يفكرون مرتين قبل الانضمام إلى برشلونة، الذي كان إلى وقت قريب حلما لأي لاعب، ويتجسد ذلك حاليا أمام أنظار المتابعين، فالنادي الآن غير قادر على المنافسة بشكل قوي في سوق الانتقالات أو حتى الحفاظ على استقرار إدارته، بل إن أحد أبرز نجوم الفريق، البرازيلي رافينها، كان صريحا في قوله إن مشكلة تسجيل أولمو تؤثر حاليا على تركيز المجموعة داخل غرفة تغيير الملابس.

مواضيع ذات صلة الواقع إن خوان لابورتا قد تولى إدارة النادي (أو عاد لإدارته بتعبير أدق) وسط آمال كبيرة بتحقيق التعافي المالي والرياضي الناجم عن سوء إدارة سلفيه روسيل وبارتوميو، لكن الواقع أظهر أن الإدارة الحالية ساهمت في تعميق الأزمة بدلاً من حلها، فباعت أصولا إستراتيجية مثل حقوق البث التلفزيوني وحقوق الرعاية التجارية بهدف توفير سيولة فورية، لكنها أثرت بذلك سلبًا على مستقبل النادي، كما أشارت التقارير إلى وجود خلافات داخلية في الإدارة، ما أدى إلى تأخر اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بإدارة سلم الرواتب أو بيع اللاعبين الأقل تأثيرًا، ورغم كل ما يقال عن وجود تحيز ما من الاتحاد الإسباني لريال مدريد مقابل مواصلته ضغوطه على برشلونة، إلا أن الأخير عاجز فعلا عن حل مشكلاته جذريا، ويكتفي فقط بحلول ترقيعية آنية، وبالتالي صار في مرمى تطبيق القوانين القاسية.

الاستقرار الاقتصادي تعقيد المشكلة في نظري ينبع من سببين متداخلين، الأول هو الإدارة السابقة التي دمرت الاستقرار الاقتصادي للفريق، وهذا ما يردده لابورتا في كل خطاباته، ومعه حق في ذلك، لكن السبب الثاني مرتبط به هو شخصيا، إذ من الواضح إصراره على إدارة الفريق بعقلية شعبوية ربما ناسبت فترة إدارته الأولى، التي ارتبطت بعودة برشلونة إلى الأضواء وحصده للألقاب مع جيل رونالدينيو وإيتو، قبل الصعود الصاروخي للأرجنتيني ليونيل ميسي، أحد أعظم لاعبي كرة القدم عبر التاريخ، لكن الوضع تغير، وتحولت كرة القدم بمرور الوقت إلى صناعة تدر المليارات، ولا بد من إدارتها بعقلية توازن بين الجانبين الرياضي والمالي (ما ناقشته في مقال سابق)، عقلية لا يبدو أن لابورتا يتوفر عليها حاليا، رغم تمكنه في نهاية المطاف من تسجيل أولمو وإتاحته للعب، لكن بعد أيام من الضغط العصبي المؤثر على استقرار المجموعة، وبحلول ترقيعية تستهدف تأجيل المشكلة، لا حلها من جذورها.

يحتاج النادي إلى خطة شاملة للخروج من هذه الأزمات وإعادة بناء استقراره المالي والرياضي، وبدلاً من بيع الأصول، بالإمكان تعزيز الإيرادات من خلال تطوير مشاريع تجارية مبتكرة واستغلال شهرة النادي عالميًا، ثم إعادة هيكلة الرواتب لتتناسب مع الإمكانيات المالية الحالية للنادي، مع بيع اللاعبين غير الأساسيين لتحقيق التوازن، ويبدو أن الأنظار تتجه حاليا إلى الهولندي فرانكي دي يونغ والأوروغواياني رونالد أراوخو، مع ارتفاع راتبيهما، وتراجع دورهما في خطط الفريق الحالية، كما يتوجب على الإدارة أن تحسن من أسلوب التواصل مع الجماهير وضمان شفافية القرارات، بالإضافة إلى تقديم رؤية واضحة تعكس التزام النادي بالمنافسة على أعلى المستويات، فقد تغير الحال، وما عادت الفرق الكبرى قادرة على المنافسة بالكلام الشعبوي والشعارات المعسولة، وإذا ما أراد برشلونة استعادة مكانته كواحد من أعظم الأندية في العالم، فعليه تبني استراتيجية جديدة وشاملة لإصلاح الأوضاع المالية والإدارية.


هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة المشهد

منذ 6 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
قناة يورونيوز منذ 12 ساعة
قناة العربية منذ 10 ساعات
سي ان ان بالعربية منذ 10 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ ساعتين
قناة العربية منذ 12 ساعة
بي بي سي عربي منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 3 ساعات
قناة العربية منذ 16 ساعة