تشكل الرواية في الإمارات والخليج العربي مستوى إبداعياً متقدماً، وقد ارتقت بعض الأعمال لتصبح علامات بارزة على خريطة الإبداع الروائي العربي، سواء في لغتها أو في بنيتها الدرامية وفي عمق تعبيرها عن زمنها والمجتمع الذي كتبت فيه، إذ طالما كان السرد الإبداعي إحدى الأدوات الفنية الحيوية الراصدة لمختلف التحولات التي تطرأ على المجتمعات، وعبر تراكم السنوات والتجارب أضحى المشهد الروائي الخليجي حاضراً ومؤثراً في المشهد السردي العربي، حسب الواقع المرصود تاريخياً إنتاجاً وتأثيراً وتميزاً، وحسب وجهات نظر روائيين تحدثوا إلى «الاتحاد» عن ماضي وحاضر ومستقبل الإبداع الروائي في الخليج العربي.
يقول د. عمر عبدالعزيز، مدير الدراسات والنشر في دائرة الثقافة بالشارقة: الرواية الإماراتية رافد هام من روافد الرواية العربية، وذلك عطفاً على المتّحد اللغوي، والروحية الثقافية الأنثروبولوجية، النابعة من حقائق الجغرافيا والتاريخ، وما من سردية أدبية في العالم يمكنها أن تنفلت من نواميس الكتابة السردية الدرامية، وما من نص روائي يمكننا اعتباره واقعياً بالمطلق، أو رومانسياً بالمطلق، أو قابلاً بتوصيف وتصنيف صفري يرهنه لنمط من أنماط الكتابة، ذلك أن النص الروائي ينتمي إلى عوالم التناصات الفنية، والتواشجات الكتابية، والتجريبات المجافية للنمذجة المتخشبة.
ويضيف د. عبدالعزيز موضحاً: «بهذا المعنى، ينعتق النص السردي من عاملي الزمان والمكان برغم واقعيته الناجزة، وسنرى في كل نص سردي حضور الميثولوجيا والتخييل، والرأي الذي يخرج من أعطاف الكلام». ويرى د. عبدالعزيز أن هذه الميزات تنطبق على الرواية الإماراتية التي يمكن تنسيبها إلى القديم والجديد معاً، فكل نص سردي يجمع حصراً بين الواقع والخيال، كما يماهي بين الكلاسيكي والرومانتيكي.
ويختم رؤيته أن الرواية أشبه ما تكون بالأقاليم المائية اللامتناهية.. اللغة هي أداة إبحارها، والإنسان جوهر كنهها، وهذا الأمر ينطبق على المعطى السردي الإماراتي، والخليجي، كما العربي والإنساني.
استمرارية التأثير
ومن جانبها، تقول الروائية آن الصافي: إن الرواية الخليجية أثبتت حضورها القوي في المشهد الأدبي العربي، حيث قدمت نصوصاً تعكس التحولات الاجتماعية والثقافية في المنطقة. ولكن هل يمكن اعتبار بعض الروايات الخليجية كلاسيكية؟ الإجابة تكمن في استمرارية تأثير بعض الأعمال، رغم تغير الزمن. على سبيل المثال، تُعد رواية «اللآلئ» (1981) ورواية «القرصان والمدينة» (1982) لعبدالله خليفة من البحرين من الأعمال التي تحمل طابعاً كلاسيكياً بسبب عمقها الفني والفكري، كما قدمت الرواية الإماراتية أعمالاً لافتة مثل رواية «شاهندة» لراشد عبدالله النعيمي، الذي يعتبر رائد الرواية الإماراتية، وقد تناول في عمله هماً إنسانياً بأسلوب سردي متميز.
وتضيف الصافي أن التطور في الأعمال الروائية التي أبدعها كتاب دول الخليج، خلال العقود الأخيرة، يستوقف القارئ والباحث لتنوعها وتميزها. على سبيل المثال، نجد في السعودية تطوراً ملحوظاً مع أعمال الدكتور محمد حسن علوان، ومن أبرز أعماله رواية «موت صغير»، ورائعته «سقف الكفاية»، كما أن زهران القاسمي، الكاتب العماني، صاحب العمل المتفرد «تغريبة القافر»، قدم عملاً متميزاً بحرفية عالية يتناول قضية بيئية، لكن بمحتوى يحمل تفاصيل بيئة قديمة ومتجددة. ومن الكويت، نجد الكاتب المبدع سعود السنعوسي، صاحب رواية «ساق البامبو» التي قدم فيها قضية إنسانية عبر أجيال وثقافات متنوعة. وفي هذا السياق، نرى أن الدكتور أحمد عبدالملك، الكاتب والإعلامي والأكاديمي القطري، قدم رواية «أحضان المنافي» التي استعرضت، بتشريح نفسي لطيف، المراحل الشعورية والنفسية التي يتدرج فيها الرجل حين يصبح أباً لأول مرة.
أما عن أهمية التجديد والانطلاق إلى آفاق جديدة، فترى الروائية آن الصافي أن من الضروري أن تعكس الرواية الخليجية قضايا العصر الراهن، مثل التكنولوجيا، والهجرة، والتحولات الاجتماعية، وتغير مفهوم الهوية. وتضيف: في الإمارات، قدمت الكاتبة نورة النومان رواية «أجوان» في أدب الخيال العلمي، مما يعكس قدرة السرد الإماراتي على مواكبة القضايا العالمية، كما تناولت ريم الكمالي في رواية «سلطنة هرمز» البعد التاريخي بطرح معاصر. التجديد في الرواية لا يعني التخلي عن التراث، بل الاستفادة منه، والانطلاق نحو رؤى أكثر انفتاحاً تعبر عن الحاضر والمستقبل.
مرآة المجتمع
الروائي محمد الحبسي يرى أن لكل عصر إيقاعه الفني المتميز، وتشكل الرواية في عصرنا ملحمة التعبير الأدبي، على مستوى الفرد والمجتمع. ويضيف: «قد بلغ من أهمية هذا الجنس الأدبي أن الناقد د. جابر عصفور أولى الرواية.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية





