هل تكشف الجينات الوراثية الأساس البيولوجي لفرق الأعراق بين البشر؟

هل تكشف الجينات الوراثية الأساس البيولوجي لفرق الأعراق بين البشر؟ في الوقت الذي انتقد فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، معهد "سميثسونيان" البحثي، واتهمه بنشر "أيديولوجيا مناهضة لأمريكا"، يستعرض آدم رذرفورد في هذا التقرير ما كشفه علم الوراثة عن مفهوم العرق البشري.

يقول رذرفورد، وهو محاضر في علم الوراثة في كلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة، ومقدم برامج في بي بي سي ومؤلف كتاب "كيف تجادل عنصرياً"، الذي يتناول تاريخ ومفاهيم العرق من منظور علمي، إنه عندما كشف العلماء عن مشروع الجينوم البشري قبل خمسة وعشرين عاماً، بدا الأمر وكأنهم وضعوا نهاية حاسمة لبعض الأساطير القديمة ذات الصلة بالعرق، بعد أن قدم المشروع دليلاً دامغاً على أن التصنيفات العرقية لا تستند إلى أي أساس بيولوجي، بل إن التنوع الوراثي بين أفراد المجموعة العرقية نفسها كبير مقارنة بالتنوع داخل المجموعات الأخرى، وبهذه الطريقة أثبت المشروع أن مفهوم العرق هو بناء اجتماعي محض.

وعلى الرغم من هذه النتيجة المهمة، التي عزز صحتها استمرار التقدّم في علم دراسة الجينوم البشري، فإن مفهومي العرق والإثنية لا يزالان يُستخدمان على نطاق واسع لتصنيف البشر كمجموعات بيولوجية متمايزة، وهذه التصورات لا تقتصر على المنشورات التي تقدم محتوى غير علمي على منصات وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بل تسللت إلى ميادين البحث العلمي وأنظمة الرعاية الصحية.

لكن ما يعد أكثر إثارة للقلق هو تسلل مثل تلك المفاهيم إلى أروقة الحكومات.

لم يُخفِ ترامب وإدارته معارضتهما لعدد كبير من الرؤى العلمية. فمنذ عودته إلى البيت الأبيض، اتخذ الرئيس الأمريكي قرارات تقضي بخفض شامل لتمويل الأبحاث العلمية المتعلقة بالطب الحيوي وتغيّر المناخ، كما وجّه انتقادات، خلال أمر تنفيذي مؤخراً، لما يعد اليوم من المسلّمات البيولوجية لدى معظم العلماء.

وحمل الأمر الرئاسي الذي وقّعه ترامب عنوان "استعادة الحقيقة والعقلانية إلى التاريخ الأمريكي"، وقد استهدف معرضاً فنياً في متحف الفنون الأمريكية بمجموعة "سميثسونيان" البحثية، أقيم تحت عنوان "شكل السلطة: قصص عن العرق والنحت الأمريكي".

وجاءت خطوة ترامب ضمن مساعٍ أوسع نطاقاً تهدف إلى إعادة تشكيل الثقافة الأمريكية من خلال إزالة "الأفكار غير اللائقة أو المثيرة للانقسام أو الإيديولوجيا المناهضة للولايات المتحدة" من متاحف المعهد. ونصّ الأمر التنفيذي: "لابد أن تكون المتاحف في عاصمة أمتنا أماكن يقصدها الأفراد للاستفادة من المعرفة، لا لسماع خطابات أيديولوجية أو روايات تثير الانقسام وتشوه تاريخنا المشترك".

كما تضمن النص انتقاداً للمعرض باعتباره يروّج فكرة مفادها أن "العرق البشري ليس حقيقة بيولوجية، بل بناء اجتماعي"، مشيراً إلى أن "العرق هو اختراع بشري"، ووصف الأمر الرئاسي المعرض بأنه مثال على تحوّل "ضار وقمعي" في السردية التي تجسّد القيم الأمريكية.

هذه اللحظة تبعث القلق والانزعاج لأمثالي من المتخصصين في تاريخ علم الوراثة والعرق البشري.

المشكلة هنا هي أن الجملة المقتبسة من "سميثسونيان" صحيحة تماماً، ولا تُعد مثاراً للجدل لا في المجال العلمي ولا التاريخي.

إن التنوع البشري حقيقة بالطبع، فالناس يختلفون عن بعضهم البعض، ونستطيع ملاحظة هذه الاختلافات في لون البشرة، ولون الشعر وملمسه، وفي سمات جسدية أخرى، وهذه الاختلافات تتجمع في مناطق مختلفة في شتى أرجاء العالم، فالأشخاص من نفس المنطقة الجغرافية عادة ما تتشابه ملامحهم أكثر من الأشخاص القادمين من مناطق أخرى، وهذه حقيقة بديهية.

كانت هذه السمات، خلال القرن الثامن عشر، المحدد الرئيسي لوضع تصنيف جديد للبشر باستخدام مصطلحات علمية مفترضة. ويُنسب الفضل إلى عالم النبات السويدي، كارل لينيوس، باعتباره رائد البيولوجيا الحديثة، لأنه وضع نظام تصنيف لا نزال نستخدمه حتى اليوم، ألا وهو الجنس والنوع.

نحن من نوع يُطلق عليه مصطلح "هومو سابيانس Homo sapiens" أي (الإنسان العاقل)، بيد أن لينيوس طرح نوعاً آخر من التصنيف في مشروعه العلمي حدده بناء على السمة البشرية الأكثر وضوحاً وهي لون البشرة.

صنّف لينيوس البشر إلى أربعة أنواع، استناداً إلى القارات: الآسيوي، وهم الأشخاص ذوو "البشرة الصفراء" والشعر الأسود الناعم، والأمريكي، وهم السكان الأصليون في الأمريكيتين ذوو "البشرة الحمراء" والشعر الأسود الناعم أيضاً، والأفريقي، وهم الأشخاص ذوو "البشرة السوداء" والشعر المجعد، والأوروبي، وهم الأشخاص ذوو "البشرة البيضاء" والعيون الزرقاء.

وقد تبدو هذه التسميات سخيفة، فحتى لو أخذنا وجهة النظر الخاطئة التي تفترض أن ملايين الأشخاص يشتركون في نفس درجات لون البشرة حتى ضمن تلك الفئات، فإن الألوان نفسها غير دقيقة، لكن جذور التصنيفات العرقية التي نستخدمها اليوم لا تزال موجودة في هذه المسميات.

كما أن بعض هذه المصطلحات أصبحت غير مقبولة اجتماعياً وتوصف بأنها تنطوي على "عنصرية"، وعلى الرغم من ذلك، لا نزال نستخدم مصطلحي "الأسود" و"الأبيض" لوصف ملايين الأشخاص، رغم أنه لا أحد منهم يمتلك بشرة سوداء أو بيضاء بالفعل.

حتى وإن كان هذا التصنيف القائم على أساس لون البشرة دقيقاً، فإن أوصاف لينيوس الأصلية بدأت فقط بالسمات الجسدية، لكن ما أضافه في مشروعه العلمي لاحقاً، أصبح الأساس لما أُطلق عليه العنصرية العلمية وتجسيداً للسلوكيات، إذ وُصف الآسيوي بـ"الغرور، والجشع، والحكم بالآراء"، ووصف الأمريكي بـ"العناد، والحماسة، والتنظيم بالعادات"، ووصفت الأفريقيات بأنهن "لا يخجلن"، أما كلا الجنسين من إفريقيا فوصفا بـ "الدهاء، والكسل، والحكم بالأهواء"، أما الأوروبي فوصف بـ"اللطافة، والذكاء الحاد، والابتكار، والاحتكام بالقوانين".

وعند دراسة التاريخ لابد أن نتحلى بالحذر في الحكم على أشخاص في الماضي وفقاً لمعاييرنا الحالية، لكن بالنظر إلى المعيار الذي وضعه مؤسس البيولوجيا الحديثة، والقائم على تصنيف البشر، فهو معيار سخيف، وعنصري، والأهم من ذلك، معيار يتسم بالهرمية، يترك أثراً لا يُمحى خلال قرون.

فعلى مدار 200 عام، سعى العديد من العلماء إلى تحسين هذه التصنيفات باستخدام مقاييس جديدة، بما في ذلك التفسيرات غير العلمية التي اعتمدت مقياس الجماجم المعروف بالـ "قرانيومتري"، وهو فرع من فروع علم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) استُخدم في.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بي بي سي عربي

منذ ساعتين
منذ 9 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 8 ساعات
منذ 9 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 11 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 12 ساعة
قناة العربية منذ 22 ساعة
قناة العربية منذ 8 ساعات
قناة العربية منذ 18 ساعة
سكاي نيوز عربية منذ 20 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 20 ساعة
قناة يورونيوز منذ 18 ساعة