يشكل الاقتصاد الموازي في الجزائر أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد في البلاد،وهو ما دفع الحكومة للقيام بإجراءات شملت العصب الذي يموله، وهو السوق السوداء للعملة الصعبة، في حين أنه ولسنوات عدة نص قانون الموازنة العامة للبلاد على إلزامية اعتماد الدفع الإلكتروني من طرف التجار بهدف كبح السوق الموازية، لكن الإجراء أُجِّل أكثر من مرة، بسبب رفض الأغلبية منهم الانخراط فيه.وهو ما يطرح التساؤل حول آليات الرقابة والبدائل التي تعتمدها الجزائر؟ وهل سيساهم الدفع الإلكتروني في كبح هذه الظاهرة؟ أسباب متكررةيحتوى القانون النقدي والمصرفي الجديد في الجزائر على الاحتياطات اللازمة لفتح مكاتب الصرف، حيث حدّدت الحكومة الشروط ورأسمال المكاتب ومناطق تواجدها بالمدن كافة والولايات والموانئ والمطارات، وهو ما سيسمح باستقطاب العملة الصعبة، وتطويق السوق الموازية.
في حين حذر العديد من الخبراء الإقتصاديون بالجزائر من تأثير انتشار السوق السوداء لتجارة العملات الأجنبية على الاقتصاد، خصوصا أن قيمة التداولات في هذه الأسواق وصلت عشرات المليارات من الدولارات.
وعن مصادر تمويل السوق الموازية وأسباب إستمرار هذه الظاهرة يعدد أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر أحمد علوان في حديث لـ"المشهد" إلى مجموعة من المؤشرات من بينها:المضاربة على العملات الأجنبية مثل اليورو والدولار خارج القنوات الرسمية (البنوك). المستوردون أصحاب تضخيم الفواتير هم أحد المصادر الأساسية للتمويل، فجل المبالغ المحصلة يعاد بيعها جزئيًا أو كليًا بالخارج والداخل.المغتربون الجزائريون القاطنون بالخارج، الذين يبيعون جزءًا من مدخراتهم من العملة الصعبة لتجار العملة في الخارج أو على أرض الوطن عند عودتهم."تجار الشنطة" الذين اعتادوا القيام برحلات عدة في السنة لشراء سلع مختلفة من تركيا وأوروبا، على وجه الخصوص، لإعادة بيعها في الأسواق الجزائرية.يلعب أيضا بعض المصدرون دورا في تمويل هذه السوق، حيث لهم نسبة 20% من قيمة الصادرات حددها القانون، يمكن لهم التصرف فيها وسحبها من حساباتهم عند السفر للخارج بشرط تبرير صرفها بفواتير أو وصولات دفع أو أي وثيقة أخرى للصرف.سعر للصرففي ساحة السكوار القريبة من وسط الجزائر العاصمة تقربت المشهد إلى تاجر العملات عمر ايت علي الذي حدثنا أنه "في الأيام الأخيرة، كان هناك نقص في المعروض من اليورو، وهو ما يفسر ارتفاع سعره"، وعن الأسباب التي تجعل العرض أقل من الطلب في السوق السوداء يقول عمر ان هناك العديد من النقاط منها:الطلب المتزايد من قبل المواطنين الجزائريين المسافرين للخارج، خاصة للعلاج، العمرة، الحج.زيادة نسبة الإقبال على استيراد السيارات أقل من 3 سنوات وحتى الجديدة من الخارج، في ظل تذبذب وتوقف عملية الاستيراد الرسمية للسيارات.تسجل سوق "السكوار"هذه الأيام، ارتفاعا كبيرا لأسعار اليورو والدولار بشكل غير مسبوق، رغم تحديد سقف المبلغ المسموح به للمسافر الجزائري سنويا، حيث بلغت قيمة واحد يورو 257 دينار، بينما ارتفع الدولار الأميركي الواحد إلى 245 دينار.إجراءات حكومية من جانبها، تعمل الحكومة على إجراءات متواصلة من شأنها الحد من الأنشطة غير الرسمية، منها تقييد المبالغ التي يمكن للمسافرين المقيمين وغير المقيمين إخراجها من البلاد، من خلال قرار لبنك الجزائر (المركزي) صدر في نوفمبر الماضي.
كما تعمل على تعزيز الدفع الإلكتروني، كوسيلة يمكن من خلالها معرفة قيمة السيولة المالية و محاربة السوق السوداء وبالتالي المساهمة في امتلاك قاعدة بيانات لحركة سير الأموال في السوق الجزائرية.
ووفقا لآخر تقرير صادر عن تجمع النقد الآلي (GIE Monétique)، بلغت قيمة الدفع الإلكتروني بالجزائر (عن طريق أجهزة الدفع الإلكتروني TPE، عبر الإنترنت أو من خلال الهاتف النقال) 59.993 مليار دج بين يناير ويونيو 2024، مقابل 38.113 مليار دج خلال نفس الفترة من عام 2023، أي بزيادة قدرها 57.41%.وإجابة على السؤال المتعلق بمدى تأثير تعزيز الدفع الإلكتروني على السوق الموازية يرى الخبير في المالية أحمد خرشي، أن نص القرار أكد على تقييد مبلغ النقد الأجنبي المسموح بإخراجه من طرف المسافرين المقيمين وغير المقيمين عند 7,500 يورو مرة واحدة في السنة شرط إظهار وثيقة سحبه من البنك، عكس ما كانت تسمح به التشريعات بإخراج 7,500 يورو في كل مرة، شرط أن يظهر المسافر وثيقة سحب المبلغ من البنك وأشار محدثنا إلى أن الوضع قبل هذا القرار "ساهم في إستمرار الفوضى في السوق الموازية، وتهريب الأموال، والتجارة غير القانونية في العملة الأجنبية".
وعن الإجراءات الممكن إتباعها للحد من التداول المالي في السوق الموازية يعدد الخبير خرشي في حديث لمنصة "المشهد" مجموعة من النقاط: تعزيز عمليات الدفع الإلكتروني في المعاملات المالية ومواكبة التقنيات المتقدمة لحماية المعاملات مثل التشفير، المصادقة الثنائية، وكلمات المرور الديناميكية، مما يقلل من مخاطر الاحتيال. الإسراع في اعتماد فتح مكاتب الصرف التي أقرها القانون النقدي والمصرفي وصدرت نصوصها التنظيمية. حيث أن هذه المكاتب ستتولى أحد وظائف البنوك وهو صرف العملة لمستحقيها وفقًا للقانون من منحة السياحة، العلاج، المهام للخارج .محاربة تبييض الأموال بالبيوت الآمنة وإخراجها للتداول، والضرب بيد من حديد حتى يتخلى الجميع عن تكديس الأموال بالعملة المحلية أو الأجنبية، ما يترتب عليه من تراجع الطلب على العملة الصعبة وسعر صرفها بالسوق الموازية.تشديد الرقابة الجمركية والشرطية على الحدود البرية والبحرية والجوية لمكافحة تهريب العملة الصعبة.إخضاع الشركات والمؤسسات الأجنبية للرقابة الصارمة من قبل المفتشية العامة للمالية ومجلس المحاسبة(المشهد - الجزائر)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد