أصبح الضعف غير المتوقع للدولار الأميركي فجأة مشكلة عالمية، وباتت التداعيات تؤثر على أرباح الشركات الكبرى في أوروبا وآسيا، لتشمل الأسواق العالمية، وتغير سلوك المستثمرين والسياسات النقدية للبنوك المركزية.
واستأنفت العملة الأميركية تراجعها السريع يوم الأربعاء، مسجلةً مستويات منخفضة جديدة مقابل اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني والفرنك السويسري.
وكان انخفاض الدولار تاريخيًا، حيث انخفض مؤشر (ICE) للدولار الأميركي، وهو مقياس لقيمة الدولار مقابل سلة من العملات، بنسبة 8% هذا العام، مسجلًا أسوأ بداية له منذ عام 1995.
ونظراً لدور الدولار باعتباره العملة الأساسية المستخدمة في التجارة والتمويل العالميين، فإن التقلبات في سعره لها عواقب عالمية كبيرة.
التأثير في الشركات والأصول
بينما يبيع المستثمرون أصولهم المقومة بالدولار الأميركي، وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي، فإنهم يعيدون تدويرها وتحويلها إلى عملات محلية، مما يرفع قيمتها.
ويؤدي ضعف الدولار إلى انخفاض قيمة الأرباح التي تحققها الشركات الأجنبية من أقسامها الأميركية عند تحويلها إلى اليورو أو الين. كما أنه يجعل السلع التي تنتجها هذه الشركات أكثر تكلفةً على المستهلكين الأميركيين.
ومن المتوقع أن تتأثر أرباح شركة تويوتا اليابانية سلبًا بارتفاع قيمة الين من 157 بنا إلى 143 ينًا للدولار في بداية العام. ولسنوات، ساهم ضعف الين في تعزيز ربحية تويوتا وغيرها من شركات التصدير اليابانية الكبرى.
وفي أوروبا، من المرجح أن تؤثر تقلبات العملة سلباً على نتائج شركات السلع الفاخرة مثل «برادا» و«لوي فيتون» وغيرهما، وفقاً لبنك «يو بي إس».
بالنسبة للشركات الأجنبية، يُفاقم ضعف الدولار أجواءً اقتصاديةً قاتمة أصلاً.
وقالت مارغريت ماكليود، الرئيسة التنفيذية لشركة «هاريس تويد هيبريدس»، وهي الشركة التي تصنع الأقمشة الصوفية المرتبطة منذ فترة طويلة ببريطانيا: «باعتبارنا شركة مصنعة للمنسوجات تعتمد على أسواق التصدير، فإن التعامل مع ضعف الدولار من شأنه بالتأكيد أن يزيد تحدي التجارة مع الولايات المتحدة خلال الأشهر المقبلة».
الذهب.. الملاذ الآمن
سجّل الذهب ارتفاعًا قياسيًا يوم الأربعاء، مدفوعًا بضعف الدولار، وتصاعد التوترات التجارية، مما عزز الطلب على الأصول الآمنة.
وقال تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في شركة (KCM Trade): «إن تضافر عدة عوامل مثل انخفاض الدولار واستمرار العزوف عن المخاطرة يصب في مصلحة الذهب»، وفق موقع «إنفيستيغ».
وقالت (ANZ) إن عمليات الشراء بدافع العزوف عن المخاطرة لم تبدأ بعد، ورفعت توقعاتها لسعر الذهب بنهاية العام إلى 3600 دولار للأونصة، وتوقعاتها على مدى ستة أشهر إلى 3500 دولار.
وقال برايان لان، المدير التنفيذي لشركة (GoldSilver Central) ومقرها سنغافورة: «سيظل الذهب قويًا طالما استمرت حالة عدم اليقين».
عواقب عالمية
من المتوقع أيضًا أن يُخفّض ارتفاع العملات والرسوم الجمركية التضخم في بقية أنحاء العالم، على عكس الولايات المتحدة، حيث حفّزت الرسوم الجمركية توقعات التضخم.
ديريك هالبيني، رئيس أبحاث الأسواق العالمية في بنك (MUFG) الياباني ومقره لندن قال: «إنه بالنسبة للمصدرين، لن يُخفف انخفاض قيمة العملة بعض آثار الرسوم الجمركية على المستهلك الأميركي النهائي، بل سيكون له تأثير سلبي أكبر بالتأكيد»، وفق ما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال».
وبالنسبة للبائعين خارج الولايات المتحدة لمختلف أنواع السلع، يُمثل الانخفاض الحاد في قيمة الدولار ضربة مزدوجة، إذ يُفاقم الخسائر الناجمة عن رسوم الاستيراد التي فرضها ترامب.
أما بالنسبة للبنوك المركزية حول العالم، فإن الارتفاع السريع في قيمة عملاتها يُضاعف الضغوط عليها لخفض أسعار الفائدة بشكل أكثر حزمًا.
وكان انخفاض قيمة الدولار مفاجئًا للكثيرين، إذ تُشير كتب الاقتصاد إلى أن العملات الأجنبية تميل إلى الضعف عند فرض الرسوم الجمركية على الاقتصادات، مما يُسهم في انخفاض أسعار السلع لتعويض تكلفة الرسوم.
بدلاً من ذلك، ردّ المستثمرون على سياسات ترامب التجارية المتذبذبة بالتخلص من الأصول الأميركية، متخليين عن رهانات ضخمة وضعوها في السنوات الأخيرة على فكرة تفوق الولايات المتحدة اقتصاديًا على بقية العالم.
نحو دولار أضعف
وفق تقرير لـ«وول ستريت جورنال» أرسل البيت الأبيض إشارات متباينة بشأن تفضيلاته للدولار، لكن بعض مستشاري ترامب الاقتصاديين أشاروا إلى رغبتهم في عملة أميركية أضعف.
وكان ترامب قد جادل سابقًا بأن قوة الدولار أضعفت قدرة المصنعين الأميركيين على المنافسة، وغذّت العجز التجاري الذي يسعى إلى معالجته بالرسوم الجمركية.
ومن المرجح أن يُؤدي تراجع قيمة العملة إلى انخفاض عدد السياح الأميركيين ذوي الإنفاق الأقل، والذين استغلوا قوة الدولار في السنوات الأخيرة للقيام برحلات إلى دول مثل إسبانيا واليابان، مما عزز النشاط السياحي على نطاق أوسع.
كما يُتوقع أن يُلقي ارتفاع قيمة العملات الأجنبية بثقله على النمو الضعيف أصلًا في أوروبا والمملكة المتحدة واليابان.
التأثير في العملات
خفّض شان رايثاثا، كبير الاقتصاديين في فانجارد بلندن، هذا الأسبوع توقعاته لنمو منطقة اليورو لهذا العام والعام المقبل. ويتوقع أن ينمو الاقتصاد في عام 2025 بنسبة 0.8% فقط، مقارنةً بتوقعاته السابقة البالغة 1%، وبنسبة 1% العام المقبل، مقارنةً بتوقعاته السابقة البالغة 1.6%.
كما خفّض «دويتشه بنك» توقعاته لأرباح الشركات المدرجة في مؤشر ستوكس أوروبا 600 من 6% إلى 4%، مُشيرًا إلى ضعف الطلب وقوة اليورو. وحذّر البنك من أنه قد يُخفّض توقعاته للنمو بنقطة مئوية أخرى إذا بقي اليورو عند مستواه الحالي.
من المتوقع أن يُجري كلٌّ من البنك المركزي الأوروبي وبنك كوريا تخفيضاتٍ في أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية يوم الخميس.
وكان من المقرر ألا يجتمع البنك المركزي السويسري مجددًا حتى يونيو، لكن بعض المستثمرين يعتقدون أنه قد يُجري خفضًا طارئًا لأسعار الفائدة للمساعدة على خفض قيمة عملته.
وأوقف بنك اليابان حملته لرفع أسعار الفائدة مؤقتًا في مارس، وخفّض المستثمرون رهاناتهم على زيادات مستقبلية في أسعار الفائدة. وصرح محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، يوم الأربعاء بأن الرسوم الجمركية تقترب من «سيناريو سيئ» قد يدفع البنك المركزي إلى الرد.
وسمحت الصين لعملتها بالانخفاض إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار منذ سنوات. ويخشى البعض في وول ستريت من أن تدفع بكين اليوان إلى مزيد من الانخفاض لتعويض آثار الحرب التجارية، وهي خطوة قد تؤثر في الأسواق المالية.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس
